قضايا وآراء

من سيميائيات المهجر إلى "فينو مينولوجيا" الشاعر الجزائري ميلود حميدة / هدلا القصار

ويقول الشاعر الاسترالي اليوت مور " أن القسم الأكبر من عناء الشعر، حيث تكتب القصيدة من عناء نقدي يرتكز على الوصول إلى الغربلة والتنقيح، كما الوصول إلى تراكيب وبرهان وكل ما تقوم عليه معرفتنا وعلومنا .." .

ومن هذه الفلسفة نتجه إلى الأديب الشاعر والناقد والمترجم الجزائري ميلود حميدة، المقيم في اسبانيا، لنفتح نوافذ أفكار تجربته، وحيثيات أعماله الأدبية والشعرية، والكتابات النقدية، وقدرته على تذوق الأدب في تفرده الغني بموضوعات رسائله البيداغوجية، و تياراته الفكرية، والوجدانية الإنسانية، وما يؤثر على رؤيته الإيديولوجية، الجامعة بين الغرب وعبقرية الشاعر، وانشغالاته السيسيولوجية، الموظفة في تجلياته التأملية وأطروحات نظرياته الشعرية والعلمية الهادفة لأدراك ماهيات الشعور الخاص، ووضع أسس الأدب عامة، وجميع المعارف والعلوم الممكنة في حياة المتلقي والمبدع ..، من خلال خطه الشعري، وقدرات رؤيته السرمدية، في قراءة الواقع الموقد موضوعات الشاعر ميلود حميدة، المتنقل بين الوطن والمواطن وبين الشرق والغرب، في خصائص ما يمكن إدراك منهجه وتقنيات ما بين التصور المنهجي والتحليل التطبيقي بشكل بيداغوجي، متجدد في آليات إدراكه، وإنتاجه، وكيفية توصيل نتائج تطلعاته المتنقلة من مستوى إلى آخر

 

يتمتع الأديب ميلود حميدة، بقدر كبير من الخيال، وتراكيب الكلمات، وحسن الصياغة، وجزالة الجمل في كتاباته القائمة على التعامل الجوالي، في بحثه عن جوهر الحكمة في علوم الغرب والشرق، واستحضار علومهم الشاملة، والمترصدة لجميع اتجاهات الحركة الأدبية، المنسوجة المؤثرة على إنتاج عناصره المتميزة بالعمق الفلسفي والجوهري... لتطوير تجربته التي مكنته تلك الثقافة ذوق العالمين، في صيغته الخطابية المتحكمة بإثارة المعنى، وكشف الزوايا العميقة.... بطريقة منطقية ودلالية، من خلال حمولات أدواته المقارنة بالوصف والتحليل والتفسير والاستشهاد، وإبراز التناقضات والايجابيات، " فمثل هذه العلوم لم نعد نجدها في إلا عند القليل من المبدعين في هذا الزمن " .

 

انه أشبه بعقل الفرد الذي يتلقى الوحي من شعور كهنة الأدب ومؤثراتهم قديما وحديثا، لينسج موال مفرداته الفاضحة الكثير من التفاصيل التي ساهمت في تشكيل الأدب الشامل، وخاصة الذي كان فيما مضى يمثل لغزاً .

كما في حمولة الشاعر وفطرة موسيقاه البارعة في اختيار الموضوعات وانتقاء قريحته، وجليل إسهام إبداعاته... فهو يستحق بجدارة أن ينتمي لشعراء العالم العربي والعالمي، لإبحاره في بوتقة موهبته الساكنة رؤيته، ورسائله الذات طابع متافيزيقي الشمولي ، وما يمهد للمستقبل أنسنة الوعي الإبداعي عند القارئ والمبدع الذي يمثل ارتباطه بالفرد والمجتمع الأدبي، من خلال تلاقح ثقافته المحملة بقيمة نوعية فعالة ... لنقرب أكثر من فنون وإبداعات الأدب عند الأديب والشاعر ميلود حميدة وأعماله الإبداعية، كونه يستقطب رؤيته من الواقع...،كإطار حضاري يصب في رؤاه المعبر ة عن موقفه من الإبداع في العالم الذي يتغير بطريقة ديالكتيكية .

لذا لا يتوانى شاعرنا حميدة من تحذير العالم مما قد يسيء للإبداع، بوصف تجربته تعني بمضمون الشعر وأدب العالمين الذين يعكسا مظهرا حضاريا مستحدثا لشتى أنواع الخطابات الشعرية، والترجمات الأدبية المعاصرة، وما يحدث في التوجه الثقافي بشكل احترافي .

 

تعتمد تجربة حميدة، وكتاباته على الطرح الفلسفي الذي يحرك العقل و الإحساس بمفاهيم حديثة وأفكار راقية من اجل أن يدخل إبداع العالم العربي والغربي إلى الأجيال القادمة، من خلال سعيه لتقديم إبداع يفوق الاجيال السابقة، لدعم القطاع الثقافي المستقل في العالم العربي ، ولتنشيط الحوار بين المثقفين والأدباء وعلاقتهم بالمحيط الأدبي الإنساني والاجتماعي والسياسي ومواكبة الأحداث ....

 

من هنا تكمن ثراء تجربة حميدة، الذي يسجل رؤيته وتطلعاته العميقة على أنواع الأدب الشرقي والغربي معا، ومقارنتهم بما يتناسب مع المنهج الأدب المصقول باحتراف ممزوج بالوعي وغيابه، لارتقاء ما يبهر طواف المعبد الكهني، المنخرط بأدق تفاصيل الأدب، والخوض فيه بسلاسة، لتفكيك التفاصيل العادية التي وظفها في نصوصه المتنقلة داخل عقول فلاسفة العصر قديما وحديثا، لنكشف عما يدور داخل أعالمه الشعرية والنقدية وترجماته، من رؤيا وحدس و أسئلة قد لا نجد لها إجابة إلا في واقع تداخلت فيه أزمنة ثقافية مبنية على الفكر العام والمعالجة للأمور الإبداعية والقضايا الوطنية والقومية والعالمية، وما سبقه من عصور، للإلمام بثقافة وطنه وأمته واستقلالها الذي يوحد جدل الإنسان المجمل الأدب ... القائم على النزعة الواقعية في الأدب والشعر، مع الحفاظ على علاقاته بالحركة الأدبية العربية والعالمية .

 

وبما أننا أردنا التأكيد أن عامل مجهود اللغة البسيطة هب التي تدعم دراسة تلك التواصل الأدبي المستخدم في الشعر المتنوع المذاهب والاتجاهات في مختلف الخطابات، من كلم ولغة وتعابير موجهة إلى المتلقي، والتركيز على الاستقراء الذي يحمل عدة نماذج أدبية منتشرة في صفحات كتابات الشاعر حميدة في بحثه عن الأدب المعاصر قديما وحديثاً وربطهما بنقاط الفوارق التي لا يجب الابتعاد عنها .

 

فهو يستدعي المتلقي ومن يوازي رسائله، وصوته الذي لم يقف عند قيود تحد تواصل نظرياته، ومشاركة القارئ في صور الأدب ومتغيراته، وإمكانية التواصل في كتاباته النوعية التي تعني بمثابة إنذارا للبشرية على العودة إلى الفكر والقراءة والتطلع إلى المعرفة، والعلم، والخيال، والإلهام المجتمعين بأقلام خرائط الأدب على مدى مساره الحافل بتفاصيل المكان والزمان، الذي صنع من تأملاته شريط يستند إلى رؤية المبدع المستقبلية الحديثة، ويمكن للمتلقي قراءتهاً بجميع إشكالياته الذهنية المتشابكة بين هويته وهوية الإنسان عامة من داخل الأدب وخارجه للنهوض والالتحام بكل معرفة .

 

ليبقى الشاعر ميلود حميدة، المرتبطة بمبدأ تأمل ولادة تطور ومفهوم الأدب والثقافة والأهداف المواكبة أحوال العصر الذي يستحق الوقوف والتفرد لولاداته، كشاعر وباحثنا وقارئاً ومترجماً، يعج بآلاف الأفكار والصور والخواطر المخاطبة عقل الفرد للمساهمة في معالجة كثير من المنغصات بإدراك منفتح، وروح مرحة .

 

هكذا استطاع الشاعر الجزائري ميلود حميدة أن يعمل على توعية المتلقي في أطياف كتاباته وتجربته وأفكاره التي تدلنا على مكانته المحورية، للبرهنة على أن مثل هذه النموذج الأدبي الذي يحمل قدرة عائلة على توليد أكثر من لغة في أعماله النوعية، وتوغله في فهم فلسفة العالم المحيط به، ومن يبحث عن عالم أدبي يسكنه، أو يتذوقه...

 

من هذه النقاط تم رصد تجربته التي فتحت لنا مجالاً خصباً للقراءة والاطلاع على أصالة ثوب الحداثة في ظل التحولات الأدبية العالمية ونزوعاته التجديدية قياساً للسياقات الزمنية والفنية التي تحمل عمق الفواصل، بين الذات العربية المقيدة، ولغة الحياة وأصالتها ...، ولنتعرف أكثر على ثقافات الغرب وحضاراتهم المسافرة في كتابات الشاعر، ونصوصه إلى ابعد من فهم عالم ضيق الأفق .

 هذا ما تمكنا رصده من عالم رسائله المتقاربة من إعمال وكتابات وأفكار الشاعر الاسباني بيكر، " الباحث عن عالم أكثر بعداً من العالم الحقيقي..." كما في تجربة الأديب والشاعر ميلود حميدة، وما تسنى لنا معرفة بحور عقله، وتأثره بملامح الحركة الحداثية عن بعد، وتعرفنا على ثقافاته الجامعة دروب الأجناس الأدبية، وما يترتب عليها من آثار في البنية التعبيرية الهيموغلافية، المتمثلة بتجربة الشاعر في نتاجه، وأحكام منهجه الواضح في كتاباته الإرشادية...، لتزويد المتلقي والمبدع بإمكانيات البحث عن مرايا الذات السكونية المستوطنة في أجواء الشاعر وتجربته ألافتة للنظر في مجل إبداعاته، أو بجمال نصوصه المجردة من الفذلكة .

ليجد المتلقي نفسه في قبضة علومه الإبداعية، ونظرياته، وأطروحاته...، لذا فما كان منا إلا أن نبحر بحرية تامة بين مئات المواضيع الثقافية المتوفر تناولها ، والتي تعود على القارئ بالمتعة والفائدة، وإعطائه مساحة واسعة للإبحار في الفكر العربي التقدمي من جديد .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2195 الاحد 29/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم