قضايا وآراء

منطلقات الحكمة .. بسفينة جمالية الشعر .. ديوان (ما لم ابح به لكم) / وجدان عبد العزيز

أتشظى مع أوراقي المبعثرة أصلا وسط غرفة ضيقة الجدران ذات نافذة مشرعة دوما، نرى الحياة من خلالها معلقة بشعرة، يثبتها خيال الشاعرة التي تكثف خطابها من خلال ديوانها (ما لم أبح به لكم)، يشدنا الانتظار بوح الشاعرة صليحة نعيجة، (وهي الموعد المورق بالبقاء)، لان (الاسرار تعلن البوح / دمعا / جرحا / وقلبا راعفا لايمل البكاء)، فـ(هل يكشف الفن (أو الشعر) عن حقيقة وان كانت هناك حقيقة يعبر عنها الفن، فما هي هذه الحقيقة وما صلتها بالواقع الانساني؟ ومن ثم هل يمكن ان يوصف الفن بالصدق او بالكذب؟ ومتى يكون الفنان صادقا؟)*، ونحن اذ نلاحظ شاعرتنا صليحة نعيجة تلجأ الى الحكمة من خلال الاهداء : (الى كل فلاسفة الحكمة والى أبي)، لنفترض حالة التهدأة لعواطفها المنفعلة شعريا، ونحن ندرك تمام الادراك ان الشعر هو انفعال عاطفي وتأثر يعتري الانسان ويوهج مشاعره واحاسيسه، للتقط جمال الكلمات ويصور من خلالها موقفه المتحصّل تجاه أشياء المحيط ومن منطلق الحكمة وبسيفينة الشعر الجمالية تحاول الشاعرة تركيز موقفها من صور الحياة المحيطة بها، تقول :

 

(المزاج هوى على ناصية الأمنية

و كونفوشيوس يعى حكمته

و أنا أيضا أدعى أننى احفظ كل حكم أبيقور

و كل الفلاسفة العقلاء

هزمتنى فلسفة الصمت فى أوجه البله

و الأدنياء

و الأغبياء

هزمتنى ابتسامتى الساخرة

هزمتنى سكاكين تلك الرؤى

تلك التى ادعيت نبل خطوها

نحو هذى البرارى التى لا طقوس لها الا بهائى

البهاء لا يدعى مئذنة للهراء .

المواويل تغنى للصمت و الحكمة البائسة .)

 

راسمة هنا موقفها بكل صلابة المرأة التي تحاول رفض الدناءة، لاظهار صوت الجمال وصورته , وتحاول تجاوز فلسفة الصمت، لتكون في فلسفة الكلام الذي يظهر بهاء الانسان وتمسكه بجمال الحياة والحب .. ثم تخاطب الحكماء بأن ..

 

(انهضوا من سبات القرون لأبثكم وحدةً مرعبة

الزمان الذى أدعى أننى

أعقل صولاته خان وعدى و فات

تاركا لى ترف الأبهة.)

 

وهذا مثل لنا مسار سخرية الشاعرة من زمن لايصغي لصوت الحكمة، انما يلفه صوت النفعية التي تختال صوت الجمال .. لذا جاء صوتها بنبرة الذات الواعية، جاهدة في تأسيس بناء جديد على قيم الخير والحب ومباديء الامنيات المحلقة في خيالاتها، وهي تحاول الخروج (من سطوة طفلة / لاتجيد الا الصلاة)، وتعني انها مسكونة في ابحث وفي ادامى صلتها بالحكمة الازلية، عساها العثور على الحقيقة، لذا كانت تعمد الى ذكر أسماء الحكماء والأب والأم والجدة .. كي تترع من خلال هذا وتشبع وتتسلح بهدوء المعالجة وترويض الكلمة الشعرية، بما يجعلها معبرة بشفافية عن ذاتها المحترقة بلهيب البحث عن قيم الجمال كما في قولها :

 

(و هكذا أنا

أحن الى

أحن الى امرأة لا تمل الحياة .

و لكنها ....

امرأة قد تعى  جيدا

ما ....الحياة ؟)

 

وهذه صورة من صور الواقع المخلوط بالخيال ..(والخيال هو المملكة التي تخلق وتبث الصور الشعرية، واحسب ان لا ملكة عقلية اصعب على التعريف من هذه، ولا ملكة كالخيال جمعت من حولها التعاريف الطنانة والمنوعة وعلى ما يبدو متضاربة)، كما يقول "سيسل دي لويس"، ويبدو ان خيال الشاعرة صليحة قد اوصلها الى حقيقة جوار الاخر مرددة :

 

(أنتَ تعى ما معنى أن أتركَ المدينة الصاخبة  باللغةِ

لأهدأَ بجوار كَ ؟

هدوءكَ يمنحنى   طمأنينةَ غيابهم بحضورهمْ

كنتَ وحدكَ بلسمًا للجرح

لا متسع للتفاصيل كى تشرحَ أنشودتها

فأنتَ العنوان الوحيد للقارة الآمنة)

 

وعكس هذا مدى انتظامها في فهم مدرك لعنوانات الحياة وكيف هو السبيل الحكيم للوصول الى القارة الآمنة، او الملاذ الوحيد للابتعاد عن ضجيج تلك الاسئلة التي يثيرها عالم الشعر في مخيلة أي شاعر في العالم , ثم تستدرك بقولها رغم ان .. (الصمتُ رسالتى التى تفهمها جيدًا

هو المرادف للحزنِ و التوقِ الى الله

هو التوبة الى نفسى

هو الهسيس الذى لا أمله بحضرة الوجدِ

هو الصاحب الذى يعى خرير القلب و هديره

هو الناحت و المنحوت

يسترسل فى صقلى بالحكمة التى

لا أظلها الا بالرفقة المارقة

وهذه صورة من صور الواقع المخلوط بالخيال ..(والخيال هو المملكة التي تخلق وتبث الصور الشعرية، واحسب ان لا ملكة عقلية اصعب على التعريف من هذه، ولا ملكة كالخيال جمعت من حولها التعاريف الطنانة والمنوعة وعلى ما يبدو متضاربة)، كما يقول "سيسل دي لويس"، ويبدو ان خيال الشاعرة صليحة قد اوصلها الى حقيقة جوار الاخر مرددة :

 

(أنتَ تعى ما معنى أن أتركَ المدينة الصاخبة  باللغةِ

لأهدأَ بجوار كَ ؟

هدوءكَ يمنحنى   طمأنينةَ غيابهم بحضورهمْ

كنتَ وحدكَ بلسمًا للجرح

لا متسع للتفاصيل كى تشرحَ أنشودتها

فأنتَ العنوان الوحيد للقارة الآمنة)

 

وعكس هذا مدى انتظامها في فهم مدرك لعنوانات الحياة وكيف هو السبيل الحكيم للوصول الى القارة الآمنة، او الملاذ الوحيد للابتعاد عن ضجيج تلك الاسئلة التي يثيرها عالم الشعر في مخيلة أي شاعر في العالم , ثم تستدرك بقولها رغم ان .. (الصمتُ رسالتى التى تفهمها جيدًا

هو المرادف للحزنِ و التوقِ الى الله

هو التوبة الى نفسى

هو الهسيس الذى لا أمله بحضرة الوجدِ

هو الصاحب الذى يعى خرير القلب و هديره

هو الناحت و المنحوت

يسترسل فى صقلى بالحكمة التى

لا أظلها الا بالرفقة المارقة

(لها فاجعة الفرح

و فاجعة الحزن

لها أسئلة لا تنتهى

و أجوبة مفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة .

لها نهايات البدء

لها بدايات الحفر فى الوجد الغبى

لها مدن بلهاء بطيبتها

لهاأسئلة متقدة النباهة

و  لها ..أقلام لا تجف .

لغة لا تعترف بالعنا

لى وتر و نهد امرأة أرقة

لى شحوب الأزقة فى وجه خضرتى

لى غصة الفرح و ارتجاف عند حلق الارتجافة

لى نظرة شزراء و بوح مستحيل)

 

فنكون امام تكويرة من الحالات الانفعالية التي تنتاب الانسان، وهو في المقابل يستوعبها ويتأمل محيط الاشياء وتفاعلها مع افكاره، حيث نجد صليحة نعيجة قد نثرت ومزجت الوانها في لوحة تحتاج منا فك اشتاكلتها وقراءة مساحاتها الجمالية بأنفتاح من حرية الرأي وحرية التأويل، فاقلامها لاتجف بعد ان تدمع من الحبر بخطوط متضادة من الحزن والفرح والبدايات والنهايات والاسئلة المتوالدة، وكل هذا يجعلنا نقر بان الشاعر او الشاعرة الحديثة تستنطق اللغة وما ورائها لتبث دلالات اخرى، وان شاعرتنا بهذا المعنى ليست انسانة عادية، انما تحمل دالة البحث عن الجمال في صعودها وسموها المثالي مثيرة بذلك اسئلة (أيكون سبب جمال الوردة هو شكلها ولونها ؟ ام تكون الاشياء الجميلة جميلة بفضل علة اخرى معقولة مثالية، هي مثال الجمال؟) ص77فلسفة الجمال(وقد يرى بعض الصوفية ان الصور الجميلة المحسوسة المشاهدة على الارض، انما تفيض عن جمال الذات الالهية) ص79 نفس المصدر من هذا نجدها تقع في حالات توتر من استعارة الكلمات وجعلها حبلى بالمعاني، حتى تبين لنا بـ(ان الشعر عملية تواصلية للكشف عن الحقيقة والاستمتاع بالمسرات المتجددة دوما في الحياة، لان الخيال حقلا عظيم الثراء والقدرة على وهب الحقيقة والجمال في نفس الآن، وان الفنون كلها ضرب من الشعر، مادام الشعر عملية خلق وابداع لقيم معرفية تسهم في اغناء حياة البشر، فالناس اغلبهم ينساقون اليه بفعل الحاجة الانسانية، كونه المصدر الاساسي لمنابع الجمال والوسيلة الفضلى لادراك الحقيقة) ص51 تلقيح النص، تقول الشاعرة :

 

(أتعبنى الصمت

له حكمة ...أعترفُ بها.

له اكتفاء و ارتواء

له سنابل ضوء تصطدم بالنباهة

و تشرئب للعتاب البهى الذى يمقت الأجوبة الجاهزة .)

 

و(عندما أخلع جبروت أنوثتى

يموت النبل فى حلق الصميم الذى تدفنه  الذاكرة

و تصطدم الطعنات  التى  لا تأبه للحزن و الكبرياء)

 

و(الدموع لا تزال أغنيتى الصامتة التى تنحت أساطير البقاء)

فهي تحث الخطى وتغذ السير نحو امنية ...

(قد ضاجعتها السحابات الغزيرة بالهطول و الابتهاج

المرح لغتى التى أحبها

و ذاكرتى التى أوهمتنى الصدق بهاءً

و ارتياحًا بكل هاتيكَ الاساطير)

 

وتعلن (انه زمن العولمة الذى مكن الفسيفساء أن تلتقى

و تلقنهم أبجديات الحياة من بعدى)

 

وهنا رفض وقبول بحاجة لحوار ونقاش كي تكتشف الشاعرة ذاتها في وسط حوارات الاخر وجدل الحياة، رغم انها تقول :

 

(أنا أدعى الصمت

فعنوة أنا أدعى الكلام ( أيضًا)

 

وهذا الصراع الذي سير مسارات الديوان واظهر بعضا من مواجع الشاعرة صليحة نعيجة في اظهار اسئلة تتوالد منها اسئلة اخرى، ولابد لنا من اطلاق دعوة لقراءة انتاجها الشعري بسبب قبوله التأويلات المتعددة ..

 

.................

/ كتاب (الصورة الشعرية) سيل دي لويس ت/د.احمدنصيف الجنابي ومالك ميري وسلمان حسن ابراهيم / مراجعة د.عناد غزوان ـ منشورات وزارة الثقافة العراقية لسنة 1982 م ص72

/ كتاب (التحليل النقدي والجمالي للادب) د.عناد غزوان ـ دار الشؤون الثقافية العربية العامة ـ افاق عربية ـ بغداد العراق لسنة 1985 ص59

/ كتاب (التلقي وشعر ما قبل الاسلام في النقد الحديث) د.حسنة محمد رحمة الساعدي ـ مؤسسة العهد الصادق ط1 2010م ص19

/ كتاب (فلسفة الجمال) د.اميرة حلمي ـ مشروع النشر المشترك ـ دار الشؤون الثقافية العامة بغداد العراق ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة ص77 ـ 79

/ كتاب (تلقيح النص بالتلقي) مؤيد عليوي / مؤسسة الفكر الجديد ـ النجف العراق ط1 2011م ص51

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2222 السبت 22/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم