قضايا وآراء

الدولة المريضة لا تنتج غير المعاناة / مهدي الصافي

فيه عدة أمراض قابلة للتطور في أي لحظة، بدأ من التقسيم الاثني الطائفي والعرقي المتمثل بمجلس الحكم، ومن ثم بناء نظام سياسي توافقي مشروط، مليء بمواد دستورية مفخخة بالتأويلات الكيفية، مفككة بذلك أهم مقومات الدولة الديمقراطية الحديثة، المفترض إنها دولة المؤسسات والسلطات المنفصلة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)،

ولان السلطة القضائية غير قادرة على مواجهة المؤسستين المتنفذتين في الحكم (التشريعية والتنفيذية، تصور إن القضاء يسأل البرلمان رفع الحصانة عن أشخاص متهمين بقضايا الإرهاب)،

أصبح النظام القائم حاليا في العراق من أكثر أنظمة العالم فسادا،  فشل إداريا في تحديث دوائر الدولة وتطوير عملها، وعجز عن إيقاف عجلة وآلة وبرنامج نهب ثروات الشعب،  ومنع ممارسة عملية غسيل الأموال، والكف عن إبرام الصفقات الحكومية المشبوهة،  الخ.

مرض الدولة واضح وكبير،  وهو جزء من أمراض الأمة العربية الموروثة، البيئة العادات،  والتقاليد،  والتراث الديني والطائفي،  والعرقي، إضافة إلى بعض الظروف الموضوعية التي تحارب الطبيعة الإنسانية-الآدمية للبشر(الحروب وقسوتها-الحصار الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، الجفاف والفقر والعوز، الخ.)، يحتاج إلى شخصيات سياسية ناضجة عارفة بخطة ومنهاج عملها، تعرف كل صغيرة وكبيرة عن البلاد، وتحتاج أيضا إلى جيش من المفكرين والمثقفين والمبدعين (أدباء-كتاب-إعلاميين-فنانين-معلمين-أطباء-مهندسين-حتى العمال والفلاحين والكسبة، الخ.)،

ولكن جيش المثقفين لايمكن ان يسجل أي نجاح في مواجهة جبال التخلف وحواجز الطرق الوعرة، وكارثة جمود العقول والثقافة الشعبية المحلية، إلا بالعمل السياسي المنظم، على الرغم من انه قد يواجه انتكاسات ونكبات وعقبات ميدانية في بدايات عمله، إلا انه سينتصر في نهاية المطاف، لان الصيرورة التاريخية والسنن الكونية تقول إن الأنبياء،  والرسل،  وعظماء الإنسانية،  وفلاسفة الأخلاق،  وبناة الوعي،  وعباد الله الصالحين،  كانوا دائما هم المنتصرون في نهاية المنازلة..

جاء رئيس الوزراء بفريق عمله ومستشاريه الذين كانوا معه في الدورة الانتخابية الأولى،  والثانية،  ويعملون ليل نهار للفوز بالدورة الانتخابية الثالثة، ليس لإنقاذ فقراء العراق (وهم يرونهم كل يوم ورواتبهم أو منافعهم الشخصية تملئ العيون)وتغيير واقع الخدمات المتردي،

بل جاء الركب ليديم عملية التعمية التي عبرت وانطلت على الكثيرين، استمرارا لتدمير البلاد والعباد (حتى وان كان يتم ذلك دون قصد،  ولكن بجهل)، ولعل المتابع للوضع العراقي يرى إن كلمات وعبارات مثل الاستثمار-نفذت المشاريع بمواصفات وبأيادي عراقية (وكأن العملية اختبار أو  درس في مادة الوطنية والقومية)، برنامج إعادة الأعمار-بناء وحدات سكنية-القضاء على الإرهاب-نحن بلد ديمقراطي، الخ.)،

ولاشيء على الأرض، غير الألم والفشل والمرض، شعب كل كفاءاته وطاقاته وخبراته الوطنية مهاجرة ومبعدة أو مهملة، في الوطن يتصيد ويتربص بهم كاتم الصوت اللعين، وفي الخارج عيون على سواد وجه الوطن!

برنامج البنية التحتية استمرار لهدر أموال الشعب، لان الجهات والشركات والاستشارات التي ستتكفل بتطبيق هذا البرنامج، هي نفسها كانت ولازالت تعمل في برنامج إعادة أعمار العراق،

والكل يعرف إن الأعمار لم يقضي على البطالة،  ولم يشغل المعامل والمصانع المتوقفة، لان الدولة المريضة (والسبب إن الذين عادوا مع الاحتلال لايحملون حماسة الشباب، وللعمر ضريبته كما يقولون)

ليس لديها خطة خمسية وعشرية ناجحة، لان العقد الأول من عمرها، تحول إلى فساد على الأرض،  وأموال مهربة في البنوك الخارجية، كيف تقضي الحكومة على البطالة،  وهي تدفع بالأموال إلى الشركات الأهلية الغير مؤهلة لتحمل مسؤولية إعادة أعمار العراق (كل عام يجب إن تعاد عملية تعبيد الطرق والأرصفة، وهكذا لبقية الفوضى، الخ.)،

هل هذا هو الاستثمار،  ونظام التحول من القطاع العام إلى الخاص (خصخصة الموارد ومصادر الثروة، يتندر المقاولون في الحديث عن المشاريع العمرانية وعن الدفاتر التي تدفع لموظفي لجان المراقبة، بالمناسبة الدفتر يعني عشرة ألاف، بل يتحدثون عن التنويع في المشاريع، يعني مقاول شوارع يتحول إلى مقاول بناء مطارات وعمارات سكنية،  وحتى لنصب محطات طاقة كهربائية،  لان الدولة دائخة في المشاكل السياسية، والعركة كلها على الامتيازات، الحمايات وسيارات الدفع الرباعي، وخدم وحشم وسفرات للاستجمام الخ.

هذه الدولة المريضة لا يفيد فيها غير الإصلاح الثوري الداخلي، على الطريقة الاتاتوركية المحسنة، التي يمكنها ان تستغل جزء من فضاءات الديمقراطية المتاحة لتمرير مشروعها الإصلاحي، بحاجة إلى سياسيين يعملون بعقلية الرجل الحديدي بسمارك (المستشار الألماني في القرن الثامن عشر،  ومؤسس الرايخ وموحد الأمة الألمانية 1815-1898) ودبلوماسيته المعروفة لكي يخرجون من الأزمات المحلية والخارجية،   لايعملون وفقا لرغباتهم وطموحاتهم الشخصية، وإنما يعملون للأمة فقط، الأمة التي وجدت نفسها محطمة ومهشمة،  وتحتاج إلى تغذية وطنية صادقة،

وإلا فمصير تلك الدولة الانهيار التام، ولكم ان تعرفوا من خلال ظهور عصابات الجريمة المنظمة، وانتشار ظاهرة الرشوة والفساد في الأجهزة الأمنية، وعودة عصابات الخطف والسلب والنهب في داخل المدن وخارجها،  دليل على بداية تقطيع الأوصال، وبداية خطيرة للتعدي على سيادة القانون،  وانكسارهيبة الدولة


مهدي الصافي 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2227 الخميس 27/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم