قضايا وآراء

الظواهر السلبية في المجتمعات العربية / مهدي الصافي

العنف، الفوضى، الفرهود، القبلية الاجتماعية، التفاخر الزائف، المدنية الكاذبة، الاضطراب النفسي - الخ.)

تكاد تكون الحضارة الصينية هي محور الصدام الحضاري القادم مع الغرب، مع إن الحضارات تتصادم لتتفاعل، فتقتبس إحداها من الأخرى عوامل ومقومات التطور والبقاء، إلا إن الحضارة الغربية تبقى هي الوحيدة المؤمنة بمشروع الصدام الدائم مع الآخرين، لأنها حضارة علمانية تؤمن بلغة السوق والتنافس التجاري بين الشعوب والأمم، لاتستند إلى الأسس الحقيقية المعتمدة في تقييم الحضارات (غادرت منذ بدايات القرن الماضي الموروث - العادات والتقاليد - التاريخ وتطوره التدريجي - الأخلاق وفلسفة الدين والمجتمع الخ.)،

فتبقى عيون الصينيين المخروطية ساهرة لعبور نهر الصين وسورها العظيم، بعلاقاتهم الاجتماعية الداخلية الناجحة، وبموروثهم الثقافي والديني المنفتح والمتسامح مع الآخرين، امة تحب الجد في العمل، وتثابر نحو الأفضل والأحسن، شعبها يمتهن ويصنع ويأكل كل شيئ (هل هي صدفة إن يقول رسولنا الكريم محمد ص بما معناه اطلب العلم حتى في الصين)!

هذه الحضارة الشرقية هربت من سلبيات الموروثات الاجتماعية الشرقية الأخرى، التي تغرق فيه اغلب المجتمعات العربية اليوم، والأسباب إن مجتمعات تلك الدول (العربية) بقيت محصورة في البيئات أو التجمعات السكانية المزدحمة (أو مايسمى بالعشوائيات)،

حتى مع ورود عجلة التقدم والتطور والتكنولوجيا الحديثة تبقى تلك الاماكن على قدمها مكتظة بالبشر، وتعاني من نقص الخدمات البلدية أو العامة، ويصعب على الإدارة المدنية والأمنية والتربوية والصحية المحلية تغطية احتياجاتها،

(بينما كنا نشاهد كيف استطاعت القدرات الإيرانية العقلية والمادية والفنية من تطوير اغلب تلك المدن القديمة، بغية الانتقال نحو دولة الأمة المتقدمة، رغم معاناة الحصار الدولي والإقليمي والعربي المفروض عليها منذ أكثر من ثلاثة عقود)،

بالمناسبة تعتبر المناطق أو التجمعات القديمة ذات الكثافة السكانية الكبيرة (والفقيرة أو المتوسطة الدخل)

في الدول الغربية أو حتى في الولايات المتحدة الأمريكية هي مجمعات ذات مشاكل اجتماعية دائمة وخطيرة!

ليست المشكلة غرائزية بحتة أو عادات مقتبسة فقط، كما حاول الراحل الدكتور علي الوردي (أو حتى وفقا للمنظار الغربي العنصري الذي يصنف الأعراق ولون البشرة) إن يتشعب في وصف طبيعة المجتمع العراقي وعزله ثقافيا عن المحيط العربي أو الطبيعة الآدمية للإنسان والمجتمعات عموما،

والتي تتغير طبيعتها تبعا للظروف الموضوعية الخاصة بالبيئة والموروث القبلي والعشائري والديني أو حتى الطائفي والعرقي، والمتغيرات الحياتية الاعتيادية، كتغير ظروف الحياة اليومية ماديا ومعنويا،

وانتشار ظواهر سلبية مصاحبة للأحداث الجمة التي تعصف بأي شعب (الحروب - الجفاف - العزلة والمصلحة الفردية والانقطاع عن العالم - قلة الرزق - نقص الخدمات - العيش تحت خط الفقر - قسوة الحكام واستبدادهم - الانصياع المذل لحاكم العشيرة أو القبلية أو المسؤول في الدولة - عجز الدولة عن حماية مواطنيها - قلة قيمة وقدر الإنسان، الخ.)

الحلول من وجهة نظرنا المختصرة:

أولا - يجب ان تعتمد الدول المبتلية بتلك الظواهر المهددة لعجلة تقدم وتطور المجتمعات على الدراسات الموثقة الصادرة أو المقدمة من قبل مراكز ودوائر بحثية متخصصة، تحدد من خلال تلك الدراسات الأماكن والتجمعات السكانية الكثيفة أو العشوائية، ومن ثم تعمل على إيجاد حلول مرضية للطرفين (الدولة والمواطن)،

كأن تخصص لهم مناطق أمنة بعيدة نسبيا عن مراكز المدن(ويجب أيضا ان تكون هذه سمة من سمات المجتمعات المتقدمة التي تبحث دائما عن العشوائيات، بغية إيجاد الحلول لمشاكلها، لأن هذه المناطق قد تكون احد أهم مصادر الإرهاب والجريمة المنظمة والعنف الاجتماعي، نظرا لانتشار ظاهرة البطالة والفقر، مع إن اغلب شاغلي تلك الاماكن يكونون من الطبقات الاجتماعية المحرومة وتعيش تحت خط الفقر، واعتقد إن كل إنسان عربي لديه خزين من المعلومات والقصص المحزنة عن تلك المناطق)

ثانيا:توسيع الأسواق التجارية وإبعادها عن المناطق السكنية، وجعلها في اماكن مفتوحة تمنع احتكاك المتسوقين، بحيث يمكن للدولة ان تشتري الأسواق القديمة، ومن ثم إعادة بنائها وفقا للتصاميم العالمية الحديثة أو طرحها للاستثمار(كالمولات ومراكز التسوق الكبيرة)، ستكون مجهزة بالتقنيات الأمنية والخدمية المتطورة (كاميرات المراقبة وحماية البنايات الشخصية)، التي يسهل عمل الأجهزة الأمنية، ويعد صورة ثقافية جديدة تبعد المواطنين عن المشاكل وعن طبائع البعض الرديئة السابقة (التحرش والسرقة والإفلات من المراقبة)

ثالثا - تحسين الواقع الاجتماعي للطبقات الفقيرة، وإيجاد فرص عمل للعاطلين، وتعزيز دور مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وتشجيع أصحاب الثروات بالتبرع لدوائر الضمان الاجتماعي (حتى أموال المراجع! يجب ان يسن قانون خاص بحيث يمنع توريث الحقوق الشرعية وتوزيعها على أبناء وأحفاد وبنات المرجع بعد وفاته، بل يجب ان تذهب هذه الأموال إلى خزينة الدولة، وخصوصا إذا كان نظام الحكم في تلك الدولة يخضع للشريعة الإسلامية، وكان سكان البلاد غالبيتهم مسلمين)، وكذلك العمل على تنمية وتعديل قوانين ضريبة الدخل، من اجل ان تكون مصدرا مهما في القضاء على الفقر وتحسين الخدمات العامة.

إن مسألة تقليل المشاكل الاجتماعية في الدول المكتوية بنيران التطرف والعنف الديني، يجب إن تمر عبر بوابة الاهتمام والمراعاة الحكومية للطبقات الفقيرة، ورفع مستوى دخل الطبقات المتوسطة بغية الحفاظ عليها من الهبوط، وكذلك من خلال تطوير وسائل التربية والتعليم، ومعالجة الأحياء والتجمعات السكانية الفقيرة،

فشكل وحجم ونوعية وقسوة العنف والإرهاب المنتشر في بلادنا كبير وخطير جدا، هناك فنون غريبة عجيبة يتبعها المنحرفون في تعذيب الضحايا،

فهل سمعتم في القرن الحالي على الأقل إن امة أنجبت سفاحين، مثلما أنجب العرب!


مهدي الصافي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2239الثلاثاء 09 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم