قضايا وآراء

المسؤولية المشتركة بين الشعب والحكومة / مهدي الصافي

هي قضايا مصيرية مشتركة تهم الجميع دون استثناء،

بينما تفككت هذه المسؤوليات والأواصر الاجتماعية في الدول الغربية، وأصبحت القضايا والأمور الحياتية هناك قضايا فردية شأنيه مشتركة

(أي بمعنى إن الاحتجاجات غالبا ماتكون لقضايا ومشاكل فردية أحادية الموضوع والهدف،  لكنها جماعية منعزلة عن بقية القضايا والمسائل،  تخص شريحة معينة أو قطاع خاص محدد، المعلمين - موظفي التمريض-عمال النظافة ومحطات القطار-سائقي الشاحنات-طلبة الجامعات، الخ.).

هناك في التراث العربي والعراقي تحديدا ثقافة التراث الشعبي (الأمثال والحكم الشعبية السيئة-منها مثلا الذي يأخذ ألام اقول له عمي-اليد التي لاتقدر تلويه بوسه يعني قبله-الحواسم والفرهود- الديرة المالك عرف بيه شله..، وجديدها ماتنحل إلا بخروج الحجة، الخ.)،

اكتسبت هذه الأمثال بمرور الزمن قدسية اجتماعية، وأصبحت اقرب إلى البداهة، استعملها الناس في الكثير من المناسبات، وبنيت عليها أفكارهم وحركاتهم وسكناتهم وسكوتهم أحيانا، وهي احدى الوسائل النفسية الذاتية المؤدية إلى التركيع والإذلال الاجتماعي المتبع والمستفاد منه من قبل الحكومات المتغيرة.

بعد ان تغيرت الأنظمة العربية، وأصبحت قريبة من أسوار الأنظمة الديمقراطية، لازالت الأفكار أو العقلية الجمعية الحذرة سابقا من الأنظمة الشمولية تعمل وتتحرك وتفكر بنفس الوتيرة المرتبكة حاليا، مع استمرار لغة التبجيل والتملق المتبعة من قبل المواطنين تجاه المسؤول، واعتبارها  لغة سائدة ورائجة في التعامل حتى مع موظفي الدولة العاديين

(من يرفض ان تحيطه الألسن المتملقة والمتلاعبة بالألفاظ، ويقف فوق الرقاب المنحنية التي تعرض وتقدم الخدمات المجانية،  إلا بالطبع تلك النفوس العفيفة-على سبيل المثال القبول بتشغيل حمايات المسؤول في خارج أوقات العمل لتنفيذ الأوامر والخدمات العائلية)،

البعض يعطي مسؤولية متابعة عمل الحكومة وأداءها إلى البرلمان فقط، وهذا خطأ روج له بشكل واسع من قبل السياسيين العراقيين، ونجحت في إبعاد دور الشعب في محاسبة الحكومة والبرلمان، بل هي مسؤولية مشتركة وخصوصا في القضايا الوطنية الخطرة (الإرهاب-سرقة وتبيض أموال الدولة-الجرائم الاقتصادية-كم مواطن عراقي اهتم أو سأل نفسه أو احتج على تأخير متابعة وعرض نتائج التحقيقات الجارية بخصوص البنك المركزي العراقي)،

يجب ان يبقى الشعب دوما في مواجهة الأداء الحكومة ومراقبته، وليس إلى جانبها (فقط يكون في جانب الحكومة في القضايا الوطنية والقومية، ومسألة الانتخابات العامة، فبعد الانتهاء من الانتخابات يرجع المواطن حتى المؤيد للحكومة إلى موقع المراقب والمحذر والمقترح، لتطوير أداء الحكومة وتنمية عملها)،

وتعود أسباب تلك المواجهة إلى كثرة المطالب والاحتياجات والضرورات المعيشية المتعددة الاعتيادية،  التي يبحث عنها المواطنون في كل مكان، ويرغب في إن تنفذها الحكومة (ففي الدول الغربية يعد الاهتمام بمسألة شكاوى المواطنين من الأولويات الملحة، التي تتعامل بها جميع مؤسسات الدولة ودوائرها الحكومية بجدية فائقة، حتى وان كانت تافهة وفقا للمنظور العربي الشرقي)،

على اعتبار إن أفضلية ترجيح هذه الحكومة المنتخبة أو الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية، جاءت كنتيجة لخيار المواطنين المعجبين ببرنامج تلك الحكومة أو الكتلة البرلمانية، وعليهم فهم ينتظرون المزيد من الانجازات.......

(مواجهة الحكومة لاتعني استخدام وسائل العنف والتخريب لإشاعة الفوضى، بل تتم عبر الاحتجاج الجماهيري الحضاري الهادئ، واستخدام الوسائل الثقافية والإعلامية الهادفة البعيدة عن لغة التسقيط والقذف والبحث في ملفات الماضي، لإيصال رغبة الجماهير في الإصلاح والتغيير، ليس على غرار رعاة الأغنام الذين احتارت معهم بلديات المحافظات، هؤلاء يحتجون بطريقتهم البدائية المتخلفة الخاصة،  يواجهون حاويات النفايات الحديثة، لان أغنامهم لا تستطيع القفز إلى داخلها، فيعمدون يوميا تقريبا إلى حرق تلك الحاويات ليضطر الناس إلى رمي النفايات خارجها، فيستفاد هو من العلف المجاني)،

بمعنى أخر إن القوة الجماهيرية يجب إن تبقى هي القوة الأكبر في الساحة،   يجب إن تحسب لها السلطات الثلاث الحساب، لأنها وحدها قادرة على إجبار البرلمان  لإسقاط الحكومة وتغييرها (وقد سقطت أنظمة دكتاتورية دموية بتلك القوة)، ولهذا يحتاج الشعب لإخراج هذه القوة الحبيسة داخل الصدور إلى العلن، ليحدد موقفه في انتخابات مجالس المحافظات القريبة، ويستعد ليقول كلمته الفصل في الانتخابات البرلمانية القادمة....

اليوم يرى الكثير من المواطنين وهم يحبسون أنفاسهم بحسرة وألم مسألة اعادة البعثيين  إلى الواجهة،  واستحواذ ذويهم على العديد من الوظائف والمراكز الحكومية الحساسة، بينما تناست الحكومة العراقية والأحزاب المشاركة فيها ضحايا النظام البعثي البائد، بعد ان شبعت هذه الأحزاب هي وأقربائهم حتى الدرجة العاشرة من بركات المحاصصة الديمقراطية (العديد من مسؤولي الدولة الحاليين وزعوا وظائف الدولة على أقربائهم من البعثيين، ومنهم من يعمل في المواقع والأجهزة الأمنية والعسكرية الحساسة، احد أعضاء مجالس المحافظات الجنوبية وزع الوظائف المتاحة  في المجلس على أقربائه البعثيين، بينما ترك المواطنين الفقراء تحت رحمة الأمثال الشعبية)

هذه المسؤولية مسؤولية تاريخية لتقليل خطورة عودة أنظمة الاستبداد والاستعباد الشخصي، تخص جميع القطاعات والمجالات والأمور الحياتية، ونهيب بعشائر العراق الرزينة ان تبتعد عن لغة الأهازيج والهوسات الشعبية، التي ليس لها مجال في العصر الالكتروني الحالي (ثم نحن لسنا في حرب مع احد، إلا مع انسفنا)، وهي ثقافة ترفع من شخصية المقابل المعني بها، وتحط من قدر صاحب تلك الرقصات التراثية،

هذا فضلا عن إن باب الالتزامات والواجبات المتوقعة والمنتظرة من الحكومية تجاه الشعب، تقع ضمن قائمة طويلة من الاحتياجات الإنسانية والاجتماعية،

تبدأ بالخدمات العامة الكهرباء الماء الصالح للشرب،  مرورا بالخدمات الصحية والتعليمية، وبناء الطرق والجسور، وعدالة توفير وتوزيع فرص العمل، انتهاء بتوفير الأموال الكافية الخاصة بدوائر ومؤسسات الضمان الاجتماعي ودور الرعاية الخاصة بالأطفال والمسنين وأصحاب الاحتياجات الخاصة،  الخ.

الحكومة هي أيضا بحاجة إلى شعب واعي، يعرف الطرق الصحيحة السلمية للمطالبة بحقوقه، ويخدم مسيرة التنمية الحقيقية للنظام الديمقراطي الجديد، ويقدم استشاراته ومقترحاته عبر استخدامه الوسائل الوطنية المتاحة (إقامة الندوات والاجتماعات والتصريحات الإعلامية-لا ان يذهب إلى دول الجوار ليعمل على تشويه الحقائق الموجودة على الأرض، أو يقفز فوق الأطر القانونية والدستورية لتشويه عمل الحكومة أو من اجل استهداف شخصية أو كتلة معينة-أو التشكيك بنزاهة القضاء عندما يمر على كتلهم للتحقيق، كما في قضية الهاشمي ومحافظ البنك المركزي الشبيبي)

 

مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2266 الأثنين 05 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم