قضايا وآراء

المصالحة مع البعثيين .. إهانة للشعب .. وخطأ تأريخي / مهدي الصافي

للمجتمع وقد تكون تجربة جنوب افريقيا وعبارات التسامح التي أطلقها نلسون مانديلا في البرلمان العنصري بعيد التحرير من العبودية (1994) مثال رائع عن سعة الصدر تجاه أبناء الوطن الواحد ويمكن ان تكون هناك تجارب مماثلة أنقذت العديد من البلدان المضطربة عرقيا وطائفيا وسياسيا ولكن ماذا عن البعث (الذي قال لهم الراحل عبد الكريم قاسم عفا الله عما سلف فكان جزاء هذا الفعل رصاصات غدر استقرت في جسده  توارت معه تحت مياه دجلة؟

أولا يجب الفصل وعزل من كان انتماءه لحزب البعث لأغراض الدراسة أو الوظيفة والعمل المدني وحتى العسكري المهني (سلك الشرطة وبعض المهام العسكرية في الجيش) فهؤلاء لايمكن إن يطلق عليهم بعثيون (حتى كان الناس يهربون من قيود الطاغية فيصرون على إشاعة مقولة بعثيون وان لم ننتمي) 

بالطبع هناك من ارتقى لتلك المناصب ومارس أقذر الأدوار في ملاحقة زملائه في العمل أو الدوائر أو المدرسة  مع الملاحظة من ان العديد من عمداء الكليات والمعاهد والمدارس كانت لهم مسؤولية مباشرة عن ترقين قيود الطلبة وكتابة التقارير عنهم وإرسالها إلى مديريات الأمن (وكان هناك أيضا طلاب في الثانويات والمعاهد والكليات يعملون وكلاء امن) كل هذا يعد شيء بسيط يمكن التغاضي عنه ولكن ماذا عن:

1- المقابر وحملات الابادة الجماعية

2- مذابح الانتفاضة الشعبانية عام 1991 في معتقل الرضوانية  وبقية السجون  وحتى في شوارع المحافظات (اروي لكم من قذارات البعث السادية  حادثتين يعرفها أهل الانتفاضة-واحدة امرأة دخلت سايلوا المواد الغذائية مع أطفالها  لتغرف حفنة جريش أو بقايا حنطة يسد رمق جوع أطفالها يبدو انها تفوهت بكلمات  عدها أشاوس الأمن الخاص أو قوات الحرس الجمهوري إهانة لقائد الضرورة شج حلقها بالحربة  وتركت تنزف حتى الموت  وأطفالها يتباكون عند قدميها أو هذا الشاب المسكين الذي ضن إن هناك رحمة في قلوب جلاوزة البعث لانه لم يشترك في الانتفاضة فقطعوا إذنه أمام المارة الخ)

3- ماذا عن قصر النهاية والمجازر وصور التعذيب  التي لم تعرفها إلا عدد قليل من الدول الدموية الهمجية (المدعومة دوليا)

4- طيب كيف يمكن ان ننسى قوانين الإعدام بحق الأحزاب الإسلامية  ومنهم حزب الدعوة (وبأثر رجعي) وجرائم التهجير ألقسري والأنفال وحلبجة ومعاقبة ذوي الضحايا حتى الدرجة الرابعة واعتقال ذوي المعارضين السياسيين وإعدامهم أحيانا الخ.

5- كيف ننسى مذابح السجون العراقية التي تشترك فيها جميع أجهزة النظام البائد (البعث والأمن ووكلائهم والجيش وحتى الشرطة) أعمال وحشية نخجل ان نقول للعالم إنها حصلت في بلادنا  لان الفاعلين هم عراقيين (روى احد سجناء النظام البائد صورة مروعة عن جرائم قتل الأطفال الرضع في السجون  لنزع اعتراف ذويهم يقول جلبنا إلى باحة السجن  وقد علق رجال الشهامة الزائفة امرأة وزوجته عراة امامنا وجلب أيضا طفلهما الرضيع وطلب منهم الاعتراف تحت تهديد قتل الطفل وبعد ان مل احد المخنثين من نزع الاعتراف  ضرب الطفل الرضيع في الحائط فتناثر جسد الطفل البريء وروى سجين أخر وهو شقيق الشيخ عبد الحليم الزهيري حادثة جلب امرأة عارية في ممر التعذيب السادي  فجاءها رجل امن بعثي فأقتلع بأسنانه احدى حلمتي هذه المرأة البريئة ولماذا نذهب بعيدا عندكم تفاصيل حادثة عرس الدجيل الأخيرة وكيف نزعت أثداء المرأة بالمنجل

6- ثم كيف لنا ان نسكت عن دمار العراق (سياسيا واقتصاديا وتربويا واجتماعيا وعسكريا الخ.) وتهجير وتشريد أبناءه لأكثر من أربعة عقود

7- وماذا عن الإرهاب المتحالف مع البعث القذر وجرائمه التي لم تختلف كثيرا عن جرائمه السابقة

8- فضلا عن كوارث الحروب وتبعات احتلال الكويت وممارسة الحصار الاقتصادي الثاني المتزامن من الحصار الدولي بعد تحرير الكويت وتحميل الشعب مسؤولية دفع مغامراتهم الفاشلة

9- جرائم تجفيف الاهوار وتهجير ومحاربة أهلها وتجريف بساتين الدجيل

10- جريمة اغتيال وإعدام الكفاءات الوطنية من العلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين وكذلك إعدام تجار بغداد ومصادرة أموالهم (علما إن كل من يعدم أو يهاجر تصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة وترمى العوائل في الشارع)

 

نكتفي بهذا القليل من جرائم النظام البائد لأن سجلات التدوين لازالت مفتوحة لتوثيق فضائع البعث (علما إن بعض تلك الجرائم موثقة من قبل النظام البائد نفسه) 

إذن من يريد ان يستورد تجارب الشعوب الأخرى ويطبقها على ارض العراق عليه أن يحدد الظروف والمتغيرات والفروقا المختلفة بين تلك التجارب فهو أما واهم أو متورط بملفات فساد أو لعله يخاف على دفاتره القديمة المليئة بالأحداث وقصص الانحطاط الأخلاقي والإنساني 

لسنا من دعاة الانتقام  ولكن من دعاة إنصاف ضحايا الجلاد

يرد البعض على عدد من مقالاتي حول البعث (يدعي إننا بحاجة إلى ثقافة التسامح) متناسيا إن البعث إلى ألان لم يعتذر للشعب العراقي عن جرائمه (الغريب إن مجلس الوزراء والبرلمان العراقي خصص وزارة للتصالح وصرف المليارات على جلاوزة البعث وبعض الجماعات المسلحة 

لكنه إلى ألان لم ينصف ضحايا النظام البائد بشكل عادل عدا إمساكه بشماعة عوائل الشهداء والسجناء  وترك الباقين تحت رحمة الأمزجة) 

ونحن بالطبع نتفق مع هذه المبادرات ولكن ان يعترض احدهم على ان نذكر أبناء الخايبة المسحوقين منذ عقود إلى ألان لم يحصلوا على وظيفة أو عمل مناسب 

بينما تعج الوزارات ومجالس المحافظات وحتى الأجهزة الأمنية والعسكرية بالكثير من ذوي البعث البائد 

نقول مرة أخرى لسنا مع حرمانهم من حق العيش وكسب الرزق  ولكن حتى في الدول الحضارية المتقدمة  هناك أولويات وظيفية مقدمة لأبناء البلد الأصلي (وللمواطنين من أصحاب السجلات النظيفة هم وعوائلهم) انصفوا الضحايا والمحرومين ثم افتحوا أبواب التسامح للجميع

لقد أغدق صدام بالهدايا وصرف على أتباعه ثروات طائلة إلى اليوم أموال العراق المهربة تتلاقفها أيادي خفية لايعرفها احد (أول من تمتع بتوزيع السيارات يوم كانت وسيلة الناس المتاحة المشي بعد ان ألغيت تقريبا وسائط النقل الحكومي هم البعثيين)...

المجرم البعثي والمسؤول عن كسر رقاب الناس العدالة تتكفل به وذوي البعث يعاملون كمواطنين عاديين  لايحق لأحد ان يأخذهم بجريرة المسيئين 

ولكن لايقدمون على المواطن المحروم  الذي عانى من الإهانة والتشرد والاحتقار البعثي  وشبع من جور النظام البائد وذاق مرارة الخوف  والذعر من خطر يلاحقهم دون ذنب ومن بذاءة المعاملة  وقسوة الحصار البعثي  الذي حارب الناس في رزقهم وعيشهم وحبس أنفاسهم....

إن تجربة البعث في الحكم تجربة قاسية دمرت العراق جعلته ارض جرداء خالية من الأمن والأمان خارجة عن الحضارة العالمية ومن يروج له ويدافع عنه يساهم في ارتكاب خطأ تاريخي جسيم ستدفع الأجيال القادمة ثمنه الباهظ لأننا في طور إصلاح النفوس والعقول التي ساهمت في ديمومة وبقاء هذا النظام...

حتى اليوم ومع إن أسعار النفط فاقت المتوقع لم يستطع الشعب العراقي ان ينهض من جديد لانه تشبع بثقافة العنف والفساد الصدامي 

وكما قالها من قبل السيد الخميني الراحل موجها كلامه إلى شعبه" نحتاج أربعين عاما حتى نصلح ما أفسده الشاه المخلوع" ونحن يبدو كذلك ولكن كما قالها أسياد النظام العالمي في عام 1991 رجع العراق خمسين عاما إلى الوراء والله اعلم كم ازداد عدد السنين بعد عام 2003...

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم