قضايا وآراء

مدينة وادي الحجارة الاندلسية .. آثار وعمارة (1) / كاظم شمهود

 نجد الانا قد انقلبت الى نحن ليكون عملا جماعيا .. هذا العمل الجماعي الطموح والمتفاعل والمتفائل لم يكن موجودا على سلم الحضارة  الا اذا وصل المجتمع الى درجة كبيرة من الاستقرار .. لقد اختلط الفاتحون مع اهل البلاد الاصليين فاصبح النسيج الاجتماعي يتكون من مختلف الاجناس والثقافات من عرب وبربر وغوط وايبيريين ومسلمين ونصارى ويهود وغيرهم ...هذا التنوع الاجتماعي الاندلسي يجعلنا بحق امام تجربة ثقافية وعمرانية وحضارية غنية وثرية ومميزة بتجربتها عن المشارقة وبالتالي فهي  جديرة بالقراءة والاهتمام .. ويذكر الدكتور محمد عبد الله عنان ان الخليفة عبد الرحمن الثالث كانت امه نصرانية اسمها مارية او مزنة.. كما تذكر مصادر اخرى انه كان اشقر وعيونه ملونة وشعره ضارب الى الاحمرار. وقد حكم من سنة 300 الى 350 هجريه 912-962-م وهي اطول خلافة في تاريخ الدولة الاندلسية . كانت مليئة بالانجازات العمرانية والثقافية وفي نفس الوقت كانت عصر حروب وفتن وثورات .... ويذكر ان احد العلماء سأل الناصر عن السعادة التي صاحبته خلال حكمه الطويل فأجابه " بانه لو جمعها فانها لاتتعدى الا اياما قليلة ...

 

المدينة الاندلسية

هي مدينة عربية التأسيس والاسم وتقع على بعد 50 كم شرق العاصمة مدريد . ويذكر المؤرخون الأسبان بأن معنى وادي الحجارة Guadalajara هو وادي القلاع . كما يذكر بأن هناك 30 موقعاً اثرياً في المدينة معضمها تتكون من الحصون والقلاع والمعابد والقصور والابراج والجسور وغيرها، ويذكر المؤرخون ايضا بان مؤسس المدينة يدعى فرج بن مسرة بن سليم، ولذلك تسمى المدينة احيانا، مدينة آل فرج .

المدينة تقع قرب الجسر العربي القديم، حيث يذكر أنه كان في هذا المكان آثار لجسر روماني، فجاء العرب وبنوا علية جسراً جديداً حسب مواصفاتهم المعمارية ومتطلبات تلك الفترة . كما يذكر بان عبد الرحمن الثالث هو الذي امر ببناء الجسر في القرن العاشر .

واما تاريخ انشاء المدينة فيعتقد انها أنشأت بعد بناء مدينة مدريد- مجريط - سنة ( 873 ) كما ان هناك رواية اخرى تقول انها انشأت في القرن العاشر، وان اسم احد أبواب سور مدينة مجريط كان يسمى باب وادي الحجارة والذي يقع في الجانب الشرقي من سورها، ومنه يخرج طريق متجها نحو وادي الحجارة . وتذكر المصارد الاسبانية بان المنطقة القريبة من الجسر العربي القديم كانت تسمى Alcalleria وتكتب احياناً ِAlcarria  أي القرية او ( الكرائية )، وفي هذا المكان انشأ العرب قلعة حصينة وقصراً . والقلعة متسطلية الشكل ولها مساحة - 17.000 - مترا مربعا ولها سوران وابراج قائمة عليهما . ولازالت لحد هذا اليوم آثار بعض الابراج واجزاء من السور وهي مبنية من الاحجار والآجر، وقد كان للمدينة سوران احدهما يحيط بالقصبة والثاني بالاحياء السكينة وعليها عدد من الابراج المتنوعة الاشكال منها مربعة واخرى اسطوانية الشكل، وهناك ايضا عدد من الابواب التي لم تعرف اسماءها الاصليه الا القليل، حيث اعطيت لها اسماء نصرانية جديدة بعد سقوط المدينة بايديهم، ومن هذه الابواب هي :باب /Santo Domingo del Mereado  وباب /Bejanque . اما الابراج التي لا زالت قائمة فهي برج البرانة وهو برج ضخم مرتفع جدا يقع اليوم قرب قصر الامراء وقد سمي Alvar fanez وله شكل مثمن ويتكون من طابقين ويشرف على الباب الرئيسي للمدينة . ويذكر ان القائد النصراني Alvar fanez عندما دخل المدينة منتصرا، دخل من هذا الباب فسمي الباب باسمه . والبرج الاخر يسمى الامين Alamin ويقع قرب كنيسه Santa Maria de la fuente ويعتبر ايضأ من ابراج البرانة المهمة، وكان يحرس الجسر وهو مربع الشكل ويتكون من طابقين، ومادته الآجر والحجارة .،

زرت المدينة عدة مرات واطلعت على مواقعها الاثرية، كما زرت ارشيف البلدية وعثرت على بعض المصادر المهمة منها تخطيطات مجملة للمدينة العربية القديمة وهي مرسومة وموضوعة من قبل علماء الآثار، حيث تمثل مراحل زمنية مختلفة من توسع وتطور عمارة المدينة . وقد ظهر فيها مواقع القصبة والقصر العربي والاسوار والمنازل والمساجد والارباض، وكذلك حي اليهود وحي النصارى والسواقي ونهر هينارس والجسر العربي .

وحسب التخطيطات المجملة فان المدينة تقع على هضبة منبسطة تمتد من الشمال الى الجنوب وتحيط بها الاخاديد والمنخفظات والمنحدرات . وللمدينة سور وابراج متنوعة الاشكال، ويحدها من الشمال الجسر العربي ومن الجنوب القصبة والقصر العربي، ولها بابان رئيسيان احدهما يقع في الشمال والاخر في الجنوب . ويشاهد في التخطيط حيين صغيرين خارج الاسوار احدهما للنصارى والاخر لليهود ويقعان في الجهة الغربية من المدينة .

وفي الحملة العسكرية التي قادها عبد الرحمن الثالث سنة 920 ضد الممالك النصرانية شمالا، فقد وصل الى مدينة وادي الحجارة واستقر فيها بعض الوقت، وعين فيها حاكما جديدا اسمه سعيد بن المنذر القرشي والقاضي محمد بن ميسر، بدلا من حاكمها السابق ابن سالم . وخلال حملته الثانية على سرقسطة قام بتحصين المدينة، حيث اجرى توسيعا وتجديدا، وتقوية الاسوار والابراج والجسور وغيرها من الحصون الدفاعية، كما زود المدينة بالمؤنة المادية والعسكرية، فاصبحت من اكثر الحصون قوة وامانا . وبالتالي انتعشت فيها الحياة وتطورت في جميع المجالات خلال سنوات 937 و938 ..... وما زالت هناك متابعة مستمرة من قبل كثير من المؤرخين والباحثين خاصة العرب للكشف عن النواحي الغامضة في تاريخ العمارة والادب والفكر الاندلسي حيث تزداد وضوحا كلما نشر كتابا او طبع مخطوطا او نشرت مقالة ..... اما الحركة العمرانية والعلمية والثقافية فسيأتي الحديث عنها في المقامة القادمة ....

 

 

تابعنا على الفيس بوك وفي تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2289 الخميس 29 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم