قضايا وآراء

مفهوم الثقافة .. واشتغالاتها الجمالية / سعدي عبد الكريم

.. قضية في غاية الأهمية .. وربما نرى من وجهة نظرنا النقدية بالطراز الأول .. والنظرة التداولية بالطراز الثاني .. بان الثقافة هي نوع من أنواع التواصل الانموذجي بين المتلقي .. وبين النص باعتباره المحفز الأساس في تثوير الطاقات الكامنة داخل المسلمات الساكنة في النفس البشرية .. للاستعانة بها كدلائل واعظة للوقوف على ركائز النص باعتباره وعاءا احتوائيا لتجربة الكاتب الحياتية او الزمكانية والأدبية والثقافية .. والوقوف مليا ًفي حضرة ذلك التنوع الاجتهادي اللغوي داخل جسد النص .. او حتى تنغيم الترانيم الفنية اللحظوية منها .. او التعبير عن أفكاره المتجذرة داخل مواطن ثباته الانتمائي لتربة هذا البقعة البهية الكونية (العراق) وأيضا في تعميم تجربته الذاتية على مفردات المقارن من الهموم الجمعية التي تختزلها الذاكرة المتوافرة على المقارن في جملة الإبعاد الإجمالية والتراكمية في فهم البعد الاستشرافي للمستقبل .

وبالتالي هي الاستجابة المثلي .. داخل منطقة التساوق المنطقي لبيان مخيال المدون .. وبين الأذهان المتلقية .. وهذا بلزام الضرورة ليس انتقاصا من المفاتن المؤدية الى ذلك التراكم الكمي الذي يخلق وعي نوعي وفق ما ذهب اليه (بيتر فايس) لكن بالضرورة سيكون هناك ثمة تفاوت واضح ما بين مخيال المدون .. أيما كان .. وبين المتلقي العام .. لكن النخبة تبدو خارج منطقة التداول .. وفق منظومة ملزمات هذا المتفاوت الفهمي .. لأنها قد تكاد وكما نرى في اعتقادها .. بأنها المتربعة فوق عرش فرش النص .. واسفنجيته لامتصاص الفهم أو الاكتشاف .. والاستقراء والتحليل والتفسير وإحالة المدون لمنطقة التأويل وتجري له أي (النص) فحوصات ذات مغزى نقدي .. ونص مجاور او محاذي لذاك النص الأصيل .

نرى شخصيا بان الثقافة بمفهومها اللغوي تعني ..

ووفق القاموس المحيط / تعني :-

بان مفردة المثقف .. تنحو ذات المعنى بدءً .. ثقف ثقفًا وثقافة، صار حاذقًا خفيفًا فطنًا، وثقَّفه تثقيفًا سوَّاه .. وهي تعني تثقيف الرمح ، أي تسويته وتقويمه .

والثقافة استثمرت في العصر الحديث للدلالة على الرقيّ الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات .. والثقافة ليست مجموعة من الأفكار فحسب .. ولكنها نظريٌة بالغة التطوير في السلوك الإنساني والأخلاقي والأدبي بما يرسم ملازمها بغية ترميم حياة الفرد داخل مجتمعه .

وهنا لا بد من استعراض ملامح الثقافة في تطوير الملامح الجمالية لدى الفرد المتلقي .. او في ذات المدون للنص .. باعتباره المتسيد على ذوات المتداول المقروء .

وهنا ووفق سياق الحديث عن مهمة الناقد وعيونه المبصرة لخلق معنى ثان ٍ لمعنى النص .. اوالولوج لمعنى المعنى بداخله .. وفي مداخلاته الاعتبارية المهمة التي يجد فيها الناقد ملهماته في تقيم النص من حيث شكلانيته أي (الفحوى) او من حيث السبك اللغوي .. او من حيث التناول الثيمي اصطلاحا .. وبالتلي لاكتشاف مناطق الجمال والقبح داخل النص المدون .

ان الثقافة في مجمل اشتغالاتها الجمالية تعني التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى وبالتالي فهي نمطا متكاملا من أنماط المعرفة البشرية .. والسلوك .. والفهم .. والذي يعتمد جبراً على جملة من الاعتقادات الفاعلة في جسد المحصلات الانتهائية الجمعية في مجمل التناول السايسولوجي .

وهي بالتالي أي (الثقافة) اتجاهات مشتركة من القيم والأهداف والممارسات التي تميز فاعلية المشترك الإنساني بين الإفراد بقيمهم الأدبية .. مثل منظمات المجتمع المدني .

ولعل ملتقى المثقف العراقي الذي اجتمع على تأسيسه جملة من أدباء ومثقفين العراق ..والذي اخذ على عاتقته الارتقاء بالذائقة الجمعية .. من ثم توحيد المفاهيم الجمعية للالتصاق بنخل العراق الباسق .. وبهذه التربة الجليلة .. وبعيداً عن كل الانتماءات الغير موائمة مع الثقافة . بكون المثقف أو الأديب وفق اشتغالاته الفنية .. بمعزل عن اشتغالات السياسي .. لان كليهما على طرفيّ نقيض .. هذا يمارس طقوسه السياسية من برج عاج عال ٍ .. وهذا يراقب من أدنى منطقة للمراقبة .. والإمعان في فضح مثالبه بحق الشعب إجمالا وبجل شرائحه .. وبحق الأديب بالدرجة التالية .

هنا تتأتى مهمة الاشتغال الجمالي لمهمة الثقافة في تطوير ملحمة الإبهار .. والتحليق بالمتلقي صوب ملاحق الإنصات .. ولعلي أجد ُ من المناسب التعريج على قضية علاقة السياسي بالمثقف .. لان هذا التباين ووفق وجهة نظري .. بان هناك فاصلة واضحة للعيان .. بان هناك أزمة إنصات .. السياسي منشغل بهمومه .. و لا يسع وقته للإنصات الى المثقف .. وهي طامة كبرى .. لذا نرى .. بان على السياسي والساسة .. الإنصات لصوت المثقف والأديب .. لان المجتمع لا يقوده السياسي طوال الدهر .. ربما يهبط من الأعالي مفاتن الحكم الى الدرك .. لكن الكلمة التي دونها التاريخ لأديب في بيت شعر .. أو رواية او قصة .. او داخل ثيمة وحبكة مسرحية .. شرعت الأبواب للتاريخ لتدوينها بكل اجتهاد .. لأنهن كلهن خرجن من رحم صادق .. لم يتلوثن بمفاهيم (البيرغماتية) صاحبة استحلاب الذرائع من اجل الوصول لمآربها المقيتة .. الخاسرة في الأتي من مناطق الفرجة على فضائحها .. واستقراء وتحليل ملاحقها بشكل فردي أو جمعي وعلى حد ٍ سواء .

ولعل لقاء الأدباء في ملتقى واسط وضمن التجمع الموسوم بـ (ملتقى المثقف العراقي) والذي احتوى تحت خيمته الوارثة الظلال جل الأدباء والمثقفين العراقيين .. نتمنى شخصيا المزيد من النجاحات الباهرة لذلك الملتقى من اجل الوصول لمنطقة راقية في موائمة التواصل بين المجتمع والأديب والمثقف العراقي .. وبين طروحات الساسة .. والسياسية في العراق .. من اجل الوصول الى قاسم مشترك لانتشال هذا الشعب الذي اعتلى صهوة الأسى .. والألم .. والعوز .. والحاجة .. وقهر الفقر .. وتلك الصعاب التي عاشها أبان عهد الضلالة والظلام الذي كابد فيه هذا الشعب الأهوال .. واعتلى صهوة ذلك الألم القتال .. ولاقى الصعاب من خلال أزمنة قضبان رجالاته التي تحمل في رؤوسها عقول متخلفة .. عقيمة .. ساذجة .. مقيتة .

والآن .. نحن نعيش زمن الديمقراطية والرأي الحر الذي يرى أين تكمن مصلحته من خلال عيون مبصرة .. في أن يظل نخل العراق باسقا بكبريائه .. وان لا يبقى منحيا كما كان في عصر الطغاة .

لذا نرى ومن خلال هذا الملتقى ودون الانحياز الحزبي والطائفي والاثني والمذهبي .. والديني .. لأنه ملتقى مستقل دون أن يشوي أنامله بالسياسية .. هذه الأنامل التي تحمل قلما من ضوء الملحمة العراقية الخالدة .. في خلود البقاء .. والتي يدون فيها الأديب والمثقف .. أثمن ما يملك وهو ما يجول في ذاكرته الحية .. ودون ان تلطخ ملامحه الزاهية بمستعمرة السياسية .. والساسة .

ولأننا أدباء مستقلين .. ونعي ما يدور حولنا أولا .. ولأننا حاذقين وفطنين .. ونحن نثقف رمح الانتقاد والنقد .. تثقيفا جميلا .

 

سعدي عبد الكريم / كاتب وناقد مسرحيّ

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2299 الأحد 09 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم