قضايا وآراء

العمل الفني بين الفكرة والتخطيط / كاظم شمهود

بان الفكرة باعثة على ظهور التخطيط ومنهم من يرى ان التخطيط بشكل عشوائي دون تحضير مسبق للموضوع يولد ويبرز بعض الافكار والتصورات... هذه النظرية تشبه نظرية بعض الفلاسفة الذين يقولون " انا افكر اذن انا موجود او " انا موجود اذن انا افكر " وهو طرح فلسفي شغل الفلاسفة منذ القدم ويرجع البعض فكرتها الى ابن سينا... ثم تبناها بعد ذلك ديكارت.

ولكن عملية التخطيط في الواقع هي عملية تنافسية بين العقل والعاطفة او بين المنطق والمشاعر والاحاسيس الوجدانية الداخلية. فمرة يقود العقل عملية ممارسة التخطيط ومرة تقودها المشاعر والعواطف الثائرة لدى الفنان للبحث عن تصورات وافكار جديدة، ومرة اخرى يساهم الاثنان في عملية الابداع .. ويمكن مناقشة المسألة من خلال محورين هما "

 

1 – التخطيط يولد من خلال الفكرة.

2 – الفكرة تولد من خلال التخطيط.

 

1 - المحور الاول يتلخص في ان ولادة التخطيط عادة ما تأتي من خلال مراحل وظروف مر بها الفنان. كما هو عند المراة في حالة الحمل فلابد لها من ان تمر بفترة زمنية حتى ينضج فيها الجنين ثم تضعه... او هو ما يشبه ظروف حياة فنان الكهوف الذي دفعته ظروف الطبيعة القاسية والوحشية ان يفكر بايجاد مخرج يدافع به عن نفسه فلجأ الى فكرة الرسم على الجدران، فجائت تخطيطاته بعد الايمان المسبق بالسحر وعالم الارواح. فكان يعتقد ان فعله هذا سيرفع من معنوياته ويعتقل ذلك الحيوان الذي رسمه ..

لهذا فان ولادة التخطيط تأتي من مسيرة وظروف الفنان. حيث التفكير والتصورات المسبقة واسباب اخرى تفرزها البيئة وتشارك معها الوراثة في عملية التصور قبل ان يجهض التخطيط الى عالم الوجود المادي...... ان الحياة التي يعيشها الفنان بكل معطياتها الايجابية والسلبية تنعكس دائما على مشاعره واحاسيسه، وبالتالي تتبلور لديه الكثير من الافكار والمواضيع والذي يعمد راغبا في التنفيس عنها ونقلها و اخراجها الى عالم الوجود الحسي، وتجسيدها على الورق، وهنا تبدأ مرحلة الولادة حيث يمسك الفنان القلم ويبدأ بالتخطيط لينقل تصورات وافكار مسبقة كانت مرسومه في الذهن...... ثم تبدأ مرحلة اخرى وهي نقل الفكرة للمشاهد من خلال التخطيط وهنا ايضا تتفاعل الاحاسيس مع بعضها بين الفنان والمشاهد تؤدي الى عودة الفكرة الى البيئة مرة ثانية بعدما هضمت ونضجت بشكل جيد عند الفنان . فتأخذ بالتالي طريقها النافع الى عالم الاصلاحي والجمال ...

 

2 - المحور الثاني يكمن في ان الفكرة تولد من خلال التخطيط. وهي حالة عاشها ويعيشها الكثير من الفنانين ذوي الحس المرهف والمشاعر الفنية الفياضة والعواطف الثائرة. حيث يمسك الفنان القلم ويبدأ يرسم بشكل عشوائي مبهم غير مفهوم، وبدون تحضير اي فكرة مسبقة.. ومن خلال هذه العملية تبرز بعض الافكار والتصورات والتي سيبني عليها الفنان عملا فنيا ما...

هذه العملية تعتمد على المفاجئة او التلقائية او كما يقال- الصدفة - والبحث والاكتشاف للتعبير عن احاسيس وعواطف مزدحمة محبوسة في دواخل الفنان فيحاول اخراجها وابرازها الى عالم الوجود المادي...

بعض الاحيان لم يتوصل الفنان الى اي نتيجة مرضية ويتوخاها من خلال التخطيط وبالتالي تبقى العملية مجرد تخطيط يتكون من دوائر واشكال على شكل شخبطة كما هو عند الاطفال في اعمار الثلاث والاربع سنوات وهي طريقة تبناها عدد من الفنانين المعروفين مثل الفنان الامريكي سي تومبلي Cy Twombly 1928 برجينيا – والفنان جاكسون بولوك 1912 – وايومنج – ويعتبر الاخير واحد من زعماء المدرسة التعبيرية التجريدية اللاموضوعية. ويعتبره البعض اول مصور امريكي له تأثير عالمي... هذه الطريقة وجدت لها تيارا كبيرا في اوربا في بداية القرن العشرين وكانت محاولة منها للتمرد على المدرسة الكلاسيكية والاكاديمية واطلاق العنان الى مشاعر الفنان وعواطفه الثائرة والتعبير عن رغبته في التجديد والتغيير و الحرية في الفكر و الرأى والعمل...

ان الفكرة بحد ذاتها هي نوع من التجريد والخط هو الآخر تجريدي والتجريد هو محاولة الهروب من العالم المادي الى عالم الروح اذن ان العنصرين ينتميان الى عالم واحد وهو التجريد غير ان الروح ليس لها شكل او بعد وغير مرئية . بينما الخط له شكل ولون وبعد واحد..( وقد قامت جماعة فنية في العراق اسمها البعد الواحد وهو الخط... ) ولهذا نجد ان هناك بين الاثنين مشتركات. فمرة يولد التخطيط بفعل فكرة كانت تدور في ذهن الفنان ومرة اخرى تولد الفكرة في ذهن الفنان من خلال الممارسات التخطيطية المرئية على الورق او القماش حيث توحي له هذه الممارسات بفكرة ما او موضوع ما ثم يبدأ بالشروع في تنفيذ عمله الفني...

 وخير ما نختم به هذه المقامة هو قول الفنان الكبير مايكل انجلو (ان الرسم اساس كل معرفة ، فالمعاني لا تتضح الا اذا خطت على الورق، والخطوط انما تجلوا المعاني والافكار)...  

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2303 الخميس 13 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم