قضايا وآراء

أحمـــد مطـــر لافتات في أكف المتعبين

المتّهم الأوّل في إثارت نخوة الكلمات التحريضية الجارحة كــي تُوخزُ خاصرة الوقار العربي الكذوب، وتشعل الحرائق في مخادع السلاطين والأمراء حتى يخرجوا بعوراتهم مذعورين للعلن، ليكونوا مثالاً صارخاً للسخرية !!

إن (لافتاته) التي خطّ عليها شعاراته الناقمة واحتجاجاته وغضبه الراعد وشتائمه القاسية وصراحته الهاتكة كل أستار المحضور، غطّت الشارع العربي قرابة ربع قرن او يزيد من الزمن الدون كيشوتي الصاخب بالعنتريات الجوفاء والممهورة بأسوأ أختام الأنكسارات والهزائم العروبية، وعملت على تفتيت وتفكيك مفاهيم العنصرية القومية والعنصرية الدينية (نحن خير أمّة أخرجت للناس) (الأمّة التي أختارها الله) (من اجل الحفاظ على نقاوة الدم العربي) (بلاد الأنبياء والمرسلين) وسواها الكثير، وذرّتها امام أنظار العرب شعوباً وحكومات، علّهم يصحون ويعرفوا مكانتهم الحقيقية في السلّم الحضاري للجنس البشري الآن .

حين حطّ رحاله الأوّل في (الكويت) وهو لم يزل يافعاً، ألتقى بتوأمه التحريضي (ناجي العلي)، وأبتدأوا الرحلة معاً على صفحات (القبس)، هو بنصوصه الشعرية الناقعة بالذم، وذاك برسوماته الكاريكاتيرية التي تتمحور حول شخصيته ذائعة الصيت (حنظلة) التي اصبحت آيقونته ولازمته وثيمته ومن خلالها يُوصل خطابه التحريضي للقاريء، فهي رغم حفاها ورثاثة أسمالها وبساطتها المتواضعة حدّ الرثاء، لم تتحمّل إسرائيل بكل عنجهيتها وغطرستها وترسانتها المخيفة، سخريتها، فأطلقت النار على صاحبها وأسكتت قلمه الى الأبد، لكنّها لم تعلم إن هذه الرصاصات أخترقت ذاكرة (احمد مطر) أيضاً، فقرّر من ذلك اليوم الفاجع ان يشنّ حربه الشخصية وعلى اكثر من جبهة، وكأنّه أراد ان يثأر لصاحبه ورفيق دربه التعبيري والساخر الكبير (ناجي العلي)، فطارد إسرائيل أينما حلّت، وحطّ من قدر كهنتها ومعابدها وسدنة حائط مبكاها، ومرّغ بوحل الكلمات ثعانين رجالاتها ذوي العصبيات الدينية والقلنسوات السوداء الذين يدسّون السم في التربة الفلسطينية، علّها تصبح عاقراً كي لا تلد رجالاً وأشجار زيتون، كما قوّض صروح أمريكا وناطحاتها على الورق، وسخر من جبروتها وقوّتها المفرطة والغاشمة، وحذّر من مغريات وجهها الباسم والوسيم المنزوي خلف أقنعة الدجل والمساحيق والأعلانات، واخيراً وجّه فوهات أقلامه نحو صدور الحكّام العرب وأمرائهم الضالعين بخيانة شعوبهم وقضاياهم المصيرية، وجعلهم أضحوكة ومدعاةً للتندر والفكاهة .... يقول (أحمد مطر) :

تُريد أن تمارس النضال

تعال

قُل : أنّني ناجي العلي

والويل لي

إن لم أضع أصابعي العشر

بعيني قاتلي

والويل لي

إن لم أُحاسبه على

ما ضاع من مستقبلي

والويل لي

إن لم أعلّقه على مشنقة الأجيال

إنّي انا مخترع الحجارة

ومنقذ الثورة من مخالب التجارة

إنّي انا مخيّم العفّة يا فنادق الدعارة

 

لم تقتصر (لافتات احمد مطر) على التحريض حسب، بل كان داعية في نصوص عديدة الى إنهاء القطيعة مع المعرفة، وحث العقلية الشرقية عامة والعربية خاصة الى تحطيم أقفالها وفتح كل أبوابها على ثقافات العالم، وأن يحدث التلاقح الأممي لكي تتوالد الرؤى الجديدة للحياة ... يقول :

بابٌ في وسط الصحراء

مفتوح لفضاء مطلق

ليس هناك أي بناء

كل محيط الباب هواء

مالك مفتوح يا احمق

أنا اعرفُ أن الأمر سواء

لكنّي أرفض أن أغلق

 

لقد أختار (أحمد مطر) لغته الشعرية من أبسط مفردات معاجم العربية وأكثرها تداولاً، كما نجح في أعتماده على الصور المكثفة والمتخيّلة ذات الأيحاءات الذكية، وزرعه لعنصر الفجاءة في مفاصل متون قصائده، لتكون ذات نكهة إستفزازيّة لم تعتادها ذائقتنا الشعرية من قبل، ممّا جعل لقصائده هذه تأثير شمولي وجاهز للأستيعاب من أوسع  وأبسط طبقات المجتمع العربي وعياً، إذ لم تكن النخب المجتمعية والثقافية بسفسطائيتها وترفّعها تشغله يوماً ما، فجاءت لغته حادّة تهكّمية جارحة لا تهادن أحداً وعصيّة على البيع في المزادات السياسية وسوق شراء الذمم، وهنا يكمن سر خطورة خطابه التحريضي .... يقول :

ترك اللص لنا ملحوظةً

فوق الحصير، جاء فيها :

لعن الله الأمير

لم يدع شيئاً لنا نسرقه

الاّ الشخير

 

ويقول :

الكابوس أمامي قائم

قُم من نومك

لستَ بنائم

ليس، إذن كابوس هذا

بل انتَ ترى وجه الحاكم

 

ويقول ايضاً :

الأعادي

يتسلّون بتطويع السكاكين

وتطبيع الميادين

وتقطيع بلادي

وسلاطين بلادي

يتسلّون بتضييع الملايين

وتجويع المساكين

وتقطيع الأيادي

ويفوزون إذا ما أخطئوا الحكم بأجر الأجتهاد

عجباً و كيف أكتشفتم آية القطع، ولم تكتشفوا رغم العوادي

آية واحدةً من كل آيات الجهادِ

 

كما شنّ (أحمد مطر) حربه التي لم تعرف الهوادة ولم تقبل الهدنة أبداً على كل أجهزة الرقابة التي ترصد حالات إختراق الممنوعات أو المساس بالمقامات العليا أو كشف الحقائق امام الناس، وجعل كل قادة المؤسسات الصحفية والثقافية الذين باعوا كرامتهم وأمانتهم المعرفية لقاء رضا الحكّام، يتمرّغون بوحول إنتهازيتهم ومهانتهم يقول :

مرّة فكّرتُ في نشر مقال

عن مآسي الأحتلال

عن دفاع الحجر الأعزل

عن مدفع أرباب النضال

وعن الطفل الذي يحرق في الثورة

كي يغرق في الثروة أشباه الرجال !

مثلاً :

خفّف (مآسي)

لم لا تكتب (ماسي)؟

أو (مواسي) أو (أماسي)

شكلها الحاضر إحراجٌ لأصحاب الكراسي!

إحذف (الأعزل)

فالأعزل تحريضٌ على عزل السلاطين

وتعريض بخط الأنعزال

إحذف (المدفع)

كي تدفع عنك الأعتقال

نحن في مرحلة السلم

وقد حرم في السلم القتال

إحذف (الأرباب)

لا رب سوى الله العظيم المتعال

إحذف (الطفل)

فلا يحسن خلط الجد في لعب العيال

إحذف (الثورة)

فالأوطان في أفضل حال

إحذف (الثروة) و (الأشباه)

ما كل الذي تعرفه يا هذا يقال

قلتُ أنّي لستُ أبليس

وأنتم لا يجاريكم سوى إبليس

في هذا المجال

قال لي: كان هنا

لكنّه لم يتأقلم .. فأستقال

 

أخيراً .. ولد (أحمد مطر) من رحم الوجع والجرح العربي، نشأ وكتب أوّل حرف ورقبته تحت السكّين، لذا كان ظهوره في هذا الزمن العسير .. ضرورة، وكان مرآى لافتاته من الشرف العالية تثير الهلع والذعر للطغاة القابعين في مقاصيرهم، ونذير لليوم القادم الذي لا يريدون .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1218 الاربعاء 04/11/2009)

 

في المثقف اليوم