تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

مسرحية الحاويات مونودراما الانتظارات الطويلة

قبل مجموعة عراقية حالمة بالمسرح وأدواته مناهضة لكل ماهو يتصل بالعبودية ونذير عاصفتها اشبه بحياة القديسين ونحن نقف مدهوشين أمام هذه الفرقة العجيبة / أمام هذه الصلابة الرائعة تحت وطأة الظروف وثقل الاحداث.فاختارت عملها الاول على ما اعتقد مسرحية " الحاويات " لتقف امام هذا الصراع الوحشي المر ضد قوى الشر والظلام .ونحن بدورنا نتساءل ما الذي يريده" قاسم مطرود" من وراء كتابته لمسرحية" حاويات "هل يعيد لنا مناخات وأجواءً عاشها الانسان العراقي أمام الجهاد الجبار ضد كل حقارة ووضاعة تشغل الانسان متمسكًأ بهذا الحب الصوفي للروائع الانسانية التي شغلت باله طوال السنين العجاف التي مرت على أبناء شعبنا عبر مخاضات عاشها ابناء الوطن فجاءت حواراته ثنائية متداخلة بين بطله "الرجل" ودواخل بطله المتشظية بعدة شخصيات وولوجه المتعمق من المدرسة النفسية الإجتماعية التي أخذت على عاتقها أكتشاف شخوص "مطرود" الذاتية الإنسانية لتخزين هذا الهم في وجدانه طارحاً أسئلة ً تخص راهنه المثقل بالاعتداء على الحريات وإنتهاك حقوق الانسان وضياع أوطاننا وحقوقنا المستلبة ،شٌكلها وفق نسيج متناغم أتاح له عبر سلسلة من الصور إمكانية التأويل التي أراد لها أن توصلنا أن ثمة جهات سلبت قيم مجتمعنا العراقي وأوصلته الى ما هو عليه الآن تحت شعارات براقة تتحدث عن الحرية والديمقراطية آخذة ً به نحو الإنحدار والمهانة لكرامة الشخصية العراقية التي ظلت عالية الى يومنا هذا. فمعظم حواراته القريبة من الفلسفة وعلى لسان بطله معمقة بالتجربة الذاتية والاجتماعية ومنطق تشكله وتبنيه العلاقات الكلية في النص المسرحي الموجودة بين عناصر اللغة والزمان والمكان فضلاعن شبكة العلاقات الجزئية داخل كل عنصر .

" أنتبه لا ترفع رأسك / الموت يتربص / أنه وقت الحاويات "

ووفق تقنية جماليات السرد القصصي الماضية في علاقة جدلية تسهم في بناء حركة بندولية متصلة تسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في موقف المؤلف وهو من الذين يؤمنون بعدالة القضية التي يطرحها على المتلقي عبر حوارات قصيرة تسهم في تعميق النص المسرحي " فالحاويات " رسالة رافضة لهذا الصمت المهيمن علينا جميعاً وبشعور مختلط بين الخوف والقنوط مراهناً على غد مشرق .

" أليوم سأغسل ذلك الجسد الذي دفع عني الخوف ووحشته السنين / سأغسله بدموعي سأبكيك بدموعي / سأبكيك كثيراً عسى أن يزيل حزنك المتراكم " أما السينوغرافيا " منار كامل " جسدها كما اراد لها المؤلف وهي عبارة أكوام من التراب والنفايات وخيم بالية أو سقائف من أعمدة الخشب وبعض البطانيات الممزقة التي تحركها الريح. حاوية نفايات كبيرة صدئة ودون إنتظام تمتد حبال بين حاوية أو سقيفة

علب صفيح منتشر بشكل عشوائي وقناني الماء البلاستيكية وكأن المكان مهجوراً منذ الاف السنين .فجاءت رؤية المخرج متماشية مع المؤلف من حيث المشاهد جاءت مفعمة بالحركة متنوعة باللقطات مما عزز الهدف الأساسي في رؤية المؤلف وأن الممثل "سيف الغانمي " مع بقية كادر العمل المسرحي أكدوا معرفتهم بكيفية انتزاع حقهم وحقوق الآخرين عبر تركيزهم على الدوافع الاساسية التي ارادها المؤلف من تسيقط لكل ماهو مجحف بحق من حقوق الإنسان التي أصبحت عملة نادرة في زماننا الغابر الذي تطرزه أنامل الخيانة والسرقة والمحسوبية في عراقنا الجريح على يد مجاميع جاءت مع الاحتلال بإسم حقوق الانسان والديمقراطية المزيفة التي يشهدها قرننا الحالي مما شكل الصراع الدائر في معظم العمل نقلة في متماشية مع الاحداث دون أن يتشتت ذهن المخرج الا أن الممثل "سيف الغانمي " أخفق في طبقات الصوت وظل طوال العرض على تون وايقاع واحد وهوبحاجة الى تمارين تسعفه في مواصلة أدائه للشخصية الواحدة وكما هو معروف في المسرحية " المونودراما " تعتمد على أداء الممثل وقدرته في إنجاح هكذا أعمال تسهم في تطوير الحركة الثقافية والفنية .أما على صعيد الموسيقى " صادق ابو الحسن " والاضاءة " أحمد صالح " فكانا موفقان في خدمة أجواء العرض المسرحي .

 

   قاسم ماضي - القاهرة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1219 الخميس 05/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم