قضايا وآراء

أمل دنقل ينادي خلف الجدار!؟..

لأن تقول كل شيء لمن كانت لديه الشجاعة الكافية ليستمع ويشهد أن قد بلغته الرسالة..

 

شفاهه التي تجد صعوبة في الانطباق تبدو وكأنها وقفت عند منتصف الطريق لتوازن بين مسؤولية الصمت ومسؤولية الكلام.. وجهه الذي أدمن مصافحة الشمس يؤكد أنه عضو قار مؤسس لحزب غير معلن اسمه حزبّ "رجال في الشمس" يضمّ هؤلاء الذين اختلط عرقهم بدموعهم في عيونهم الشاخصة دوما نحو الحلم والحرية والخلاص.. اختار منذ البدء أن يكون صوت من لا صوت لهم ..هؤلاء الذين مات صوتهم بعد أن اختنق بفعل القهر واليأس والإحباط ..ظلّ يحفر في الجدار ويحفر ويحفر.. غير أنّ الجدار كان سميكا ممّا جعله يُوكل عمليّة الحفر إلى الكلمات وذهب لينام بسلام وينعم بقسط من الرّاحة ..ألم يقولوا: "ملك الموت يُعطي راحة

آه.. ما أقسى الجدار

عندما ينهض في وجه الشروق

ربّما ننفق كل العمر.. كي نثقب ثغره

ليمرّ النور الأجيال مرّه!

...

 

ربّما لو لم يكن هذا الجدار..

ما عرفنا قيمة الضوء الطليق.. !

 

أشكال الإحباط في الواقع العربي فرضت نفسها على شعره وظهرت في مرارة خيبة الأمل والشعور بالعجز أمام هذا الجدار الذي تتحطّم عليه الآمال الخاصّة والعامّة وإن كانت هذه المرارة تحمل في طيّاتها استعدادا شجاعا وإرادة قويّة لمواجهة هذا الجدار القاسي إلى حدّ الجناية..

 

عينه التي كانت تُعاين الواقع فتراه عاريا بلا تزويق ولا بهرج زائف هي سرّ مأساته..

قلت لكم مرارا

إنّ الطوابير التي تمرّ.. في استعراض عيد الفطر والجلاء (فتهتف النساء في النوافذ انبهارا) لا

تصنع انتصارا.

إنّ المدافع التي تصطفّ على الحدود، في الصحارى لا تطلق النّيران.. إلاّ حين تستدير للوراء. انّ الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء:

لا تقتل الأعداء

لكنّها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهارا

تقتلنا وتقتل الصغار!

تألّم كثيرا لغياب المشروع القومي ورضوخ الجميع لواقع الاستسلام واللاّمبالاة والهروب نحو الطريق المسدود انتظارا لمعجزة لن تأتي وسجّل تراجع القيم من الخلال الفرس الذين تحوّل إلى نزهة للسيّاح أمام تمثال أبي الهول ذاك الذي كسرت أنفه لعنة الانتظار الطويل والطيور المشرّدة في السماوات تتقاذفها فلوات الرياح ...

أيّها السادة: لم يبق اختيار

سقط المُهْرُ من الإعياء

وانحلّت سيور العربة

ضاقت الدائرة السوداء حول الرقبة

صدرنا يلمسه السيف،

و في الظهر: الجدار!

 

جدران ما أنزل الله بها من سلطان أقامتها تراكمات الجهل والاستبداد والأنانيّة وقصر النظر ونزعة الغلبة والسيطرة والاستعلاء تحوّلت عبر الأيّام إلى جدران داخليّة تحاصر الأحلام والآمال والوعي والتطلّع وتشيع الوهن والاستلام.. بل تحوّلت إلى أوثان وأصنام..

 

سقوط جدار برلين حدث تحوّل إلى علامة بارزة فى التاريخ الحديث لدرجة أنّهم صاروا يؤرّخون به فيقولون قبل سقوط جدار برلين وبعده وفي ذلك إشارة إلى حيويّة إزالة الحواجز والعراقيل والعقبات وإفساح المجال أمام الشروق حتى تعرف الأجيال قيمة الضوء الطليق فتنشأ لديها الإرادة القادرة على تجاوز جميع أشكال الإحباط في الواقع العربي.. شاهدنا مع العالم الاحتفال العظيم الذي رافق سقوط جدار برلين.. هؤلاء يرسمون وهؤلاء يعزفون وهؤلاء يرقصون وهؤلاء يشربون على نخب الحرية وهؤلاء يحفرون في الجدار ليحملوا معهم تذكار حدث لا يُنسى وهؤلاء ينشدون الأشعار.. غالية أنت أيتها الحريّة.. غالية أنت يا وابلا لعطش الروح وجدب الكيان وتصحّر الوجود.. من تنازل عنك طلبا للسلامة فقد وقع في العطب الذي سيُهلكه لا محالة لأنّك أنت السلامة وأنت الأمانة وأنت الكرامة وأنت العلامة العلامة.. فأين أنت يا من تبصر بعين القلب.. ماذا ترى؟

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1227 الجمعة 13/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم