تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

ربطت التغيير بمعاني الإيمان وأحكام الإسلام .. المبادرة "السلفية" للإصلاح.. رؤية عقائدية للتغيير

 قدم السلفيون المصريون رؤية دينية بحتة، مستلهمة كاملة من "الإسلام" باعتباره عقيدة وشريعة ومنهج شامل لكل مناحي الحياة، فهي نظرة شمولية تتعدى "الظاهر إلى الباطن، والأرض إلى السماء"، كما يقول السلفيون الذين حرصوا من خلالها على التأكيد على أن لا محيص لديهم إلا أن يكون الإسلام حاضرًا في كل شؤون وقضايا الأمة، صغيرها وكبيرها.

 

ولم يبد أن السلفيين وهم يقدمون هذه المبادرة كانوا يعبؤن كثيرًا بالانتقادات التي توجه للإسلاميين، من حين لآخر، من أنهم غير واقعيين، أو يريدون أن يعودوا بالبشرية إلى الوراء إلى العصور الوسطى، أو أنهم يتحدثون باسم الله في الأرض، أو أنهم يتكلمون بمجملات، مستحضرين قول الإمام أحمد: "إذا تكلم العالم تقية والجاهل يجهل، فمتى يعرف الناس الحق؟"، فقد تضمنت المبادرة التي ألقيت في خطبة الجمعة بمسجد "الفتح" في الإسكندرية يوم (6/11/2009) كل القضايا والمباديء والأحكام الإسلامية الكبرى التي يرى السلفيون أنه لا يمكن بأي حال "المساومة عليها"، لأنها ثوابت عقائدية و"إننا لابد وأن نتابع ما جاء في شرع الله"، كما يقول الشيخ سعيد عبد العظيم الذي ألقى الخطبة، وتابع: "نحن عباد لله تبارك وتعالى، الأمر أمره، والعبد عبده، والحلال ما أحل، والحرام ما حرم، والدين ما شرع، وليس لنا أن نشرع مع الله"، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الآية 21 (الشورى).

 

الإصلاح.. إتباع منهج الله

و"بعيدًا عن المهاترات" شددت المبادرة كثيرًا على الأخذ بمنهج الله في الإصلاح، وذلك بالرجوع إلى الكتاب والسنة جملة وتفصيلا، بفهم السلف الصالح من الأئمة والفقهاء وأصحاب المذاهب الذين هم "أعلم الناس بالكتاب والسنة"، إذ أن الإصلاح والصلاح كامن في هذا المنهج، و"لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، كما يقول الإمام مالك، وما لم يكن يومئذ دينا فليس اليوم بدين، والأمة إن خالفت منهج الله فإن الدمار حتما سيكون حليفها، أما إن أخذت  بالكتاب والسنة فلن تضل لا في سياسة ولا في اقتصاد، لا في حرب ولا في سلم، "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي" (الحديث).

 

ولما كانت دعوة الرسل والأنبياء هي في أساسها دعوة إصلاحية، لأن الله تعالى ابتعثهم لصلاح وإصلاح البشر، شدد السلفيون في مبادرتهم على أنهم "متبعون" ـ أي يسيرون على نفس النهج الذي سار عليه المصلحين من اتباع الرسل ـ "لا نغير ولا نبدل"، أي أنهم ليسوا "مبتدعين" ـ يختلقون طريقة جديدة للتغيير ـ فبعدما تكررت الانتقادات التي توجه لشيوخ السلفية ودعاتها بعدم مشاركتهم في الجدل الدائر داخل المجتمعات الإسلامية والعربية حول الإصلاح والتغيير، وعدم طرحهم برنامج أو رؤية خاصة تعالج اهتمامات ومشاكل الناس المطروحة للنقاش، رد سعيد عبدالعظيم ـ وهو أحد أشهر رموز السلفية في الإسكندرية ـ بالقول: كنا "نتكلم بالمبادرة الإصلاحية، منذ اليوم الأول الذي انتهجنا فيه منهج الأنبياء والمرسلين، وقلنا للدنيا أعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، حتى "وإن لم نتكلم بمصطلحات فلسفية" لا يفهمها البشر.

 

وإن تأمر عليكم عبد حبشي

وانتقد السلفيون الشعارات والدعوات السياسية المفرغة من الإسلام، التي "لا دين فيها"، وتعالي صيحات المعارضة بتوريث الحكم أو تمديده في مصر، وتلك المنادية بدولة مدنية والمطالبة بتداول السلطات واستخدام الصناديق الانتخابية الشفافة، دون الخوض في تفاصيل هذه القضايا التي تتعلق بصميم قضية الحكم في الإسلام، إذ أن الرؤية الإسلامية لا تتوقف كثيرًا أمام جدلية "التوريث"، أو إن كان سيحكم فلان أو علان، المهم أن يكون الحاكم مسلمًا يحكم بكتاب الله ولو كان "عبد حبشي" ولو حكم طيلة حياته، على أن يشترط في من يتولى أن يكون مجتهدا أو يصلح أن يكون قاضيًا لأنه سيحكم أمة مسلمة صاحبة رسالة.

 

أما أن تأتي صناديق الانتخاب بكافر أو امرأة، فـ "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين وأهله من الذين يبغضون كل من يقترب من الإسلام بصلة، فهو ما لا يمكن قبوله مطلقا، و"ما قيمة صندوق انتخابات يأتينا بيهودي" كما يتساءل سعيد عبد العظيم، و"ماذا نصنع إن أتى على رأس السلطة كافر، والإسلام يعلوا ولا يُعلى عليه"، {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}، الآية (النساء)، مشيرا إلى أن رأي الأكثرية الانتخابية هنا لا قيمة له إن كان سيخالف ما نص عليه الإسلام، فـ "الأكثرية" ـ وهي محور النظام الديمقراطي ـ "لا يجوز أن تغير شرع الله"، قال تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} الآية (الأنعام)، {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} الآية (يوسف)، {مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} الآية (يوسف).. وهنا يؤكد السلفيون على دعوتهم القديمة المتجددة "قلنا لابد من تعمير الدنيا بدين الله"، وذلك لا يكون إلا بـ "إقامة خلافة على منهاج النبوة"، وعلى أساس "منهاج العبودية" لله.

 

رفض الديمقراطية والأفكار الوافدة

كما هاجمت المبادرة النعرات المستوردة من الخارج والمنادين بها، كـالشيوعية، والديمقراطية، والليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية، فهي دعوات "رجعية ظلامية" تفسد أكثر مما تصلح "لمخالفتها لكتاب الله ولسنة رسول الله" صلى الله عليه وسلم، وقد أعتبر سعيد عبد العظيم أن "العملة الزائفة لا تروج على الله"، وأن المقلدين أصحاب هذه الدعوات، الذين أخذوها من الغرب، "يفسدون ولا يصلحون"، وقد امتلأت بهم الدنيا "عوجا"، {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون}، الآية (البقرة)، مع أنهم في الحقيقة "يحتاجون إلى من يصلحهم، يصلح قلوبهم وأرواحهم، لمن يهديهم صراطا مستقيما"، ويقودهم بالكتاب والسنة، مشيرًا إلى أن من يستمع كلماتهم يجد "الخواء" و"الفراغ" إذ أنهم لا يجيدون لا المجملات ولا التفصيلات "لا مبدأ عندهم ولا معرفة لديهم" بسبل إصلاح النفس، فضلا عن أن يصلحون الناس، فهم أحوج ما يكونون إلى من يردهم إلى الحق الذي في شريعة الإسلام.

  

كما هاجمت المبادرة الربويين، والمرتشين، ودعاة التحلل والفسق والفجور، ودعاة التبرج والخلاعة والاختلاط : "لعلمنا أن المعاصي والذنوب سبب دمار البلاد والعباد"، {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً} الآية (الطلاق). و"لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان". 

 

استحضار معاني الإيمان للإصلاح

ينظر السلفيون إلى "الإصلاح" باعتباره عبادة من العبادات، ووسيلة يتقربون بها إلى الله، ويهدفون من ورائها مرضاته، لذلك يشترطون لها إخلاص النية لله، كما هو حال جميع العبادات، كما يشترطون صلاح الداعين إلى الإصلاح، بأن يكونوا صالحين في أنفسهم قبل أن يكونوا مصلحين لغيرهم، لأن المعوج و"المنحرف عن شرع الله لا يصلح أحدا".

 

ولذلك ترى "السلفية" أن الإصلاح الحقيقي يكمن في حرص الأمة على تطبيق الأحكام الإسلامية، صغيرة كانت أو كبيرة، مؤكدة على أن "علوم الهدايا" لا تُأخذ إلا من الكتاب والسنة، أما العلوم النافعة فهي تأخذ "ممن أفلح فيها"، إذ لا سبيل أبدا إلى إهدار المعاني الشرعية {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، الآية (الحج). وهم لا يفرقون في قضايا الإسلام وأهميتها بين الفرائض (كالصلاة والصيام والزكاة والحج) والسنن مرورًا بفقه الحيض والنفاس، فنحن محتاجين لأن نصلح ما بيننا وبين خالقنا ـ كما تقول خطبة المبادرة ـ حتى يصلح عاجلتنا وآجلتنا، وعندها "سنأكل من فوق رؤسنا ومن تحت أرجلنا"، لأن ما عند الله من خير وبركة ونصر وسعة رزق لا نناله إلا بطاعتنا لله، كما قال عمر رضي الله عنه: "ليس بينكم وبين الله نسب أنتم عباده وهو ربكم تنالون ما عنده بطاعته".

 

وهم (السلفيون) يجعلون لكل فرد من أبناء الأمة الإسلامية دور في الإصلاح، يقع عليه بذاته، ينبغي أن يؤديه حتى لو تقاعدت عنه البشرية كلها، يبرأ به ساحته }كل امرئ بما كسب رهين{ الآية (الطور)، حتى ولو لم يطلع على فعله أحد إلا الله }لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين{ الآية من سورة (النساء)، والوسائل تكون على قدر المستطاع والمتاح أمام الإنسان فيكفيه أن يفعل ما في وسعه وطاقته، ولو لم يكن إلا دعاء صالح "لا يطلع عليه البشر، لكنه مسموع عند رب البشر"، فيدعو لهذه الأمة يدعو "للبلاد وللعباد بصلاح الحال في العاجل والآجل"، فأنت "مصلح ولو كنت وحدك"، لما سأل علي بن أبي طالب كم بين السموات والأرض: قال "دعوة مستجابة".

 

وللإيمان بقضايا الغيب الكبرى: كذكر الموت، وعذاب الآخرة، فضلا عن تفويض الأمر لله والتوكل عليه في الرزق دور هام في عملية الإصلاح، كما يراها السلفيون، "لأن الإنسان إذا تفكر في الرحيل عن الدنيا"، هذه الحقيقة الرادعة "فإنه لن يسرق أو يرتشي"، بل سيحسن المسير إلى الله ويتوب حاكما كان أو محكوما، والأمر نفسه يقال عن "عذاب الآخرة" هذه القضية التي ينفر منها "الإصلاحيون المزيفون" كما يقول الشيخ سعيد عبدالعظيم، في إشارة إلى الليبراليين والديمقراطيين وغيرهم من الذين ينفرون إذا سمعوا ذكر الجنة والنار وذكر الموت والقبور والآخرة، ويشيرون إلى الإسلاميين بالقول: هؤلاء "أصحاب الكتب الصفراء" في حين أنه "لا ينصلح حال ولا شأن إلا بتذكر الموت"، وهذه وصية النبي (صلى الله عليه وسلم) لأمته، وكان الإمام أحمد بن حنبل، يقول: "من لم يردعه ذكر الموت والقبور والآخرة فلو تناطحت الجبال بين يديه لن يرتدع".

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1235 السبت 21/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم