قضايا وآراء

هل يعد (لاكان) الخط المستقيم الواصل بين (فرويد) و (دريدا)؟ (2)

يكون هوية منفصلة  لكي يدخل إلى الحضارة. ذلك الانفصال يستلزم نوعا من الفقدان. عندما يعرف الطفل الفرق بين ذاته وامه ويصبح كائنا منفردا، فأنه يفقد شعور الوحدة الأصلي (السلام / الأمن) التي يمتلكها في الأصل. هذا هو العنصر المحزن الذي بنى نظرية التحليل النفسي (فيما إذا كانت فرو يدوية أو لاكانية). ولكي يصبح متحضرا، فأن ذلك يستلزم دائما من الشاب فقدان اكبر للوحدة الأصلية، ليس بنحو تفاضلي، بيد أنها تستلزم اندماجا مع الآخرين (خصوصا الأم). إن الحقيقي، وطور الحاجة، يستمران من الولادة إلى ما بين 6 – 18 شهرا، عندما يبدأ الطفل بالتمييز بين جسده وكل شيء آخر في العالم. في هذه النقطة، ينتقل الطفل من امتلاكه للحاجات إلى امتلاكه الطلبات. فالطلبات غير متكيفة بالأشياء، هي طلبات من اجل القبول من الآخر. من اجل الحب من الآخرين. فالعمليات تعمل على هذه الشاكلة. يبدأ الطفل ليصبح مدركا بأنه مستقل عن أمه ’ وان وجود الأشياء لا يشكل جزءا منه، لذلك فأن فكرة الآخر تبد\أ بالظهور (على أية حال، لم تكن / لحد الآن / ذات تعارض مزدوج لـ الذات / الآخر)، إذ أنها لم توجد لحد الآن لان الطفل ليس له شعور (الذات المتماسكة). إن هذا الإدراك الانفصالي، أو حقيقة الاخرية، تخلق توترا، شعورا بالفقدان. فالطفل يطلب – بعد ذلك – الاتحاد مرة أخرى، العودة إلى الشعور الأصلي للاكتفاء أو الاتصال الموجود فيما هو حقيقي. بيد أن ذلك يبدو مستحيلا، إذ يعرف الطفل مرة (وهذه المعرفة، التذكر، كلها تقع في مستوى اللاشعور). إن فكرة (الآخر) موجودة، ومتطلبات الطفل تملأ الآخر، لتعود إلى الشعور بالوحدة الأصلية، فالطفل يريد فكرة الآخر لتغيب’ وهكذا يكون الطلب طلب امتلاء، الكمالية من الآخر الذي يوقف النقص الذي جربه الطفل، بيد أن هذا – طبعا – شيء مستحيل، بسبب ذلك النقص، أو الغياب واو الشعور بـ (الاخرية) الذي يجعل من الطفل الذات / الفاعل، مؤديا عمل الوجود الثقافي. ولان الطلب من اجل التسليم من الآخر لا يمكن أن يكون مقنعا إذا كان السبب فقط يكمن في إن الطفل لا يستطيع قول ما به حاجة إليه. إن الطفل يبكي، والأم تعطيه قنينة حليب، أو ثديا ، أو أي شيء، لكن لا شيء يمكن أن يشبع الحاجة – الحاجة للاستجابة إلى مستوى آخر مختلف. إن الطفل لا يدرك الطريق التي لا تستجيب الأم له، وتدركه، لأنه لا يملك لحد الآن تصورا عن ذاتها كشيء ــــــــ هو يعرف – فقط – بأن فكرته عن (الآخر) موجودة، وهذا ما يختلف عن (الآخر) لكنه لا يملك – لحد الآن – أية فكرة عن ماهية (نفسه). في هذه النقطة تحققت مرحلة المراة اللاكانية. في هذا العمر الممتد بين 6 – 18 شهرا. إن الطفل والغلام لا يسيطران – لحد الآن – على جسديهما، ولا يستطيعان السيطرة على حركتيهما، ولا يشعران بجسديهما كوحدة كاملة. إضافة لذلك، يكتشف الطفل جسده كشظية محطمة. فأيما جزء سيكون مع حقل تخلله سيكون هنالك، ما دام الطفل يراه، بيد انه يختفي عندما لا يتمكن الطفل من رؤيته. ربما يرى يده بيد انه لا يعرف بأن تلك اليد تعود إليه ـــــــ قد تعود إلى أي شخص آخر، أو قد لا نعود لأي احد. على أية حال، إن الطفل / في هذه المرحلة / يمكن أن يتخيل نفسه وحدة كاملة ـــ لأنه يرى الآخرين، ويدركهم ككيان تام عن طريق الحواس.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1236 الثلاثاء 24/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم