تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

أنا وأنا .. ثنائية الخير والشر تجسدت على خشبة المسرح

بالإنسان والقيم  الإنسانية .وهل صفحات الإنسان  منذ الخليقة الى  الآن متسامحة أو غير متسامحة ! وهل أنه قادر على عقد معاهدة بين الخير والشر ! كل هذا يجري من خلال شخصية " بحر " وسخريته من القدر الذي اوصلنا الى هذا المطاف ! نقاش بين الأثنين " شر " و " خير " يشوبه العتاب المتبادل على خشبة المسرح الخالية من اي شيء .احدهما يقول للاخر " أنت شرير وقاتل " نقاش سرده الينا المؤلف لا نهاية له  إلا الموت . اعطني عود ثقاب وكن أنت الشمعة ! والآخر  يرفض يبادله قائلاً : أنت الشمعة وأنا عود ثقاب . وهكذا يرى المؤلف " محمد عبد السلام " أن المسرح هو مرآة  الروح في النفس البشرية وهو الذي يعمل على تجلية وتنقية ما علق بها من صدأ وبلاء . يقول الناقد والشاعر المكسيكي " ساندروكوهين " يجعلك تشعر بالحنين الى الحياة الأولى الحالمة / الخالية من أي أثر للتيارات المادية التي طغت وطبعت هذا العصر . وهذا ينطبق على الشعر والقصة والرواية

فالمؤلف طبَق شعارا ً " أن فنون القرن العشرين قد تميزت بالتساؤل المستمر حول ماهية الفنون ودورها " وهو يطرح اسئلة عديدة باحثاً عن هويته التي غيبتها قوى وأنظمة  تسيطر على ذواتنا . مازجاً كل البحوث العلمية والفلسفية التي اشتغل عليها العديد من المبدعين في عصرنا ليتوجنا بمسرحيته " أنا وأنا " قائلاً ومن خلال شخصية " بحر" أننا لا نستطيع أن نستمر في الكتابة حسب استاطيقا لم تعد لها صلة بالهموم الإنسانية والقلق والمشاغل التي تميز إنسان العصر . فظل هوسه الابداعي يزداد علماً بعالمه المادي الذي يطوقنا من كل حدب وصوب . وعلى هذا النحو ترتسم أمامنا عجلة علاقات متشابكة بمسرحية قصيرة تأخذنا الى افاق رحبة مستنفرة شخوصها عبر حوارت قصيرة وسريعة . وهذا ماينطبق على مسرح " المونودراما " أو الشخصية الواحدة حتى يحافظ المؤلف على خيط الحدث الرئيسى . ومنذ فترة  إقامتي في القاهرة والى الان أجد معظم العروض المسرحية وخاصة لدى الشباب لا تتعدى الشخصية أو الشخصيتين أو ما يسمى بمسرح  " المونودراما " ومن هنا اؤكد أن كبر  حجم الأعمال لايجعلها بالضرورة أفضل من الاعمال القصيرة . وما نلاحظه هو الإهتمام  بمسرحية " الشخصية الواحدة " او بهذا الفن . وبهذا عبَأ المؤلف وهو مخرج العمل كل أدواته الرمزية من حورات مليئة بالهموم / والآلآم  بعينها صارخاً ومستصرخاً الكبت الذي طوق كل  مآقينا من جراء الانظمة التي أحبطت الشعوب عبر حوارات " بحر " الشخصية المحورية الناطقة على لسان المؤلف  " الشر في العالم اصيل باق , والخير طارىء نادر الانتظار  " لكن المؤلف رغم السوداوية في عالمنا  هذا اغدق علينا بالكثير من الحب حين قتل " الشر" بعد صراع كبير وعبر حوارية رائعة متناغمة مع عصرنا الحالي . فجاءت الحوارات مثل " سنغني جميعا ً / لو طال الحزن / سنغني في كل الحارات / من يجرؤ ان يطفأ فينا الفرحة / مخاطباً الشر أوقف نزيف الدم في الحياة . وهنا  عدة اشارات توحي لنا في عملية الابداع المسرحي متبني المؤلف اتجاهاً غير تقليدي مهتماً بلغة الخطاب الدرامي الذي ساعده في توصيل خطابه المعرفي . أما  الإخراج فكان المخرج مشتغلاً على الاتجاه الرمزي الذي يعني توظيف الرموز الفردية والجماعية مشتغلاً على لغة الرقص والصمت والايقاع والموسيقى منطلقلاً من الخيال والتخيل في التعبير إلا  من بعض الحركات الزائدة وخاصة في مشهد المعركة بين " الخير " و " الشر " الذي غالى المخرج مع الممثلين في تصوير هذا المشهد على خشبة المسرح وكأنه يحاول أن يدخلنا في تفاصيل بنور البشر لما يحملوه من ضغون وأحقاد وكراهية لبعضهم البعض من اجل السيطرة على المناصب والأموال . فالمخرج " محمد عبد السلام " متفهم ادواته مما ساعده ذلك على توظيف بلاغة الاستعارات والمجازات الكتابية الرمزية التي عبأها من خلال تاليفه نصه المسرحي " أنا وأنا " فعمل عليها بكل حرص مستخدماً الاشارات + القفزات المتتالية لدى الممثلين + العلامات التضمينية الموحية مما صور لنا عالما ً  وحشياً قاتم لكنه لا يخلو من اطراف تحمل في قلوبها المحبة للناس .أما مكملات العرض وخاصة الاضاءة  والملابس وفقت في لحظات نقل الصراع الدائر بين الأثنين وكذلك الموسيقى عززت هذه اللحظات وهي لحظات الصراع النفسي أو المادي القائم وهنا أشير الى  جهود الممثلين ، وهما  بطلا العرض فقد استطاعا  إضفاء مزيداً من القوة وشحن ايقاع العرض عن طريق الأداء الحركي وتلوين طبقات الصوت بما يتناسب مع الاحداث .

              قاسم ماضي - القاهرة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1249 الاثنين 07/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم