قضايا وآراء

فلاسفة عصر التنوير في اوربا ـ فرنسيس بيكون (1)

وجلبرت في علم الكهرباء والمغناطيسية وهارفي في علم الترشيح والدورة الدموية ..الخ وابتدأ البشر يتطلعون الى الى عصر جديد بعيداً عن الخرافات القديمة والخوف من المجهول .

 

وقد حول اكتشاف امريكا التجارة من البحر الابيض المتوسط الى المحيط الاطلسي وبهذا ارتفع شأن الشعوب الاطلسية وانتقلت السيادة التجارية والمالية الى لندن وباريس ومدريد وامستردام بعد ان كانت في روما وفلورنسا وميلانو والبندقية .

 

بعد ان درس بيكون في جامعة كامبرج تقلد مختلف المناصب السياسية العليا محققاً بذلك أحلام أفلاطون عن الحاكم الفيلسوف. ومع انشغالاته السياسية الكبيرة الا انه لم يترك البحوث والدراسات الفلسفية. وقد بلغت لغته من جمال النثر ما بلغه شكسبير من جلال الشعر واسلوبه محكم ولكنه مصقول ولا يوجد كاتباً في تأريخ الادب الانكليزي اكثر قدرة وغزارة في استخدام الالفاظ وجمال الاسلوب من بيكون .

 

وكانت فلسفة بيكون الأخلاقية تنزع الى الميكافيلية اكثر منها الى المسيحية لأنه اعتبر ان الميكافيلية تنم عن معرفة حقيقة طبيعة البشر ويدعو الى ان تكون المعرفة في خدمة العمل. وقد أتهم بالالحاد لأن اتجاه فلسفته كان دنيوياً وعقلياً ولكنه كان يدافع عن نفسه بقوله (قد لا اعتقد بجميع القصص والاساطير التي جاءت بالكتب الدينية ولكن لا يمكن ان اعتقد بعدم وجود عقل مدبر لهذا العالم)

 

تتجه فلسفة بيكون الى الناحية العملية اكثر من الناحية النظرية التي كانت تتبعها الفلسفات القديمة واللاهوتية. وتدعو الى اعتماد العلم والبحث العلمي لأنه بدون ذلك لا يمكن معرفة قوانين الطبيعة التي عن طريقها يمكن السيطرة على الطبيعة وخدمة البشرية. وكانت هذه الدعوة في ذلك الوقت المبكر من تأريخ الأنسانية تعد ثورة على التفكير التقليدي الذي كان سائداً والذي يمجد الخرافات والاساطير ويأخذ بها على انها مسلمات و حقائق غير قابلة للنقاش.

 

كان بيكون يأخذ على الفلسفة التي كانت سائدة في القرون الوسطى جمودها واجدابها لأنها تدور بنفس المدار منذ عهد ارسطو وطيلة الفي سنة. ويقول أن عقل الانسان يشبه المرآة غير المستوية التي تنعكس خواصها على مختلف الاشياء وتشوهها لذلك فأن افكارنا هي صور عن انفسنا اكثر من كونها صوراً للاشياء . ومن اخطاء العقل الانساني انه اذا امن برأي ما سواء كان ايمانه عن طريق التسليم والايمان به او لأي سبب آخر نجده يرغم كل شيء لتأييد او اثبات رأيه.

ويقدم بيكون نصيحة لطالب علم الطبيعة وهي أن يضع موضع الشك كل شيء يقتنع به عقله.

ومن اخطاء العقل التي يسميها بيكون (اوهام الكهف) تلك الاخطاء التي يختص بها الانسان الفرد لان لكل انسان كهفاً خاصاً به يعمل على حرف الوان الطبيعة وتغيير لونها وهذا الكهف هو طبيعة كما كونته الطبيعة ومزاجه او حالة جسمه وعقله فبعض العقول تنزع الى التحليل وترى اوجه الخلاف والتباين في الاشياء أينما وجدت وبعض العقول بطبيعتها تركيبية تميل الى البناء والتركيب وترى اوجه الشبه بين الاشياء. وبعض العقول تميل كثيراً الى تقدير كل ما هو قديم وبعضها تحتضن بحماس كل امر جديد والقليل منها تستطيع الاحتفاظ بالحد الوسط . من أخطاء العقل ايضاً الاخطاء التي نشأت بسبب اللغة . فاللغة فرضت كلماتها على الناس وفقاً لعقلية العامة من الناس حيث ينشأ سوء تكوين هذه الكلمات تعطيل شديد للعقل حيث يتحدث الفلاسفة عن المسبب الذي   لايتسبب او المحرك الذي لا يتحرك ولكن كل عقل سليم يدرك استحالة وجود مسبب بلا سبب او محرك بلا حركة .

 

ويرى بيكون انه لايمكن الوصول الى حقيقة جديدة ما دام الانسان يأخذ بعض القضايا او الاراء كقضية مسلم بها مع ان هذه الاراء قد تكون خاطئة لذلك فأن اعتبار اليقينيات والمسلمات كنقطة بداية في البحث لا يمكن ان تقود الى حقيقة جديدة وعلى هذا فأن المطلوب ان توضع هذه المسلمات موضع الفحص والملاحظة والتجربة . لأن الانسان عندما يبدأباليقينيات فأنه سينتهي بالشك ولكنه عندما يبدأ بالشك فأنه سينتهي باليقينيات وتلك هي في الحقيقة بداية الفلسفة الحديثة .

                  يتبع القسم الثاني والاخير.

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1275 السبت 02/01/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم