قضايا وآراء

جمال الميلاد في قصيدة الميلاد للشاعر المصري عبد اللطيف أحمد فؤاد

القلب فمعناها أنها تلتقط الأحاسيس التي تتركها، فالصورة بهذا المعنى محمول لكتلة انفعالية وسبرها يؤدي إلى تمثل دلالاتها، إذ ذاك نستطيع تفكيكها  أو تشفيرها عبر العاطفة التي تستشعر الكتلة الانفعالية التي تشحن بها الصورة ولا تكتفي بالشكل الظاهر . وبما أن الصورة الخارجية هي مؤنثة في كتابات عبداللطيف أحمد فؤاد، فهو يلتقطها بعاطفته، وتتحول من حلم يراود الشاعر إلى حقيقة روحية يراها في أعماق الأشياء وتنعكس على صور الماضي والحاضر على حد السواء .

 

أرى الورد فى السوق يجولُ

لشراء الهدايا للملاك الجميلِ

والطيور حول العجوزة تطير

وحشود الأشجار الأنيقة تميل

ودموع الأفراح كنهرِ تسيل

وتأتى ببساتين الزهور الحقول

 

ينطلق الشاعر من مشهد مرئي، يتحول فيه الفضاء إلى آداة لوصف لوحة من المشاهد الجميلة ، تشير إلى الجمال في صورته البهيجة، اللوحة التي تبدو مسطحة، تحدث داخل الفضاء ويكتفي الشاعر بوصفها، وتوحي الصور بالبهجة والانتشاء والتحليق والخصوبة والماء والاتساع والخضرة، لوحة تهيئ إلى حدث خصب خلاق لا يدركه إلا الشاعر الذي يرى عناصر الجمال تتفاعل وتتسم بديناميكية الخلق .

 

فى يوم ميلاد ليس له نظير

فالثلوج قبل النيران تحتفل

فى يوم ميلاد حفظه القدير

والأجنة فى البطون تحتفل

والجذور فى التراب تحتفل

فى يوم ميلاد سيدة البشر

 

ميلاد القصيدة وميلاد المعنى وميلاد الروح من رحم اللغة، عودة إلى الينابيع  في اللغة، إلى رمزية الأم، إلى قدسية اكتمال الخلق وتشكله وبالتالي ظهوره مجسما، ولكنه الميلاد كحدث غير متكرر، ميلاد في صورته المدهشة، من رحم الخلق، من روح الله، هذه الروح التي تستجلي خلق الحياة في أرحام النساء، وتربة الخلق، ولادة أشبه بالبياض تنحل داخله كل الألوان ويصير بلون الماء، ماء الخلق وقد تلون ثلجا . و يتحول الميلاد إلى حدث مؤرخ، إلى حدث صنع التاريخ، وغير مجرى الحياة من حياة أرضية إلى حياة علوية، وكأن الميلاد شكل ميلاد المرأة من جديد بعدما طردت من الجنة حاملة بذرة الخطيئة فإذا بها تعود إلى معدنها السماوي وهي تلد ثمرة روح الخلق.

 

والزرع والمعدن والمطر

والسنابل والآمال والكدر

والشموس فى الفضاء تحتفل

والبحار فى الأعماق تحتفل

حتى جنسيات الحُزن تحتفل

بعيد الملكة الشرعية للمطر

 

يتحول حدث الميلاد من حدث عادي إلى حدث طبيعي  وكوني يشير الى نشوء كون طبيعي وإنساني، هو تجسيد صورة أخرى للعالم المشرق، للخلق الغير عادي، لخصوبة  طبيعية. لتنجلي الطبيعة بمشاهدها المختلفة إلى لوحات ترسمها إمرأة وقد عبقرت ألوان الفن، وتبعث في النفس إحساسا روحيا يتحول إلى فن، وتنبلج لغة خصبة وكأنها تنبعث من طراوة التربة . فيتراءى النص الشعري وكأنه ينبع من كتابات كيتس أو كلوحة شعرية رائعة تنبض إحساسا بالحياة الدافئة في كتابات شيللر. أقرأ  عبرها تنظيرات بليك، ويونغ ورسكن وورد زورث عن الجمال . وأستشعر امتزاج الحالة بين قراءاتي لأشعار هؤلاء الشعراء الرومنسيين بلغتها التي تثلجني بأصالة جذورها ولمسة الجمال المرتسمة في حقيقتها وتجول بخاطري، و بين هذه القصيدة التي تستحيل إلى غادة محفوفة بعطاء الأنثى اللامحدود، ويكون الدافع الخلاق لبناء تلك اللغة الفنية موازيا للدافع الخلاق الذي تنمو عبره عناصر الطبيعة وتتوالد الكائنات على هذه الأرض . ويشعر القارئ  بتمثل الإحساس الشعري المنبثق عن  الطبيعة البانورامية، ويلامس باطن نفسه ويستشعر لغة عميقة تود الانفراج والانبلاج .

 

ويأتى آدم وقابيل وهابيل

يوم ميلاد حفيدة الرسول

فى عيد ميلاد ملكة القناديل

فى لحظة مولد الذوق والشجون

 

ويسترجع الشاعر رموز الذاكرة الذكورية حين اكتمل خلق المراة، المرأة التي صبغ عليها سمات الشرف القدسي، وسمات الفن الذي يخصب بمعاناته، ويتجاوز مآسيه، ويعبر  عن الانطلاق، وبقوة خفية تجذبه إلى منابع الإلهام تخترق مساماته وتحركه بطاقة هائلة . فلا يجد في ذاته غير صور الجمال ومعاني الفن ودروب الحرية . ويتحسس بريقها وينجذب إليها، إذذاك يدرك أن الحياة دون معنى كالصورة دون ظل ولكنه لا يستطيع أن يحيا بجدوى إلا إذا جسد الصور من الظل كي تعكس آفاق الذات فهي مرآة الوعي .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1283 الاحد 10/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم