قضايا وآراء

فلاسفة عصر التنوير في اوربا ـ سبينوزا (1)

 فأبتدأ بدراسة تاريخ اليهود بأعتباره من عائلة يهودية وقرأ التوراة وتعليقات التلمود الذي هو مجموعة شرائع وسنن وتقاليد اليهود ودرس الدين المسيحي وتاريخه وانتقل الى دراسة اللغة اللاتينية التي استطاع عن طريقها دراسة الفكر الاوربي في العصور القديمة والوسطى بأعتبار ان هذه اللغة كانت آنذاك هي لغة الفكروالفلسفة لذلك فقد درس فلسفة سقراط وافلاطون وارسطو والفلسفة الرواقية التي تعتمد مبدأ التقشف والشدة مع النفس والتي تأثر بها كثيراً .

 

لقد أثارت اعمال سبينوزا الفلسفية منذ البداية اليهود واعتبروا ان افكاره هي نوع من الضلالة والهرطقة لذلك فقد طردوه من الدين اليهودي وتبرأت منه عائلته كما تخلى عنه اصدقاؤه .

 

يقول في كتابه (رسالة الدين والدولة) عن كتاب اليهود (التوراة)...(أن لغة هذا الكتاب يغلب عليها المجاز والاستعارة وذلك امر مقصود ومتعمد لأنه يتناول النزعة الشرقية وميلها الى الادب الرفيع وتزيين الالفاظ وتدبيجها والمبالغة في الوصف والتعبير) واعلن عن عدم ايمانه بالمعجزات والنبوءات التي وردت فيه).

 

وفي مكان آخر يتحدث عن الانجيل والتوراة معاً وهما الكتابان الاساسيان في المسيحية واليهودية بأنهما عمل انساني وفيهما الكثير من التناقضات . ويقول ان الكتب الدينية في اليهودية والمسيحية لا تفسر الاشياء بأسبابها ولكنها تقصها وترويها باسلوب قوي ومتدفق للتأثير على الناس ودفعهم الى الايمان والعبادة وخاصة الفئة الجاهلة غير المتعلمة وانها لا تخاطب العقل بل تجذب الخيال وتسيطر عليه .

 

ويقول سبينوزا ان قوانين الطبيعة العامة واوامر الله الخالدة هي شيء واحد وان كل الاشياء تنشأ من طبيعة الله اللانهائية وان الله بالنسبة الى العلم مثل قوانين الدوائر بالنسبة الى الدوائر كلها . فالله هو السلسلة السببية الكامن وراء كل الاشياء وهو قانون تركيب العالم . هذا الكون المتماسك من الاعراض والاشياء من الله بمثابة الجسر من تصميمه وبناءه وتركيبه والقوانين الرياضية والميكانيكية التي بنى عليها. ان ارادة الله وقوانين الطبيعة اسمان يطلقان على حقيقة واحدة ويتبع ذلك ان كل الاحداث التي تقع في العالم ان هي الا نتيجة آلية القوانين الطبيعة الثابتة .

 

يقول سبينوزا ايضاً (لاننا بشر فأننا نفترض ان جميع الحوادث تنتهي الى الانسان وانها وضعت بطريقة تصلح لحاجاته ولكن هذا وهم مثل الكثير من الاوهام في تفكيرنا. ان جذور اعظم الاخطاء في الفلسفة تقع في ابراز اغراضنا البشرية والمقاييس والاشياء التي تفضلها في سير العالم . ومن هنا نشأت مسألة الشر. اننا نكافح من اجل ان نوفق بين شرور الحياة مع خير الله. ان الله فوق خيرنا وشرنا. ان الخير والشر نسبيان وفي الغالب يعودان الى اذواق البشر وغاياتهم .

 

ان الخير والشر اعتباريان لا تعترف بهما الحقيقة الخالدة والحق هو ان يصور العالم طبيعة اللانهائي التامة لا مثل الانسان العليا المعينة فقط . وكما ان الخير والشر اعتباريان فكذلك القبح والجمال امران اعتباريان ايضاً لايدلان على حقيقة ثابتة.

 

والاشياء توصف بالجمال والقبح والنظام او الفوضى بالنسبة الى مداركنا وتصورنا فقط . فأن كانت الصورة التي تستقبلها الحواس باعثة على الراحة فأنها تسمى جميلة وان لم تكن كذلك تسمى قبيحة .

 

لقد عاش سبينوزا وحيداً متفرغاً بشكل كلي لحياة الفكر والفلسفة وكان يعيش عيشة بسيطة متقشفة ويسكن غرفة لدى عائلة هولندية في مدينة رينسبرج قرب ليدن ولايزال هذا المنزل قائماً حتى اليوم ويحمل الشارع الذي فيه هذا البيت اسم الفيلسوف سبينوزا .

(يتبع القسم الثاني والاخير )

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1283 الاحد 10/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم