قضايا وآراء

هل القرآن الكريم معاد لليهودية والمسيحية؟

لمنظمة البحث عن أرضية مشتركة الدولية ومقرها في واشنطن العاصمة الأمريكية وتعمل هذه المنظمة كما يقول المسئولون فيها على بناء علاقات حيوية بين المسلمين والغرب. نشر المقال أولاً في صحيفة (برادنتون  هيرالد) كجزء من سلسلة كتابات حول موضوع (هل الإسلام عنفي بطبيعته) تناولت فيه الكاتبة موضوعا على مستوى عال من الأهمية والحساسية وهو طبيعة العلاقة بين الإسلام كدين وفكر مع اليهودية والمسيحية كفكر ودين.

وقبل الحديث عن موضوعها أريد الإشارة إلى أن أغلب العاملين في مجال الحوار وتحليل الصراع يلجأون عادة إلى تبسيط الأمور الدينية بشكل كبير عسى أن تحضى أطروحتهم بالقبول،

من خلال محاولة عكس ما يعرف بـ (رؤية التمركز حول الدين) لتأسيس ما يعرف بالرؤية القائلة بـ (نسبية الدين) لأن الإيمان بنسبية الدين ممكن أن يخلق الأرضية المشتركة للتعايش السلمي من خلال ترسيخ القناعة بأن العنف ضد العقائد والممارسات الدينية الأخرى أمر لا مجال للتفكير فيه.كما يقول محمد أبو نمر ومشاركوه في كتابهم "الوحدة في الاختلاف" وذلك لأن المؤمن بنسبية الدين لا يمكن أن يصدر حكما على  الممارسات والعقائد الدينية الأخرى بل يعترف بالقيم والأعراف والطقوس والسلوكيات الدينية والروحية للأديان المختلفة ويدرك مضامينها ويتقبلها كما هي في سياقها الديني والثقافي .

ولم تشذ الكاتبة لينا العلي في بحثها عن هذه القاعدة حيث تجدها كغيرها تعمل على التركيز على القواسم المشتركة بين المتحاورين وهو التوجه السائد في اللقاءات الدينية الإقليمية منها والمحلية،. وقد أدرك الناشطون في العمل الحواري أن الدين هو المحفز لأغلب أنواع الصراع بين البشر، ولذا عدوا نظرة المتحاورين لطريقة توظيف الدين في حوار الأديان على أنها واحدة من مجموعة طرائق للحوار أوجزها  د. محمد أبو نمر وآمال الخوري  وايملي ويلتي في كتابهم (الوحدة في الاختلاف) وأهمها:

 

1-التمركز حول الدين مقابل نسبية الدين ( الأهداف والإطار) .

2-النزاع السياسي مقابل الانسجام (طبيعة المحتوى ).

3-النشاط والنتائج مقابل العملية التربوية (النتائج).

  وفي عودة للموضوع أرى أن الكاتبة لينا العلي بدت في بداية موضوعها عادلة منصفة وهي تتناول نظرة بعض الغربيين المنحرفة للقرآن وهي النظرة التي تصف القرآن بأنه المنظر الحقيقي للعمل الإسلامي العنفي الذي تتبناه المجاميع الإرهابية المتطرفة استنادا إلى مجموعة آيات تبدو وكأنها تحث المسلمين على القتل العشوائي  حيث قالت: (ومما لا يثير الدهشة أن البعض من غير المسلمين يشيرون غالباً إلى تلك الآيات كبراهين على أن المسلمين يشكلون تهديداً لأسلوب حياتهم، مبررين من خلال ذلك عدائهم تجاه الإسلام.) ويذكرني رأيها هذا بقول لـ (أورهان بيار) مفاده : (إن العنف المنفلت من عقاله الذي نعاني منه اليوم منبعه الرئيس هو النص القرآني الذي يحلل قتل ومعاداة ومحاربة المخالف مهما كان. فالإسلام لا يقبل     الاختلاف والعالم في نظره قسمان لا ثالث لهما: مسلمون وكفار وواجب المسلمين هو الجهاد في سبيل الله) 1

وهي الصورة المشوهة التي طاردت الإسلام منذ زمن بعيد أو كما تقول  الباحثة (كارن آرمسرونج) : لقب الإسلام بدين السيف، دين تخلى عن الروحانية الحقيقية بإجازة العنف والتعصب. إنها صورة طاردت الإسلام في الغرب المسيحي منذ القرون الوسطى2.

هذه النظرة رصدها أعضاء " لجنة البريطانيين المسلمين"  الذين أصدروا عام  1996 وثيقة بعنوان (فوبيا الإسلام) جاء فيها :إن أحاديث فوبيا الإسلام تمتاز بـ: النظر إلى الثقافة الإسلامية على أنها متحجرة وغير قابلة للتغيير ـ ثقافة المسلمين تختلف كليا عن باقي الثقافات ـ الإسلام يشكل خطرا محتوما ـ المسلمون يستخدمون الدين لأغراض سياسية وعسكرية3 وهو ما تماهى معه المفكر (لوي غارديه) بقوله: إن الصورة التي كونها الكثير من المراقبين الغربيين عن الثقافة الإسلامية ليست إلا صورة مشوهة 4 هذه النظرة النمطية التقليدية رسخت في العقلية الغربية وباتت من مسلماتهم التي لا تحتاج إلى برهان لإثبات صحتها.

ثم تساءلت الكاتبة قائلة: (ولكن هل هذا هو حقاً ما تعنيه هذه الآيات؟) وفي محاولتها الجواب على هذا السؤال أرادت أن تثبت خطل هذا الرأي فقالت: (يتم في الغالب نسيان أن القرآن نزل على النبي محمد (ص) خلال فترة امتدت عبر ثلاثة وعشرين سنة من قيادته الروحية والسياسية .....  كانت تخاطب بالضرورة التحديات التي واجهت المجتمع الإسلامي الناشيء) وهو رأي مصيب جدا طبعا من حيث الكلية وليس الجزئية، ويشاركها فيه مجموعة من المهتمين بموضوع الحوار الديني منهم ماهر أبو منشار وهو محاضر وزائر كبير في دائرة التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة ملايا في ماليزيا ومؤلف كتاب (القدس الإسلامية ومسيحيوها: تاريخ من التسامح والتوترات) ومقاله (حل قضية " الكفار" في الإسلام) المنشور من قبل نفس المنظمة بتاريخ 4 كانون الأول/ديسمبر2009   جزء من سلسلة (الإسلام عنفي بطبيعته) أيضا يشاركها من خلال قوله: (يجب أن ينظر إلى هذه الآيات على أنها تقدم الدعم الضروري لبقاء وتماسك مجتمع مبكر معرض من المسلمين، والنبي محمد (ص) وأتباعه الذين وصلوا لاجئين إلى المدينة، وسط بيئة تحمل العداء في طياتها.) لكن مدى اعتقاد الآخر بصحة بهذا التخريج لا يمكن إثباته بالتأكيد. 

كما أنها أنصفت القرآن حينما قالت: (بينما يسرد حوالي ثلثي القرآن الكريم سِيَر أنبياء اليهود وسيدنا عيسى ومريم العذراء عليهما السلام كتعابير عن المُثل الروحانية، يضع الثلث الثالث قوانين سلوكية محددة لأتباع الدين الجديد وقتها. تغطي هذه القوانين بشكل عام موضوعين رئيسين: السلوك الحسن في حياة المرء الشخصية والاجتماعية والأسَرية، وتعليقات محددة حول أحداث في الماضي أو في الحاضر بما فيها المشاكل السياسية والمجتمعية. وتقع الآيات التي يُنظَر إليها على أنها عدائية تجاه اليهود والمسيحيين ضمن المجموعة الأخيرة.) وهي الحقيقة التي تجاوزها الغربيون بدوافع بعضها نابعة من جهلهم بحقيقة الحراك الإسلامي الأول وبعضها الآخر نابع من روح عدوانية تضمر الشر للإسلام، وحسنا فعلت الكاتبة في إشارتها لهذا الأمر المهم. ولأمر مهم آخر أشارت له بقولها: ( ُشار إلى أفراد الجاليتين اليهودية والمسيحية باحترام على أنهم من "أهل الكتاب"، وهم الذين أرسلت كتبهم الدينية من قبل الله تعالى نفسه الذي أنزل القرآن الكريم على أهل الجزيرة العربية)

وقد حاولت من جانب آخر نسبة الأحداث العنفية التي وقعت في مرحلة الطور المدني بين المسلمين وأهل الكتاب ومنهم اليهود خاصة إلى طبيعة النفس البشرية التي تنظر عادة للأمر الجديد بكثير من الريبة والشك فقالت: (فإن معظم هذه الآيات (حوالي الأربعين من أكثر من ستة آلاف آية كريمة) تتحدث عن توترات مسيحية ويهودية مع المسلمين الأوائل. كانت تعاليم النبي محمد (ص) جديدة، وبالتالي أصبح يُنظر إليها بريبة وشك، واعتبرها معظم المسيحيين واليهود في ذلك الوقت غير شرعية. ليس هذا مستغرباً على الإطلاق إذا أخذنا بالاعتبار أنه من المستحيل حسبما يُثبِت لنا التاريخ، أن تعتنق الغالبية الساحقة من أتباع أي دين تعاليم مؤسس دين آخر يظهر في وسطهم.) واهتمام الكاتبة بهذا الموضوع يأتي من كون التحدي وتماهي الهويات والمنافسة جنبة يهتم بها الفكر الغربي كثيرا ويوليها كامل اهتمامه ولذا ترى مثلا أن صموئيل هنتنغتن يشير لها في أكثر من مكان في كتابه المعنون (من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية) بما أسماه " منافسة الخصم" وأشار لها بأسلوب آخر الكاتب عباس مهدي البلداوي في كتابه الموسوم (العقدة النفسية والشعور بالنقص) ومنه قوله: (إن الذين يقاومون أي تغيير في نظام حياتهم مهما كان لمجرد أن التغيير الجديد لم يألفوه هم معقدون . وكلما كانت مقاومتهم شديدة كان التعقيد المبتلون به شديدا أيضا) 5 لأن موقف الآخرين من الحقيقة التي جاء بها الإسلام  لا يعفهم من تحمل اللوم، لقد دعا (كونفشيوس) إلى متابعة الحقيقة وان لا ننكرها حتى لو كانت صادرة عن شخص لا نرتاح إليه.لأن الحقيقة جميلة أيا كان مصدرها6 وقد أشارت الكاتبة لهذا الجانب بكثير من الوضوح حيث قالت: (يجب بالإضافة إلى ذلك قراءة الآيات التي تُعتبر عدائية تجاه اليهود والمسيحيين في مضمونها الصحيح. ففي الوقت الذي نزلت فيه بعضها على سبيل المثال، قامت إحدى قبائل اليهود المتحالفة مع المسلمين بخيانتهم) وهنا أيضا شاركها الكاتب ماهر أبو منشار الرأي من خلال قوله: (يجب أن يُنظر إلى هذه الآيات على أنها تُقدّم الدعم الضروري لبقاء وتماسك مجتمع مبكّر وسط بيئة تحمل العداء في طياتها.)

ثم عادت ثانية لتوجيه سؤال آخر لا يقل أهمية عن سابقه مفاده: (ولكن هل يمكن تعميم التعليمات الواردة في القرآن الكريم والمتعلقة بأحداث محدّدة كهذه وتطبيقها على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين واليهود اليوم؟) وهنا ـ ومن خلال طرحها لهذا السؤال ـ دخلت في أمر شائك لا يتفق حوله المسلمون أنفسهم حيث دخل الفكر الإسلامي منذ القرن الأول الهجري في متاهة تعقيدات وتفرعات هذا الموضوع، فالمعروف تاريخيا أن فرقة إسلامية لجأت إلى آيات نزلت في الكفار لتطبيقها على المسلمين الذين تختلف معهم في الرأي وهو الأمر الذي أزعج الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب فرد عليهم قائلا: ( أخذوا آيات نزلت في الكفار وجعلوها في المسلمين) يقصد فرقة الخوارج. ولا زال المسلمون مختلفون بشأن هذه الآيات حيث يرى الفكر السلفي القائم على الجمود النصي وجوب تطبيقها حرفيا على المخالف "الآخر" ويرى بعض أتباع مذاهب إسلامية أخرى أن التجديد يتحكم بها تبعا للمصلحة العامة للإسلام، ويرى آخرون أن الإسلام إذا كان قويا ومتمكنا وجب العمل بها وإذا كان ضعيفا غير قادر على المجابهة وجب العمل بالمداهنة والحوار وهي السياسة البراغماتية التي تؤمن بها بعض الجماعات الإسلامية. 

ولكن الكاتبة ربما بسبب طبيعة عملها أو بسبب الحياة المنفتحة التي تعيشها  حاولت في القسم الآخر من الموضوع تجاوز حقائق تشريعية وقانونية منها قولها: (جرى ذِكر التوراة والإنجيل أكثر من اثني عشرة مرة في القرآن الكريم، وبصورة إيجابية دائماً، ووصفهما بـ "الهدى والنور" لبني البشر، وبأن أتباعهما الصالحين، إلى جانب المسلمين الصالحين، "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (2:38). يذكر القرآن الكريم النبي موسى عليه السلام بالاسم ما لا يقل عن 136 مرة. كذلك يذكر القرآن الكريم سيدنا عيسى عليه السلام بالاسم أكثر من خمسة وعشرين مرة، وأيضاً بالوصف والكنية، مثل المخلّص وابن مريم وكلمة الله وروح الله، عبر خمسة عشر سورة. وتجري إعادة سرد القصص الواردة في الإنجيل عن حياته في القرآن الكريم، بما فيه مولده من العذراء مريم وشفاء العميان والمصابين بالبرص، وإقامة الأموات. وقد سُمّيت السورة الخامسة (المائدة) باسم العشاء الأخير. كما يذكر القرآن الكريم مريم العذراء أربعة وثلاثين مرة بالاسم، ويُطلِق اسمها على إحدى السور، وتوصف بأنها أعلى النساء مرتبة بين خلق الله تعالى.)

فقبالة هذه الصورة  الزاهية توجد في القرآن صور أخرى على خلافها تماما، فهذه الصورة تتحدث عن الأديان الإلهية الحقيقية التي نزل بها الوحي من عند الله سبحانه على النبيين الفاضلين موسى وعيسى عليهما السم، أما الصور الأخرى فتتحدث عن تحريف أتباع هاتين الديانتين لكتابيهما المقدسين التوراة والإنجيل، وتتحدث عن معاداة اليهود للمسلمين، وهناك آيات تعيب على اليهود قولهم أن العزير ابن الله، وتعيب على المسيحيين قولهم أن المسيح ابن الله أو إيمانهم  بالثالوث الأقدس.

أما قول الكاتبة: (يسمح الإسلام بالزواج المختلط مع اليهود والمسيحيين، إلا أنه نتيجة للعادات الأبوية السائدة، والآية ذات العلاقة التي يبدو أنها تخاطب الرجال، كان من الصعب عادة أن تتزوج المرأة المسلمة رجلاً يهودياً أو مسيحياً، الذي سيعتبر رباً للأسرة.) فهذا السماح والمنع لم يقم على بناء مجتمعي متأثر بالعادات الأبوية أو العرف المجتمعي السائد كما تدعي الكاتبة بل هو تشريع إلهي وارد بنص مقدس لا يجوز الاجتهاد قبالته حيث تسمح الديانة الإسلامية للمسلم بالزواج من الكتابية اعترافا بصدق ديانتها التوحيدية أي كونها ليست مشركة بالله، ولكنها لا تسمح للمسلمة بالزواج من الكتابي.

كذلك قولها: (ليس هناك نصاً واحداً في القرآن الكريم يشير إلى سيدنا عيسى عليه السلام والإنجيل، أو موسى عليه السلام والتوراة، إلا ويفعل ذلك بمزيد من الاحترام والإقرار والتأكيد. ويُعتبر هذا مطمئناً بشكل شامل بالنسبة لهؤلاء الذين يؤمنون أن الله تعالى لا يُرسِل إلى البشرية ديناً ويسمح له بالانتشار بعمق بين ملايين البشر والنفوس لقرون عدة، ليرسل لهم بعد ذلك ديناً آخر يجعله أكثر كمالاً، كما يعتقد بعض المسلمين اليوم فيما يتعلق بدور الإسلام المقصود مقابل اليهودية والمسيحية.) فهذا الاعتقاد لم ينبع من روح العقائد بل من متعارفات اجتماعية بحتة وألا فإن مجرد الإيمان بنزول الديانة اليهودية لتنسخ الديانات السابقة ثم نزول المسيحية لنتسخ الديانة اليهودية يسمح للإسلام بنسخ الديانة المسيحية وكل الديانات الأخرى تبعا لنفس القانون الذي يؤمنون به. لكن مدى إمكانية تطبيق هذه التناسخية في العصر الراهن ونحن نعرف أن عدد المسيحيين يفوق عدد المسلمين كثيرا تتحكم به  إضافة للفارق في العدد والعدة مجموعة كبيرة من الموانع بما يجعله عصيا على الممارسة، لكن ليس عصيا على الله سبحانه، ويعني هذا أننا يجب أن نرضى بواقع الحال وأن نؤمن أن الآخر يؤمن بعقيدته كما نؤمن بعقيدتنا نحن ولذا من الواجب علينا أن نحترمه ونحترم عقيدته ونتعايش معه ونتحاور أيضا لفض الخلافات بيننا والوصول بالبشرية إلى بر الأمان بعيدا عن الأزمات والصراعات والحروب، ولا يشكل الاعتقاد بتناسخية الديانات مأساة لأحد على خلاف ما تعتقده الكاتبة التي قالت عن هذا الأمر: (إنها لمأساة كبيرة أن يقوم البعض منا بالتمسّك بأي شيء نستطيع التمسّك به لرعاية مشاعر الخوف أو الحقد حيال ما لا نفهمه، فنعكس هذا الخوف على كتبنا أو كتب غيرنا الدينية المقدّسة، وهي في هذه الحالة القرآن الكريم. إذا أصغينا إلى كلماته بعقل مفتوح فقد يغلب الاطمئنان على قلوبنا، إن لم تغلب الخشية والروعة، لرسالته الرنّانه المألوفة.)

ما أريد الوصول إليه  أن هناك اليوم نشاط غير مسبوق لدعوات الحوار في العالم كله، وجزء كبير منها ينصب على الدين الإسلامي كونه أحد الأطراف المهمة في معادلة الأزمة الدولية الراهنة بعد أن وصلت العمليات الإرهابية العنفية إلى مراكز مدنهم  المحمية، وهناك أيضا سعي حثيث لتلطيف المواقف الإسلامية التي تبدو متشددة، والمواقف المتشددة فعلا لبعض المعادين للإسلام يشرف عليها القائمون على الحوار والمهتمون به، وفي سبيل النجاح لا يمنع هؤلاء عن تحريف بعض الحقائق الكلية مانع حتى ولو كان عن طريق تفسير الآيات القرآنية تبعا لهوى الكتاب.

كما وأريد الإشارة إلى أهمية معرفة الأطراف كافة لحقيقة الصراع وحقيقة الخلافات الموجودة بين الأديان لأن التأكيد على المشتركات العمومية يبسط الأمور ويحث على الانفراج ويخدر الأزمة ولكن لا يحلها، أي أنه يؤجل حلها. بالضبط كما يفعل المسلمون الذين يتحاورون بشأن المذاهب حيث هناك من يقول أن الخلاف بين المذاهب الإسلامية يقع في الفرعيات وليس في الأصول، في محاولة ساذجة لتلطيف الأجواء بينما يعرف هو قبل غيره أن الخلاف بين المذاهب الإسلامية في الأصول كما هو في الفروع،  فالشيعة يعدون الإمامة من أصول المذهب بينما لا تعترف بها المذاهب السنية. وكلا الطرفان يعرفان هذه الحقيقة لذا إن مجرد تجاوزها وإغفالها يشعر الأطراف المتحاورة أن هناك قدرا كبيرا من المجاملة التي ممكن أن تحدث انفراجا في الأزمة ولكنها لن تحلها بالتأكيد . وهذا ما ذهب إليه مولفوا كتاب (الوحدة في الاختلاف) بقولهم: (حين تكون مجموعة حوار الأديان تحت تأثير النزاع والتوتر غالبا ما يتم اللجوء لإيجاد قيم مشتركة كوسائل لتجاهل النزاع ،وبدلا من أن يعالج المتحاورون القلق والتوتر السائد بينهم ،يحاول الوسيط أن يقنع المجموعة بإصدار نوع من البيان المشترك. وحين يتم ذلك تكون وثيقة البيان مجردة ومبهمة وهي لا تضيف إلى المجموعة سوى الشعور باللاجدوى .

إن محاولة تبديل الصورة التي تظهر الإسلام وكأنه دين دموي تبدو على قدر كبير من الأهمية لأنها ليست صورة الإسلام الحقيقية ، ولكن أمرها لا يمكن أن يبحث بمثل هذه البساطة حتى ولو كانت هذه الطريقة هي الأقرب لتفكير الغربيين، لأنها ستظهرهم في النهاية وكأنهم خدعوا عندما يكتشفون أن هناك صور أخرى أغفل ذكرها الباحث ولم يشر إليها.

 

صالح الطائي

[email protected]

 

.......................

هوامش

 

1-  الإسلام والعنف، الجلبي وآخرون ص20

2-  الجهاد والإسلام،التحيز في مواجهة الواقع، أ. ج. نوراني، ص 73

3-  المصدر نفسه ، ص66

4-  الإسلام بين الأمس والغد، لوي غارديه ومحمد أركون ، ص 89

5-  البلداوي ،عباس مهدي، مصدر سابق ، ص14.

6-  البلداوي، عباس مهدي؛ ص4

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1287 الخميس 14/01/2010)

 

في المثقف اليوم