آراء

لاجئو الحرب الأهلية السورية

محمد العباسيلاجئو الحرب الأهلية السورية أو اللاجئون السوريون، مواطنون سوريون فرّوا من قراهم ومدنهم في أصقاع "سوريا" مع تصاعد عمليات التنكيل في بداية حراك الربيع العربي المشئوم في عام 2011 حتى بلوغ الأزمة السورية مراحل القصف بالبراميل المتفجرة ثم التدخل الروسي وجماعات طائفية مدعومة من إيران وجماعات أخرى محسوبة على القاعدة وداعش والأكراد والأتراك.. وتفاقمت الأوضاع بحلول عام 2016 ومن ثم انقلاب الأوضاع لصالح النظام السوري المدعوم بنهاية 2018.  وقد تم تسجيل أكثر من ستة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار خصوصاً الأردن ولبنان وتركيا والعراق، وعلى الأرجح توجد مئات الآلاف الأخرى من اللاجئين غير المسجلين، ويقدر عدد من ينتظرون التسجيل كلاجئين في وطنهم بحوالي مليون شخص أو أكثر، جلهم اليوم مكتظين في حلب وإدلب  بلا أدني أمل في الخلاص القريب.

بدأت عمليات النزوح بعدة مئات بين شهري إبريل ومايو 2011 لتصل مع نهاية السنة الأولى إلى عدة آلاف.. وبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان وحدها مع يناير 2012 وفق المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكثر من 5000 لاجئ، مع آلاف اللاجئين الغير مسجلين بشكل رسمي..  بل وصل الأمر لقمة التخوف والترقب من تفاقم المعضلة حينما أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي حينها عن استعدادات يقوم بها الجيش الإسرائيلي لاستيعاب آلاف اللاجئين السوريين المحتملين من الطائفة العلويّة في هضبة الجولان السوريّة المحتلّة، في حال سقوط النظام السوري الذي تهيمن عليه الأقليّة العلوية واضطرار العلويون إلى الفرار.  بحلول شهر مارس قدّرت الأمم المتحدّة أعداد اللاجئين السوريين داخل سورية حوالي 230,000 لاجئ، وخارج سورية حوالي 30,000 لاجئ.  وبحلول إبريل، أفادت الأنباء الواردة عن تزايد أعداد اللاجئين السوريين في الدول المجاورة بنسبة 40% في غضون أيام، وبلغ عدد اللاجئين المسجلين حوالي 55,000 لاجئ نصفهم من الأطفال دون سن 18.

و لكم أن تتصوروا حال السوريين بمرور كل شهر وعبر السنوات الأخيرة بالذات مع تزايد العنف والقصف والتهجير وعمليات النظام والجماعات الإيرانية بقصد إخلاء المدن من أهاليها من كل المذاهب المخالفة للعلويين الشيعة والعمل على تغيير الديموغرافية السكانية بشكل ممنهج.. حتى بلغ عدد اللاجئين المسجلين في مخيمات تركيا وحدها مع نهاية 2015 حوالي ثلاثة ملايين سوري.. ناهيكم عن مئات الآلاف الغير مسجلين.

في الأردن، رغم كل مشاكلها الإقتصادية، يتواجد أعداد من اللاجئين تفوق كل قدراتهم الطبيعية.. ففي مخيمات مثل الزعتري والأزرق والرقبان باتت تلك المناطق متخمة فوق طاقاتها بالسوريين.. وكلنا يعلم أن الأردن كانت قبل الأزمة السورية ولاتزال تحتضن ضيوفها من اللاجئين من العراق وفلسطين منذ سنوات طويلة.. وهم بالفعل يعانون من الأوضاع الاقتصادية ويشكل الواقدون ضغطاً على موارد الأردن المحدودة أصلاً، ما يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الرأي العام الأردني تجاه هؤلاء المغلوبين على أمرهم (حسب كافة دراسات الأمم المتحدة).

وكذلك الأمر مع الوضع في لبنان حيث كان تدفق الأعداد الكبيرة في بداية الأزمة عبر طول الحدود بلا سيطرة.. فقد تقبل لبنان الأمر من باب الوضع الإنساني حتى بلغ عدد اللاجئين حوالي المليونين مما رفع تعداد سكان البلاد بنسبة 50% تقريباً.. وصرح المفوض السامي للأمم المتحدة حينها بأن: "وطأة تدفق مليوني لاجئ تعتبر ضخمة على أي بلد.. أما في لبنان، وهو دولة صغيرة تعدادها 4,4 مليون ويعاني من صعوبات داخلية ومشاكل طائفية، فالتأثير مذهل".

قد يعاني أغلب اللاجئين من صنوف ومشاكل عدة ترتبط بالضرورة بطبيعة الإغتراب والتشرذم والغصة المرتبطة بالهجرة القصرية عن الأوطان والمعيشة في الخيام وأحياناً في العراء.. ومع مثل هذه الظروف القاسية تأتي قساوة الشعور بالضياع وعدم الأمان وسوداوية المستقبل.. بينما تعاني المخيمات بشكل عام من قلة الموارد وظروف الإتكال على المعونات مما يزيد الطين بلة ومهانة ومذلة.. وقد يعاني الكثير من تأثيرات نفسية بسبب فقدان الكرامة بالذات للرجال المسئولين عن عوائلهم وأطفالهم الصغار.. ومع الأطفال تأتي جملة من المعضلات ربما أهمها لمن يولدون في المخيمات بسبب مشكلة الوضع القانوني والتسجيل من أجل الحقوق الجنسية والمدنية.

ففي تركيا مثلاً، وفقًا للقانون التركي في هذا الشأن، فإن الطفل المولود في تركيا ولم يكتسب بولادته جنسية أي دولة كانت لكون أبويه أجنبيين "يعتبر مواطنًا تركيًا منذ ولادته، كما يعتبر الطفل الموجود في تركيا مولوداً فيها طالما لم يثبت عكس ذلك"، ما يعني أنه من المفروض لكل المواليد السوريين أن يجنّسون تلقائياً باعتبارهم مشمولين بنص القانون المذكور.. لكن واقع الأمر مختلف، فالسوريون يعاملون باعتبارهم "حالة خاصة" ولهم فقرات محددة في قانون الأجانب، بحسب شرح مدير المكتب القانوني بوزارة العدل في الحكومة التركية.. فالقانون لا يتم تطبيقه على أغلب اللاجئين السوريين حيث أنهم لا يُعتبرون قاطنين شرعيين في تركيا، ولا بد لهم من الحصول على إقامات شرعية وربما لزاماً عليهم التواجد بشكل شرعي لمدة خمس سنوات قبل تأهلهم لمثل هذا الحق في الجنسية، وبعد الحصول على الموافقات من الجهات الرسمية، وهكذا!

ويوضح مدير المكتب القانوني أن الإقامة "يجب أن تكون شرعية ضمن الدولة التركية"، مضيفا أن "احتساب سنوات الإقامة لا يشمل الفترة الذي قضاها السوري مخالفًا قبل استصداره إقامة في البلد".. ولا يجب أن يكون صاحب الطلب حاملًا لمرض من شأنه تشكيل خطر على الصحة العامة، ويشترط أن يكون صاحب أخلاق حسنة وحسن السيرة والسلوك، وأن يكون على قدر كاف من التحدث باللغة التركية.. كما يجب عليه أن يكون صاحب مهنة يستطيع إعالة نفسه ومن هم تحت رعايته، وألا يكون ممن يشكلون خطراً على الأمن القومي والنظام العام.. ويطلب من الأجانب الراغبين في الحصول على الجنسية التركية إضافة للشروط السابقة، أن يتنازلوا عن جنسية البلدان التي يحملون جنسيتها، ويكون مجلس الوزراء مفوضاً بتقدير كل ما سبق.. ويعيش قرابة ثلاثة ملايين سوري في تركيا، بعضهم يتوزعون داخل المدن التركية، وآخرون يقطنون في المخيمات عند الحدود السورية، استصدر معظمهم هويات تعريفية "الكيمليك"، نظراً للتكاليف المرتفعة للحصول على الإقامات السياحية، كما يحمل غالبيتهم جوازات سفر منتهية الصلاحية أو ربما لا يحملون معهم أية أوراق ووثائق رسمية أصلاً !!

و هكذا هو وضع أغلب الهاربين من جحيم المعارك في كل دول الجوار.. هربوا بأرواحهم دون الإلتفات إلى مثل هذه المتطلبات والمستندات.. وهكذا نجدهم يعيشون في خيام قد تأويهم من قساوة البرد في الشتاء لكنهم يفتقرون لمقومات الحياة الأساسية.. بالذات للضحايا الصغار.. فهم محرومون من كل الحقوق، وبالذات التعليم والرعاية الصحية.. وهم بالتالي محرومون من التمتع بطفولتهم حالهم حال اطفال الدنيا.. محرومون من كنف الأسرة السعيدة والتربية السوية الصحيحة.. ثم نجدهم يدفعون الثمن غالياً بسبب حرمانهم من حقوقهم في الإنتماء لوطن ما حيثما يكون هذا الوطن! وفي تركيا وحدها تمت ولادة أكثر من 250 ألف مولود خلال سنوات الحرب الماضية وأغلب عوائلهم لا يحملون الوثائق المطلوبة.

ففي الأردن حسب إحصائية 2014 تم تسجيل أكثر من 16 ألف مولود، وفي بداية 2016 تم تسجيل حوالي 7000 مولوداً جديداً أغلبهم في مخيم الزعتري.. وأترك لكم تصور عدد المواليد عبر سنوات الحرب منذ 2011 حتى الآن في كافة مخيمات اللاجئين في دول الجوار مجتمعة.. غير الذين يعيشون في الشتات والمهاجرين والنازحين داخل الأراضي السورية.. وعدد من ماتوا جوعاً بسبب الحصار وفقدان الرعاية.. وعدد الأطفال اللذين ضاعوا أو تم إختطافهم من ذويهم في رحلات العذاب بين الحدود الأوروبية.. وعدد من لقوا حتفهم غرقاً في البحار في قوارب الموت!

لذا تحيرني تلك الصور التي نجد فية رب أسرة في خيمة ممزقة يشتكي من إفتقارهم للمأكل والمشرب وعدم توفر الكهرباء والوقود وأبسط المتطلبات الحياتية.. ويشتكي من صغر خيمته المتهلهلة وكونه يعيش فيها هو وزوجته وعدد من الأطفال كلهم دون الخامسة.. كيف بالله يكون لكم في مثل هذا الوضع المأساوي الرغبة في الإنجاب.. كيف تفاقمون الوضع سوءاً؟  ثم تشتكون؟  ما ذنب هؤلاء الصغار فيما تصنعون؟  كيف بالله تجدون المزاج والوقت والرغبة في الإنجاب وأنتم أعلم الناس بسوء الأوضاع وما أنتم فيه من ضياع؟؟

للأطفال بالذات مشاكل خاصة.. فتقارير الأمم المتحدة تبين أن حوالي 50% ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة مضطرون للعمل لإعانة أهاليهم مقابل أجور زهيدة جداً وفي ظروف قاسية.. وكذلك تبين الدراسات ارتفاعاً ملحوظاً في زواج الفتيات بين 15 و19 سنة دون أرادتهن وضد رغبتهن، من أجل التخفيف على أعباء أسرهن.. ويكاد الوضع يكون أشبه بسوق للنخاسة تباع فيها الفتيات من أجل إنقاذ بقية أفراد الأسرة.. ورغم أن نسب الملتحقين بالدراسة تتحسن كل سنة، غير أن الأصغر سناً لا يزالون محرومون من التعليم المنظم بسبب تكاليف الدراسة ومشاكل توفر وسائل النقل المناسبة.. ولا تزال نسب الإنجاب مرتفعة في المخيمات رغم كل الظروف القاسية، وربما كان ولا يزال الأمل قائماً بين هؤلاء اللاجئين بقرب إنتهاء مأساتهم وعودتهم لأوطانهم من جديد!

وتبين بعض أحدث الإحصائيات تواجد حوالي 7 ملايين لاجئ سوري على أراضي 45 دولة حول العالم بينهم حوالي مليوني امرأة وأكثر من 3 ملايين طفل.. ويبين موقع (سبوتنيك) الروسي أن 29 دولة منها تكتظ فيها أعداد اللاجئين السوريين وهي كالتالي: "تركيا، لبنان، الأردن، مصر، العراق، ألمانيا، هولندا، النمسا، الدنمارك، اليونان، سويسرا، بلجيكا، إيطاليا، رومانيا، إسبانيا، إيرلندا، مالطا، بولندا، البوسنة والهرسك، الأرجنتين، لوكسمبورغ، كرواتيا، سلوفينيا، بلغاريا، هنغاريا، آيسلندا، سلوفاكيا، جمهورية التشيك، لاتفيا".. وهذا التعداد لا يشمل كل السوريين الذين كانوا يعيشون في غير أوطانهم كعمالة، وبالتالي لم يتمكنوا قط من العودة وإحتظنتهم تلك الدول مراعاة لظروفهم، لذا هم ليسوا محسوبين ضمن اللاجئين لكونهم مستقرين ويحظون ببعض الأمان والإستقرار بشكل عام.. وأغلب هؤلاء ربما كانوا ولا يزالون متواجدين في الدول العربية التي لا تزال تحظى ببعض الإستقرار وبالذات في الدول الخليجية.. فهل يا ترى سيعود كل هؤلاء المبعثرين في أرض الله إلى سوريا الحبيبة قريباً، أم ستطول محنتهم كما الحال مع الشعب الفلسطيني المغلوبين على أمرهم؟

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم