آراء

كيف كان المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003؟! (3)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا في هذا المقال الثالث عن المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003،وفي هذا يمكن القول: اتخذ الخطاب الأمريكي الطابع العدائي ضد العراق، وأطلق الرئيس بوش (الابن) علي العراق، وإيران، وكوريا الشمالية، دول محور الشر، وأكد بوش علي الطبيعة العدوانية للعراق، وأنه لابد من إزالة النظام العراقي وكان خطاب الرئيس الأمريكي إبان افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2002 من العلامات الفارقة في تطور الخطاب الأمريكي بشأن العراق، وكانت أهم البنود التي وردت في هذا الخطاب :

1- التأكيد علي ضرورة نزع أسلحة العراق غير التقليدية، وإلا فإن عملاً عسكرياً سيكون حتمياً .

2- التأكيد علي أن العراق سوف يكون قادراً علي امتلاك قنبلة نووية خلال عام واحد إذا نجح في الحصول علي مواد انشطارية .

3- اتهام النظام العراقي بالتهرب من التزاماته من الكشف علي مخزونه وبرامجه من أسلحه الدمار الشامل.

4- التأكيد علي أن رفض العراق الانصياع لقرارات مجلس الأمن، يمثل تهديداً لسلطة الأمم المتحدة، وأن واشنطن ستعمل مع غيرها من أعضاء مجلس الأمن علي استصدار قرار جديد بشأن العراق، يهدف الي نزع أسلحة الدمار الشامل .

5- إذا تم اتخاذ تدابير يمكن للأمم المتحدة المساعدة في تشكيل حكومة، تمثل جميع الأطراف في العراق وتنبثق من انتخابات تشرف عليها المجموعة الدولية.

وقد استطاعت الإدارة الأمريكية انتزاع موافقة الكونجرس علي قانون يخول حرية التعاطي مع العراق بما في ذلك استخدام القوة وقد مارست الإدارة الأمريكية، إما بالتهديد، أو بالمهادنة طوال العام 2002 م، فقد أعلن ممثلو الإدارة الأمريكية في أكثر من مناسبة أن الحكومة ليست في حاجة إلي موافقة الكونجرس لشن الحرب علي العراق مستندة في ذلك أن الدستور الأمريكي، يعطي رئيس الولايات المتحدة سلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن القرار الصادر عام 1991 باستخدام القوة العسكرية ضد العراق مازال سارياً، وكذلك القرار الذي تبناه الكونجرس 14 سبتمبر 2001م في أعقاب أحداث سبتمبر، والذي منح الحكومة الأمريكية حق استخدام القوة العسكرية ضد المنظمات الإرهابية،وهذا الوضع ينطبق علي الحالة العراقية بالنظرإلي صلاته بالتنظيمات الإرهابية، ولكن رغم هذه الدعائم كانت الإدارة الأمريكية حريصة علي أن يكون استخدام القوة العسكرية ضد العراق مدعوماً بقرار من الكونجرس، حتي يلقي التأييد الداخلي والخارجي .

وبعد أن فشلت الولايات المتحدة وبريطانيا في الحصول علي قرار دولي يؤيد الحرب علي العراق، اجتمع الرئيس بوش (الابن) ورئيسا الوزراء البريطاني والإسباني في "جزر الأزور" في 17 مارس 2003م، ووجهوا إنذاراً للأمم المتحدة باستصدار قرار للحرب علي العراق، وإلا وسوف يضطروا إلي الذهاب للحرب علي العراق بدون تفويض وكانت الدول الثلاث الأخرى فرنسا، وألمانيا، وروسيا الرافضة لفكرة الحرب، قد أكدت من خلال إعلان مشترك في اليوم السابق، بأن استخدام القوة يجب أن يكون الخيار الأخير، وفي مساء 17 مارس وجه الرئيس بوش إلي صدام حسين إنذاراً نهائياً بمغادرة العراق مع أبنائه خلال 48 ساعة وطالب رجال المخابرات والأمن بأن لا يحاربوا في سبيل نظام في طريقه إلي الموت، وفي المقابل أعلن العراق أنه مستعد للهجوم الأمريكي، وفي 20 مارس 2003 م، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا الحرب علي العراق، وفي 9 ابريل 2003م سقطت العاصمة العراقية بغداد في أيدي قوات الاحتلال الأمريكية .

ثانياً: الدوافع المباشرة للتدخل الامريكي في العراق كما أعلنتها الادارة الامريكية:

يمثل موقع العراق الجغرافي حلقة وصل بين أوربا والشرق الأوسط، ويتمتع بأهمية كبيرة لأنه يقع في شمال الخليج العربي، ويكون مع بقية دول الخليج العربي أكبر مصدر للنفط في العالم كله، لـذا كان محط أنظار القوى الاستعمارية التقليدية، منها كبريطانيا، وألمانيا، بشكل خاص وقـوى الاسـتعمار الحديث الممثلة بالولايات المتحدة وبريطانيا .

وقد سعت ألمانيا في القرن التاسع عشر لربط العراق بخط قطار الشرق السريع (برلين– بغداد) في محاولة لمد سيطرتها الاستعمارية على أكبر مخزون للطاقة في العالم، لكن جهودها باءت بالفشـل بعد خسارتها للحرب العالمية الأولى، وجاءت القوات البريطانية فاحتلت البصرة فـي نوفمبر1914م، وأكملت احتلالها للعراق في مايو1917م. ورفض الشعب العراقي قوات الاحتلال واندلعت ثورة عام 1920م، وأرغمت بريطانيا تحت الضغط الشعبي أن تنصب الأمير"فيصل بن الحسين الهاشمي"(1883-1933م) ملكـاً علـى العراق، وبقيت تسيطر على قدرات العراق الاقتصادية والسياسية مـن خـلال مستشـارين سياسـيين وعسكريين، وكانت الكلمة الأخيرة لسفير بريطانيا في بغداد واستمر هذا حتى قيام ثورة يوليو 1958م .

ولم تتوقف محاولات ألمانيا للوصول إلى منابع النفط في العراق، وخاصة أيـام الحكـم النـازي، عندما تسلم السلطة في ألمانيا" أدولف هتلر" Adolf Hitler، الذي أقام علاقات ودية مع الملك " غازي بن فيصل الأول بن حسين بن علي "، وعندما قامت حركة العراق التحررية في أيار 1942م بقيادة "رشيد عالي الكيلاني"، وقف هتلر إلى جانب "الكيلاني"، وأرسل له أسراباً من الطائرات الحربية، ولكنه لم يستطع أن يقدم له الدعم الكافي، لأن الحرب العالمية الثانية، كانت في أوجها، وقد شعرت بريطانيا بخطر وصول ألمانيا إلى منطقة الخليج والسيطرة علـى منـابع الـنفط، فسارعت إلى إسقاط حكومة الكيلاني، واحتلال بغداد من جديد،وأحكمت سـيطرتها عليهـا،وفشـلت محاولات ألمانيا .

أما أطماع أمريكا في التنافس على نفط العراق، فقد بدأت مبكراً، ففي عام 1920م طلبت الولايات المتحدة من بريطانيا في مؤتمر "سان ريمو" San Remo في إيطاليا، ضرورة مشاركتها بنفط العراق والخليج، لكـن بريطانيا رفضت هذا ولم يستطع رئيس وزراء بريطانيا "ونستون تشرشل" Winston Churchil، أن يقاوم الضغط الشديد من رئـيس الولايات المتحدة "فرانكلين روزفلت" Franklin Roosevelt من أجل الحصول على نصيب كبير في نفط الخليج. وحصلت أمريكا على النفط السعودي بموجب الاتفاق بين الملك عبد العزيز وشركة (آرامكو)، وحصلت أيضاَ على الـنفط الإيراني، بعد أن أطاحت بحكومة " محمد مصدق (1880-1967م) "، وإزاحة بريطانيا من الهيمنة على نفط الخلـيج، وقـد سـعت الولايات المتحدة لإيجاد نوع من الأمن الإقليمي في منطقة الخليج منذ إعلان بريطانيا الانسحاب مـن المنطقة، لسد الفراغ الاستعماري البريطاني الأمريكي، فبدأت بمشروع " سيسكو وروجرز " لعـام 1972م. وكان هذا المخطط قد صرح به روستر Rosterوكيل وزارة الخارجية الأمريكية عام ١٩٦٨،عندما أعلن عن إقامة مثل هذا الحلف بين دول الخليج العربي بما فيها العراق؛ وتهدف هذه المخططات إلى :

أ- فصل الأمن الإقليمي الخليجي عن باقي الدول العربية القوية غير المنتجة للنفط، حتى يظل اعتمادها الرئيسي على الولايات المتحدة الأمريكية.

ب-عدم السماح باستخدام سلاح النفط في كل محاولات تسوية القضية الفلسطينية.

جـ - ربط اقتصاديات دول الخليج بالاقتصاد الغربي، وجعلها أسواقاً استهلاكية للبضائع الغربية.

د- تثبيت الطابع الغربي في الثقافة، والإعلام، والمناهج التربوية.

وتبدلت هذه المخططات الاستراتيجية بعد حرب أكتوبر 1973م، فأصبحت الاستراتيجية الأمريكية، تركزعلى أن منطقة الخليج العربي شريان حياة للغرب، خاصة بعد إعلان الحظر الجزئي للنفط، الأمر الذي جعل "هنري كيسنجر" يصرح بـ "أن أي محاولة لفرض حظر نفطي لفترة طويلة، هو عمل من أعمال الحرب ". وقد طورت هذه الفكـرة حتـى أصبحت لا تقتصرعلى ضمان إمدادات النفط فقط بل تأمينه بسعر رخيص .

وبعد انتهاء الحرب العراقية– الإيرانية وخروج العراق عام 1988م منتصراً منهـا، ومـديوناً وجيشه ما زال نسبياً على قدر من القوة، يهدد مصالح الولايات المتحدة في الخليج وأمن إسرائيل، وهنا ارتأت واشنطن أن تجد مبرراً جديداً لقيام حرب جديدة تهدف إلى الخلاص من ترسـانة العـراق العسـكرية، ومحاولة العودة إلى منابع النفط بشكل فعال، فكانت حرب الخليج الثانية 1991م، ولم يكن جورج بوش (الابن) بعيداً عن قرار خوض واشنطن الحرب، فقد كشفت وثائق رسمية أمريكية علاقته بفضائح ماليـة تمس أجهزة المخابرات وأبيه وأخيه، وفضائح شركات النفط أسكتتها حرب الخليج الثانية وحولتها إلى الاتجاه المعاكس .

وما من شك في أن للحرب العدوانية الأمريكية على العراق واحتلاله في ربيع عام 2003م عدة أهداف متشابكة ومتداخلة بعضها ببعض على الصعيد السياسي، والاقتصادي، والعسكري، ومعظـم هـذه الأهداف تلتقي مع الأهداف الإسرائيلية في السيطرة على مقدرات الشرق الأوسط. ويمكـن تلخـيص أهداف الحرب الأمريكية المعلنة على العراق بما يلي:

1- امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل:

تعد ذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، حجة قديمة متجددة في سياق الغزو الأمريكي للعرق، وتعود خلفيات هذه القضية إلى سنوات حرب الخليج الثانية، بحجة تجريد العراق من أسلحته الهجومية التي تمكنه من القيام بعدوان جديد على جيرانه بعد امتلاكه الكويت عام 1990م .

فقد بدأت قصة أسلحة الدمار الشامل في العراق تطفو علي سطح الأحداث في شتاء عام‏1990م، عندما أعلن الرئيس العراقي صدام حسين في إحدى خطبه أنه يملك سلاحاً سماه الكيماوي المزدوج‏،‏ وأكد أن هذا السلاح قادر علي قتل نصف سكان تل أبيب‏،‏ كما تحدث أيضاً عن امتلاكه للمدفع العملاق الذي يزيد طول ماسورته علي المائة متر، وتستطيع قذائفه أن تصل إلي أهداف تبعد مئات الكيلومترات‏..‏ وبعد شهور قليلة من هذا التصريح، الذي أدلي به صدام بشكل مفاجئ دون أي مناسبة، غزت جيوش صدام دولة الكويت‏، واتضح لمن يربطون بين الأحداث أن الهدف من هذا التصريح، كان حشد الرأي العام العربي وكسب تأييد الشارع العربي عندما يغزو الكويت،‏ وتخويف الدول الأخرى من قوته العسكرية حتي لا تعترض سبيله عندما يقدم علي مغامرته الطائشة في الكويت‏ .

من المعروف أن نظام صدام حسين كان يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية، قامت الولايات المتحدة والدول الغربية بمده بتلك الأسلحة أثناء الثورة الإيرانية، وقام باستخدام تلك الأسلحة مرتين، الأولي ضد الأكراد مما أدي إلي مقتل خمسة الاف كردي، والمرة الثانية استخدمها في حربه مع إيران، وقد قامت فرق البحث بالتخلص من مخزون المواد الكيماوية والبيولوجية، حيث أعلن "هانز بليكيس" Hans Blix رئيس فريق الأمم المتحدة للتفتيش عن الأسلحة العراقية والدكتور "محمد البرادعي" المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في ذلك الوقت بأن العراق أصبح خالياً من أسلحة الدمار الشامل، ورغم هذا الإعلان الرسمي إن الإدارة الأمريكية تلاعبت بالأوراق الرسمية وقامت بتوجيه الاتهامات للنظام العراقي بشراء اليورانيوم من دولة النيجر.

أصدرت الحكومة البريطانية وثيقة تتهم فيها الحكومة العراقية بامتلاك أسلحة دمار شامل، وكانت الوثيقة فيها دلالات علي أن نظام صدام حسين مازال مصراً علي امتلاك أسلحة الدمار الشامل، ويعطيها الأولوية الكبرى والعراق مازال مستمراً في تطوير الأسلحة النووية، وادعي أن العراق قام بشراء اليورانيوم من النيجر وزيف الوثائق الخاصة بذلك، وأن العراق تمتلك صواريخ قادرة علي الوصول إلي إسرائيل وتركيا .

ورغم أن العراق لم يستخدم أسلحته المفترضة في حرب تحرير الكويت، ورغم إعلانه عن تدمير مخزونه من الأسلحة المحظورة، إلا أن الجدل حيال هذه القضية لم ينته على مر السنوات التالية، فالولايات المتحدة أرادت اتخاذ قضية الأسلحة كورقة بيدها كي تستغلها وقتما تشاء في قصف العراق وتهديده والخرق المتكرر لأجوائه الوطنية، أما على الجانب العراقي فإن نظام صدام حسين لم يكن يتعاون مع لجان التفتيش ذاتها، وكان هذا استفزازياً في معظم الأحيان ...... وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم