آراء

الشعبوية السياسية فی مصر...

محمد سعد عبداللطيفتعيش الشعوب العربية والإسلامية حالة من حالات سياسية (باثولوجية) من طراز الفوضوية والعدمية .مثل حالات النازية والفاشية التي ظهرت في القرن العشرين، والآن يظهر اللاهوت السیاسي الجدید۔۔

ونتيجة الجهل، الفقر والقهر تنتشر رسالة الشعبويون للتمسح بالشعب، واطلاق اسمة من باب البركة.

عندما يتم تقديس الفوضوية وتحويل الجهل والأمثال الشعبية إلي برامج سياسية، والنعرات الثورية الجوفاء إلي أوهام للشعب ..الشعبوية أهل ثرثرة .وهم يستحلون بمفاهيمهم وحدة الشعوب التي لا تنقسم ولكن تظهر في رؤوس المثقفين. ففی الماضي القریب۔۔ كان شعبويو الأمس رافعي راية الثورة الاجتماعية وشعار لا للرأسمالية والأرجوازية تحولت بهم السبل إلي من قضي نحبه السياسي ومنهم من ينتظر، ومنهم من بدل وتنقل حسب التغيرات السياسية وراء الكراسي.

وهناك فصيل اخر من يلبسون مركبات سياسية من لباس الاسلام، يرددون ما فعل أسلافهم اليساريون من كيل المديح للشعب والظن بسلامة نظرتة ويسر هدايتة من غزوة الصناديق إلي جمعة قندهار.

التحريض والتجييش ليغيروا بذلك انتاج مأزق السياسة نفسه حقاً مسكين هذا الشعب .

كان الله في عون هذا الشعب، مع هذا الحب القاتل .من الشعبوية السياسية.

 مثلت اللحظة التأسيسية لمرحلة ما بعد الاخوان المسلمين وتكوين تحالفات 30 يونيو صيغة شمولية لعلاقة الدولة بالمواطنين، متبنية خطابًا سلطويًا تحتكر فيه السلطة التمثيل السياسى والمجتمعى الوحيد للمواطنين، واستخدمت في ذلك شعارات ومعاني مرتبطة بالخيال الجمعي، وعلى رأسها شعارات الإنقاذ من الحرب الإهلية، والتخلي عن الوصاية الأجنبية، والحرب على الإرهاب. وقد مهدت هذه اللحظة لنظام يضع السياسات الأمنية والعسكرية على رأس أولويات السلطة الحاكمة، ويروج لخطاب الإجماع والاصطفاف الوطني وتخوين أي معارض ينشق عن هذا الشعار. وتقید حریة الرآي الأخر وأغلاق المجال العام وسیاسة التخوین۔ لذلك کان ظهور بضع فیدیوهات شعبویة من مقاول فنان ۔۔حدث ارتباك فی المشهد السیاسي ۔وفی غیاب معارضة وطنیة وأحزاب لها نشاط فی الشارع ۔ تکون البدیل المتجدد فی حالة انتقال السلطة وعدم وجود زعامة وکریزما تقود العمل السیاسي یکون البدیل ۔هی السلطة الحالیة خوفا من الانفلات الأمني ۔۔لذلك  فشلت القوي الثوریةوالمدنیة فی تآسس نظام مدنی قاٸم علی التعددیة والمواطنة ۔وحقوق الأنسان وعجزت کل القوي عن مطالب الجماهیر، فصدر قرار بإنشاء وزارة العدالة الانتقالیة وزیر بلا وزارة للإستخفاف بالعقول والأکتفاء بشعارات عیش، حریة، وعدالة اجتماعیة۔۔

اثناء الثورة عام 2011م عجزت عن تكوين تنظيمات سياسية قوية، واستبدلت روح المبادرة بردود الأفعال، مما جعلهم مجرد أداة فى المباراة الصفرية ما بين الحركات الإسلامية والمؤسسة العسكرية متمثلة فى كيان الدولة. وفى لحظة 30 يونيو تحديدًا، لجأت القوى المدنية (جبهة الإنقاذ) إلى تحكيم المؤسسة العسكرية والتحالف مع الدولة العميقة، من أجل حسم المعركة لصالحها، فى محاولة منهم لإستعادة الدولة من جماعة (الإخوان المسلمين) وليس من أجل إصلاح النظام السياسى، فلم تختر أغلبية القوى المدنية أو لم تكن هناك فرصة لإختيار مسار سياسى ملائم للإصلاح كالانتخابات المبكرة أو الاستفتاء على وجود السلطة الحاكمة. ۔۔

تزامنت هذه التحركات مع صعود فكر شعبوي وسلطوى عالمى، فى الولايات المتحدة الإمريكية ودول الاتحاد الأوروبي؛ مما أعطى فرصة لتقوية موقف السلطة المصرية فى مرحلة ما بعد الإخوان. فلم يكن يتصور أن يكون موقف السلطة الحالية بهذه القوة لولا سياق النظام الدولى الذى ساعدها على الاستمرار، فصعود ترامب لرئاسة البيت الأبيض كان فرصة جوهرية لجميع النظم التى لا تؤمن بالديمقراطية وبحقوق الإنسان، بإعتبار أن ترامب يرى أن مثل هذه القيم ليست على رأس أولوياته، وذلك على عكس سياسات بوش وأوباما، الذين رأوا أن التحول الديمقراطى لابد أن يكون على رأس أجندة المجتمع الدولى، وأتخذوا خطوات جادة لتحقيق ذلك.

 رفض (أوباما) كافة الترتيبيات التى حدثت بعد 3 يوليو 2013، وأوقف شحنات السلاح المتفق عليها مسبقًا مع السلطات المصرية، كما عطل المعونة العسكرية السنوية للقوات المسلحة المصرية، فى محاولة منه لفرض عقوبات على النظام السياسى وتقويضه دوليًا. وهذا ما تراجعت عنه كليًا الادارة الجديدة فى (عهد ترامب.) وبالتوازي مع ذلك، تحفظت العديد من الحكومات الأوروبية على خارطة الطريق التى أعلنت فى بيان 3 يوليو 2013، والأحداث الدامية التى تلته، إلا انها وضعت الأولوية لتحقيق الاستقرار الأمني والعسكري فى البلاد، خاصة فى ظل العمليات الإرهابية التى شهدتها مصر وبعض دول المنطقة والعالم، بالإضافة إلى وجود أدراك عام بأن التجربة السياسية بعد وصول جماعة الاخوان المسلمين إلى الحكم فى مصر، أثبتت أن التيار الإسلامى غير قابل للدمج في إطار نظام سياسي ديمقراطي. وأنة قاٸم علی جماعة فقط ۔۔

استخدمت السلطة وأجهزتها الإعلامية خطابا ترهيبيا، معتمدة فيه على المقارنة بالأوضاع فى سوريا والیمن والعراق وليبيا، الامر الذي كان له الأثر الكبير على قطاعات واسعة من المجتمع المصرى بقبول الوضع الراهن،

لم تكن الدولة المصرية بمعزل عن الموجة الشعبوية، التى يشهدها العالم مؤخرًا، ورغم أن الشعبوية كسلوك فى الحكم ومنطوق الخطاب له سمات معينة فى الدول الغربية وفقًا للسياق التى ظهرت فيه، مثل وجود أطروحة العدو الخارجي والصراع الوجودى بين أهل الخير وأهل الشر، وغياب البرامج المحددة، وسيادة الخطاب العاطفي بدل العقلاني، والادعاء الدائم بأن الحكم للشعب، والترويج للزعيم المنقذ، وكراهية النظم والنخب التقليدية؛ إلا أن الشعبوية الجديدة فى مصر لها ملامح مختلفة تبعًا للسياق الذي ظهرت فيه

في حين اهتمت الحكومات الرأسمالية بإعلاء قيم الليبرالية الاقتصادية وحرية التجارة والعولمة وحقوق المهاجرين والانسان بشكل عام، ظهرت في المجتمعات الغربية حركات شعبوية احتجاجًا على هذه السياسات التي أدت إلى تفاقم المشكلات ونجاح الیمین المتطرف فی الأنتخابات فی بعض البلدان الأوروبیة ۔۔وکان فوز ترامب مرحلة جدیدة من ظهور شعبویة تسود الان العالم ۔۔۔

 

محمد سعد عبد اللطیف

باحث فی الجغرافیا السیاسیة

رٸیس القسم السیاسي نیوز العربیة

 

في المثقف اليوم