آراء

حركة أوتبور ودورها في إسقاط الأنظمة الموالية للشيوعية في أوربا الشرقية

محمود محمد عليعقب سقوط الأتحاد السوفيتي في 1991 ، أسندت الإدارة الأمريكية لسيرجيو بوبوفيتش Srda popovic وسلوبودان، واللذين يشرفان علي معهد "كانفاس" Canvasلتدريس طرق النضال السلمي إلي تأسيس حركة أوتبور في صربيا، وهي حركة قام بها بعض شباب صربيا، حيث تستعمل طريقة الكفاح العنيف كاستراتيجية له، وقد تكونت هذه الحركة في العاشر من أكتوبر عام 1998، رداً على قوانين رادعة حول الجامعات وحول الإعلام، كانت "الحكومة الصربية قد شرعتها خلال تلك السنة. كان رئيس الحكومة آنذاك هو " ميلوسيفيتش" Milosevic، وفي البداية، اقتصرت نشاطات الحركة على جامعة بلجراد مباشرة بعد هجوم الناتو الجوي على يوغسلافيا السابقة سنة 1999 خلال حرب كوسوفو".

بدأت حركة أوتبور حملتها السياسية ضد الرئيس اليوغسلافي" ميلوسيفيتش"، فنتج عن ذلك قمع بوليسي على مستوى الوطن كله ضد نشطاء الحركة، فاعتقل ما يزيد عن ألفي شخص ضرب بعض منهم، خلال "حملة الانتخابات الرئاسية في سبتمبر عام 2000، رفعت الحركة شعارات منها ما مفاده "لقد انتهى"، ومنها ما مفاده "لقد حان الوقت"، ورفعوا شارتهم الشهيرة التي على هيئة الكف المضمومة ، مما زاد من الاستياء العام من ميلوسيفيتش مما قد يكون قد أدى إلى انهزامه ".

وهنا قررت الحركة إسقاط نظام "ميلوسوفيتش" المعادي للهيمنة الأوروبية والأمريكية ، حيث قامت هذه الحركة بالتعاون مع الإعلام الغربي بشن حملة إعلامية هائلة ومليئة بالأكاذيب عن "ميلوسوفيتش"، وأثارت ضده الرأي العام في صربيا، وفي حين كان الناتو يقصف صربيا محاولاً إسقاط ميلوسوفيتش عسكرياً، كانت حركة "أوتبور" تحشد الناس، وتستعد لاجتياح الشارع ، بعد أن فشلت حملة الناتو العسكرية .

وفي 5 أكتوبر 2000 نجحت أوتبور بتنظيم مظاهرة كبيرة أمام قصر ميلوسوفيتش، حيث أعلنوا فيها ثلاثة مطالب رئيسية: إزاحة الطاغية - مجانية التعليم - استقلال الصحافة والإعلام ونجحوا في توظيف حالة الاستياء والغضب الشعبي الحاصل تجاه ميلوسوفيتش ونظامه، وقاموا بعمل اعتصامات نجحت في الضغط على نظام ميلوسوفيتش،" فأعلن تنحيه استجابة لطلبات شعبه. وقد جاء تنحي ميلوسوفيتش مفاجأة لأوتبور، فقد كانت ماكينتهم الإعلامية تزوّر مختلف أنواع الأكاذيب عنه، وقد لفقوا له تهمة تنظيم مذابح جماعية، وتهمة إطلاق النار على المواطنين، إضافة إلى تهم ارتكاب جرائم حرب مختلفة وتهم تدمير البنية التحتية لبلده، وتهم أخرى. لم يتوقع الاوتبوريون استسلام "ميلوسوفيتش" بسهولة رغم أنه يعرف أنه مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية" .

بعد تنحيه ذهب ميلوسوفيتش إلى منزله، "فطارده الاوتبوريون واعتقلوه ثم سلموه لمحكمة الجنايات الدولية، واستغرقت محاكمته عدة سنوات لم تتم إدانته خلالها بأية تهمة، وقد رفض تعيين محام للدفاع ودافع عن نفسه بنفسه، وانتهت المحاكمة بموته بنوبة قلبية في سجن المحكمة" .

وأصبحت أوتبور رمزاً أساسياً من رموز الكفاح المناهض، وخلال الشهور التي تلت سقوط ميلوسيفيتش في الخامس من أكتوبر، أصبح أعضاء أوتبور بصفة مفاجئة أبطالاً في صربيا كلها كما في أعين الحكومات الغربية، "وأصبح اللوجو الخاص بهم منتشراً في كل مكان وعلى ملابس الناس والمشاهير والشخصيات العامة" .

وبعد إسقاط ميلوسوفيتش أنشأ الأوتبوريون حزباً سياسياً، ودخلوا الانتخابات العامة بقائمة من 250 مرشحاً، ولم يتمكن أي من مرشحيهم من النجاح وبقيت الحركة بدون تمثيل برلماني. وفي عام 2004 تعرضت قيادة حزبهم لفضيحة كبيرة بسبب اتهامات بالرشوة وتقاضي الأموال من جهات خارجية، وفي نهاية العام اندمجوا مع حزب آخر، وانتهى نشاطهم السياسي في صربيا.

في نوفمبر 2000 وبعد نجاح تنحي ميلوسوفيتش، نشرت مجلة "نيويورك تايمز" The New York Times تحقيقاً للصحفي روجر كوهن حول اوتبور، وفي هذا التحقيق صرح بول مكارتي مدير منظمة المنح الديمقراطية الأمريكية أن منظمته قدمت لأوتبور 3 مليون دولار بين عامي 1998 و 2000. وأقر مكارتي أنه التقى قادة الحركة عدة مرات. الجدير بالذكر أن منظمة المنح الديمقراطية تأسست عام 1989 وتتخصص بتمويل مشاريع الفوضى الخلاقة حول العالم.

في عام 2003 أسس قائدا أوتبور (سلوبودان جينوفيتش وسيرغي بوبوفيتش) معهد كانفاس للتدريب على تطبيقات النضال اللاعنفي. يزعم المعهد أنه" لا يتلقى تمويلاً أجنبياً، ولكنه يقر بتدريب آلاف الناشطين حول العالم، وقد صرح بوبوفيتش في فيلم وثائقي أنهم يتعاملون مع ناشطين في 30 دولة حول العالم. هذا المعهد هو حاليا واجهة التنظيم الأوتبوري العالمي" .

رغم أن قادة أوتبور يزعمون أنهم لا يقبلون أي دعم من أية حكومة في العالم، فقد حصلوا في عام 2006 على منحة من المعهد الأمريكي للحرية، وهو مؤسسة تابعة للكونجرس الأمريكي، لإعادة إنتاج المنهاج المعتمد في إسقاط الأنظمة مع التركيز على الشعوب والثقافة الإسلامية، ولديهم "منهاج تدريبي لإسقاط الأنظمة باللغة العربية. ويحصل قادة أوتبور على الدعم الأمريكي بشكل غير مباشر عبر تمويل دراسة الناشطين في معهدهم، وقد مولت مؤسسات أمريكية وأوروبية متعددة دراسة عدد كبير من الناشطين التونسيين والمصريين في المعهد، ولم يعرف بعد من هم الناشطون السوريون الذين درسوا فيه ومن الذي دفع كلفة سفرهم ودراستهم" .

وفي نفس المحاضرة التي ألقاها في هارفارد، "أقسم بوبوفيتش أنهم ليسوا على أية علاقة مع منظمة "احتلوا وول ستريت" التي تقود النضال السلمي ضد الإمبريالية داخل أمريكا، ورغم ذلك فقد ألقى أحد قادة أوتبور (إيفان ماروفيتش) كلمة في أحد نشاطات منظمة احتلوا وول ستريت، واتهم لاحقا أنه كان مندسا من قبل وكالة المخابرات الأمريكية للتشويش على الاحتجاجات الأمريكية " .

 

د. محمود محمد علي

عضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم