آراء

باراك أوباما ونظرية تطويع الإسلام السياسي (1)

محمود محمد عليمثلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، دافعاً قويا للإدارة الأمريكية من أجل إعادة تقييم سياسات ومشروعات الأمن القومي الأمريكي، وقد تم تخصيص موارد كثيرة من أجل توفير الحماية للأراضي الأمريكية ومواطنيها من أية تهديد إرهابي. وهو ما أسفر عن زيادة مخصصات الجيش الأمريكي وأجهزة الاستخبارات الأمريكية فضلاً عن تدشين وزارة للأمن الوطني. واتسعت برامج مكافحة الإرهاب لتشمل ليس فقط محاكمة ومقاضاة المتورطين في الأنشطة الإرهابية، وإنما أيضا التعاطي مع المصادر الحقيقية والبعيدة للإرهاب.

ومن هنا بدأت مراكز الفكر والرأي الأمريكية عقب ﺃﺣﺪﺍﺙ الحادي عشر من سبتمبر / أيلول ٢٠٠١ تولي اهتماما كبيراً لدراسة الحركات الإسلامية داخل العالم الإسلامي وخارجه، أي بعد أن وصلت تهديداتها  للأراضي ﺍﻷﻣﺮيكية وعديد من الدول الأوربية، بل والإسلامية ذاتها، فتنوعت وتعددت الكتابات والدراسات والبرامج البحثية المهتمة بدراسة "الإسلام السياسي".

ويمكننا أن نعرف رؤية الولايات المتحدة من خلال أحد أهم مفكريها "فرنسيس فوكوياما" صاحب كتاب التاريخ"، والذي ارتكز علي أن الولايات المتحدة تعمل علي فرض قيمها علي العالم، حتى تصبح هي نمطاً ومرجعية للعالم كله، وأن حرب الولايات المتحدة القادمة مع الأصوليين الإسلاميين، وليس مع المين الإسلاميين ، ويقول فوكوياما إن منع الأصولية الإسلامية من الانتشار في العالم الإسلامي، وإيقاف مدها ومحاصرتها، هو الطريق إلي مقولته " أن التحدي الذي يواجه أمريكا اليوم هو أكثر من مجرد معركة مع مجموعة صغيرة من الارهابيين، فبحر الفاشية الذي يسبح فيه الارهابيون الإسلاميون يشكل تحديا أيديولوجيا يكون أكثر أساسية الخطر الذي شكلته الشيوعية، وأن علي العالم الإسلامي أن يعلن خضوعه للولايات المتحدة الأمريكية من خلال توافقه مع الحضارة، والعلمانية، والحداثة، وقبول التسامح الديني، ويأتى ذلك من خلال تحديث الإسلام، أو بناء مجتمع إسلامي ليبرالي، وأنه يجب على المسلمين المتهمين بصبغة إسلامية أكثر ليبرالية أن يتوقفوا على لوم الغرب، وأن يتحركوا لعزل المتطرفين الإسلاميين من بينهم.

ويلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية عملت بعد أحداث 11 سبتمبر على بناء إسلام مدني ديمقراطي حديث يقود لعلمنة  الإسلام عبر التركيز على حرب الأفكار والعقول الإسلامية الأمريكية، سواء العقول الإسلامية المتشددة، أو العقول الإسلامية المعتدلة  .

ومن هنا نلاحظ وفق التقرير الصادر في العام 2004 عن مؤسسة راند الخيرية الأمريكية بعنوان " الإسلام المدني الديمقراطي الشركاء، والموارد، والاستراتيجيات، أن الإسلام المدني أي العلماني هو معبر عن الإسلام الحديث العصري الليبرالي المعتدل، وأكد التقرير أن الاتجاهات الفكرية الإسلامية تقسم إلي ثلاثة أقسام : الأصوليون " هم الذين يرفضون القيم الغربية والديمقراطية، ويسعون لمقاومة الحداثة ومقاومة الغرب "، والحداثيون " هم الذين يرون أن الطريق الصحيح تكمن في السير وراء القطار الأمريكي أملاً يسعون إليه، وهؤلاء هم الليبراليون الجدد "، والعلمانيون " هم الذين يؤمنون بفصل الدين عن الدولة "، ويستكمل التقرير أن استراتيجية أمريكا تعمل على دعم الإسلام المعتدل، وإلي تعميق الخلاف بين الإسلام الأصولي والإسلام المعتدل".

وعندما جاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 2009 بعد مرور سنوات سبع عِـجاف، أمسك فيها صقور المحافظين الجُـدد بمقاليد إدارة الرئيس بوش، وخاصة في أعقاب هجمات سبتمبر 2001، التي استغلّـوها لتبرير الحروب الاستباقية والانفراد الأمريكي بالقرار، وأدّت إلى تدهْـور صورة الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي، حدث تغييرا جذريا في استراتيجية الرئيس أوباما منذ توليه مقاليد الحكم إزاء الحركات الإسلامية في العالم العربي، فقد أدركت أن تلك الحركات لا تمثل فصيل واحد، بالتالي ليس جميعها متبنيا للعنف ومعاديا للولايات المتحدة، فالكثير من تلك الحركات، مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس لم تنخرط في تنفيذ هجمات ضد أهداف أمريكية وغربية ـ ومساواة تلك الحركات بتنظيم القاعدة يعزز من فرضية أن الولايات المتحدة مستهدفة من العالم الإسلامي على المدي الطويل، وتلك الرؤية غير صحيحة سوف تجمع الأعداء المحتملين ضد الولايات المتحدة، وتزيد من احتمالات ومخاطر تهدد مصالحها.

علاوة على أنه إذا أجريت انتخابات حرة ونزيهة داخل الدول الإسلامية فإنه لا يمكن إنكار تحقيق الحركات الإسلامية المعتدلة والرافضة للعنف مكاسب سياسية تصل إلى تحقيق الأغلبية في البرلمانات الإسلامية، أو على الأقل تمكنها من ان تكون معارضة قوية لها دور في تشكيل الأجندة السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وذلك نظرا لما تمتع به من شعبية داخل الشارع السياسي.

ومن هذا المنطلق سعت إدارة أوباما للتعاطي مع الجماعات الإسلامية في محاولة لتهميش الفكر الإسلامي المتطرف المنطقة لتطبيق إصلاحات ديمقراطية تسمح للأحزاب الإسلامية بالمشاركة في الحياة السياسية متى نبذت العنف، كوسيلة لاحتواء المعارضة الإسلامية. على أمل أن تؤدي هذه السياسات في المحصلة الى تراجع الأعمال الإرهابية ضد الغرب. وللحديث بقية!!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم