آراء

أمريكا والصين فى المواجهة

عبد السلام فاروقالناس تتساءل: كيف استطاعت الصين التغلب على وباء كورونا فى هذا الزمن القياسي؟ وقد حققت نسبة شفاء اقتربت من 95% من الحالات التى لم تعد تزيد!

الرد السهل أن الصين لديها علاج سري أو لقاح خفى، تحقنه فى أوردة مرضاها دون علمهم، فيشفَون بسرعة وهم يظنون أن العرقسوس والإفيدرا هما السبب!

والرد الأصعب قليلاً هو أن الصين لديها نظام صحى متطور بدليل أنها استطاعت بناء مستشفى سعة 1000 سرير فى خمسة أيام!

أما الحقيقة فكانت أشد تعقيداً وغرابة من كل هذا.. مما جاء فى شبكة التليفزيون الصينى الدولية، وقدّم له أحد الأطباء.. كلام عن الطريقة الصينية فى التعامل مع الأزمات والكوارث له العجب..

الحقيقة الأولى هنا: أن شوارع الصين ومتاجرها تنتشر بها أكثر من 200 مليون كاميرا، وأن المعلومات والصور التى تتوارد على تلك الشبكة الهائلة من الكاميرات تتدفق بالدقيقة والساعة على كومبيوتر مركزى، أو ما يُدعَى big data center .

الحقيقة الثانية: هى أن المواطنين فى الصين لهم أكواد، وحينما حدث استشراء للوباء تم تفعيل تلك الأكواد وتصنيف الناس على أساسها، بحيث أن المواطن المميز بالكود الأحمر هو شخص مصاب ينبغى عزله، والأصفر معرض للإصابة، والأخضر سليم. بهذه الطريقة وبمتابعة الكاميرات المنتشرة، بالإضافة لعناصر الشرطة، يمكن بسهولة التعرف على مسارات المواطنين فى منطقة ما.

الحقيقة الثالثة هى أن السلطات الصينية تستعين بتكنولوجيا الروبوت، والغرض منها تقليل الاحتكاك بين البشر، حتى أن رجال الشرطة وعناصر الفرق الطبية تستعين بأجهزة قياس حرارة يتم توجيهها عن بُعد.

إن عناصر الشرطة أنفسهم مزوّدون بخوذات ذكية بها أجهزة مُدمجة لقياس حرارة المتعاملين معهم على بُعد 5 أمتار، وبالخوذة كاميرا صغيرة مزودة بمعالج بيانات كمبيوترى، وكلاهما متصل بالشبكة الأم .

أما البيانات التى يتم جمعها فى الذاكرة العملاقة، يتم تحليلها وتصنيفها وفقاً لبرامج وتطبيقات تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعى لمعالجة البيانات..

والغرض النهائى من تلك المنظومة الرقمية تحقيق سرعة الوصول للأشخاص المشتبهين أو المصابين للتعامل معهم، مع التأكد التام من عدم وجود تسرب أو تسلل لأشخاص مصابين خارج دائرة العزل .

أمريكا .. كيف هى الآن؟

بالمقارنة بين النموذجين الصينى والأمريكي .. اتضح أن ما نراه من نموذج السوبرمان الأمريكى مجرد وهم سينمائى وخدعة تجميلية أثبت الواقع زيفها..

ففى غضون أسابيع قليلة تم استنزاف احتياطى القطاع الصحى الأمريكى من المعدات والمستلزمات الطبية حتى ارتدَت الممرضات أزياء عازلة مصنوعة من أكياس القمامة! وتعرض الكثيرون من أفراد الشرطة وأفراد القطاع الصحى لإصابات بالعشرات، وسادت الفوضَى، واضطر ترامب للاستنجاد ببضائع الصين، وتشجيع الأطباء والممرضات من أى مكان بالعالم للقدوم إلى أمريكا أرض الفرص، وعندما تأزمت الأوضاع أكثر أعلن أن الأولوية للاقتصاد لا للبشر، وأن أمريكا فوق الجميع!

الاختبار الكبير وضع أمريكا فى مواجهة ومقارنة اضطرارية مع الصين، والعالم يراقب، وأمريكا نفسها تعرف أن المستقبل لم يعد يفتح لها ذراعيه بنفس الحماس!

أمريكا الآن فى أزمة حقيقية، وكل ما يحاول ترامب الآن فعله،  طبقاً لتصريحاته، تجاوز أزمة اقتصادية تلوح فى الأفق، بحيث لا تصبح تداعياتها بعيدة المدَى.

الحرب التجارية .. مَن يربحها؟

تتحكم أمريكا فى حركة التجارة العالمية، وتفرض قيودها وقوانينها على الجميع..

الاستثناء الوحيد كان الصين . القوة الصاعدة بإصرار وثبات دون اكتراث بالقيود الأمريكية التى تحافظ لأمريكا على موقعها المتصدر.

أمريكا لم يعجبها أن تتحالف الصين مع دول الجوار، ولا أنها أنهت مشاكلها الحدودية لتتفرغ للاقتصاد، ولا أنها اقتحمت العمق الأفريقي لتنشئ مشروعات فى مختلف بلدان الشرق والوسط الأفريقي كالسودان وزيمبابوى وكوت دى فوار وغانا ونيجيريا والكونجو . ولا أنها صارت أكبر ثانى الدول إنفاقاً على صناعة السلاح  وتطوير قوتها الدفاعية . لهذا، وبدلاً من أن تمد يدها للصين ولو دبلوماسياً، أعلنت أمريكا الحرب التجارية ضدها لكبح هذا الصعود الذى يهدد عرشها الكونى.

روسيا بالأمس أكدت أن الوباء هو صناعة أمريكية فى إطار تلك الحرب التجارية نفسها، بدليل شماتة أمريكا وسعادتها بما حدث فى الصين فى بداية الأزمة، قبيل انتشاره فى أوروبا والغرب، ومسارعة أمريكا فى حث الشركات متعددة الجنسيات على الانسحاب من البورصة الصينية، وغلق مقراتها فى الصين . كأن أمريكا وجدت، أو أوجدت، الفرصة السانحة للقضاء على الصعود الصينى.

ما حدث تالياً لم يكن على هوَى أمريكا، بل كان تبدلاً للمشهد الذى استدار بزاوية 180 درجة ضد أمريكا ولصالح الصين!

الصين تحكمت سريعاً فى الوباء خلال النصف الأول من شهر مارس، وهو التوقيت الذى بدأت فيه الجائحة تكشر عن أنيابها فى الولايات المتحدة بحيث باتت أمريكا رقم واحد من حيث الإصابات خلال أسابيع ثلاثة فقط!

الغريب فى الأمر أن يتحول الانهيار السريع للبورصة فى الصين إلى أكبر فرصة لها لتحقيق أهدافها . فطبقاً لمراقبين، أن انهيار أسعار الأسهم للشركات الأمريكية الكبري العاملة فى الصين، دفعها لبيع تلك الأسهم بأسعار زهيدة، حيث اشترتها الحكومة ليغدو تحكمها في تلك الشركات كاملاً . إنه نوع من التأميم الذى لم تبذل فيه الصين ضغوطاً لإجبار الشركات الأمريكية عليه، بل حدث بكامل إرادة تلك الشركات التى تسرعت وباعت أسهمها!

المعروف أن أمريكا لها ديون داخلية كبري فى صورة سندات حكومية . فمن تتصورون المالك الأكبر لهذه الديون، والمشترى الأول لها.. إنها الصين.

الآن .. الصين تعيد بناء ما أفسده الوباء، وقد خرجت رابحة فى معركة البورصة، وبضائعها التجارية باتت هى المطلوب الأول لدى سائر الأسواق العالمية، حتى أن دول العالم المتقدم تستولى على هذه البضائع فى البحر بطريقة القرصنة، ومن تلك الدول أمريكا نفسها ! فمن الذى ربح الحرب التجارية ؟

لولا الأمل لانفطر الفؤاد

وسط تيارات الأخبار المرعبة والحزينة والمؤلمة، صفحات من أخبار تبث الأمل فى مستقبل أفضل تنتهى فيه الحروب والصراعات وينجلى فيه الوباء وتعود الحياة أفضل وأنظف وأنصع مما سبق .

هذا ما تعمَّدت صحيفة ذا صن البريطانية أن تبثه لتُخرج الناس من همومهم ومخاوفهم، فدفعتهم للحديث عن مستقبلهم فى العمل .. فتحدث البعض عن تقليل ساعات العمل، وآخرين عن استمرارية فكرة العمل من المنزل، وآخرين عن فكرة الاستغناء عن السيارات حرصاً على توفير هواء نظيف ..

كانت تلك طريقتهم فى دفع الخوف والحزن والملل .. بثنائية الأمل والعمل.

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم