آراء

القوميون الأكراد ولإندماج مع الشعوب المحيطة

علي ثوينياليوم كان عيد العمال 1آيار حيث أحتفل اليسسار والشيوعيون العراقيون، لكنهم تناسوا أن صديقهم القومي الكردي قد قام بنحرهم في مثل هذا اليوم عام 1983. فقد قام جلال طلباني وجماعته ومن رفاقه شيروان مصطفى بقتل حوالي 300 شيوعي في منطقة باشتيشان بشمال العرب، وجلهم يحملون شهادات دراسية عليا وتأهلوا معرفيا في أوربا الشرقية، بعد أن دعوهم للإحتفال بهذا اليوم، لكنه طلباني ورفاقه الأكراد كانوا متفاهمين مع صدام حسين لنحرهم كما (كماشة الإنكشارية)، فعزل الأكراد عن العرب وأطلق سراحهم، وقتل العرب منهم فقط. وهي جريمة إبادة وتطهير عرقي كونها جاءت بفرز عنصري محض، وحري التذكير بأن من مارس العنصرية ليس العراقيين ضد الأكراد الشاكين المتباكين، بل الأكراد ضد العراقيين.

لم نطلع على شجون الفكر القومي الكردي إلا في المهاجر. واستغربنا في أواسط السبعينات، بشكواهم من البعثيين رغم علمنا أنهم في وئام وإنسجام وتفاهم تام. ربما الوحيدين الذين كان لهم منزلة إستثنائية عن البعثيين، بل عدوا مدللي العراق في حينها، بل أن الطلاب الأكراد معنا كانوا من أكثر الطلاب ثراءا وبذخا. فقد شكل الأكراد والبعثيين تحالف تقوده المخابرات الأمريكية لإسقاط سلطة عبدالكريم قاسم في 8 شباط/فبراير 1963.، وكان مصطفى البرزاني قد اشترط أن تكون حصتهم من الإنقلاب حكم ذاتي كما المشيخة، متعددة الصفات فهي عرقية عنصرية كردية، وإقطاعي كون البرزاني (آغا)، يملك الأرض والناس معا، وملائية دينية كون البرزاني كان يدعى (ملا)، ويسارية كون حزب البرزاني (الديمقراطي الكردستاني) الذي الفته المخابرات السوفيتيه عام 1946 بنفس شيوعي يتبع (الكومنترن) ويسير عن بعد من تلك المخابرات. اي أن برزاني تقلب أو جمع العمل للمخابرات الروسية والأمريكية والإيرانية والإسرائيلية والمصرية (الناصرية) على حد سواء، بما يدلل على "أخلاقياته"، التي كان صلبها الإضرار بالعراق بما أوتي من قوة وعلاقات وإنصياع الرعاع له . فلم يكن يوما مثل أتباعه أي عرفان للعراق الذي أواهم يوما من تيه وتشرد ودخالة. ولاسيما بعد أن أعيد من المنفى عام 1958، لكن لا على القوميين الأكراد عهود وإلتزامات سابقا أو اليوم.

ومع عدم إنسجام تلك الخلطة لكنها كانت شرط فرضته المخابرات الأمريكية على البعثيين فحقق لهم (الحكم الذاتي) في 11 آذار 1970، وهو موعد مبكر في سلطة البعث التي أسقطا الأمريكان الذين أوصلوهم عام 2003.ومن الطريف الشكوى لحالية من (ظلم) صدام والبعثيين لهم رغم أنهم من أطلق على صدام كنية (مهندس الحكم الذاتي) مثلما أطلق رفاقهم الشيوعيين عليه (كاسترو العراق)، لكن اليوم أصبح في نظرهم طاغية ومجرم، رغم أن مرتبات البيشمركة كانت تصلهم من بغداد حتى 9 نيسان 2003. اي أنهم كانوا على إنسجام ووئام مع البعثيين .

ومن المضحك أن القوميين الأكراد يطالبون بدية "من أثر رجعي" ويشترطون أن تهبهم سلطة بغداد غرامة قدرها 380 مليار دولار، مقابل ظلم البعثيين لهم"هكذا"!.والكل يعرف قصة التآمر المشترك بينهما. لم يكتفي البرزاني الأب من سخاء البعثيين التابعين لأوامر المخابرات الأمريكية والفرنسية، بعدما بدا يطالب بمزيد من الأرض والمال، والأهم بكركوك ونفطها التي مكثت محمية بريطانية \فرنسية .وهكذا أعلن العصيان ثانية حتى سقط عام 1975 بعد أن أمده شاه إيران وسند إسرائيلي بأسباب العصيان وغلبته، حتى هدد بغداد بالإحتلال، وكان يطمح حكمها تابعا لشاه إيران. ولكن سقوط برزاني كان ثمنه حصول الشاه على نصف شط العرب، بعدما تنازل عنها صدام حسين ضمن إتفاقية الجزائر 1975 .وحسبنا أن مقتل مليون عراقي في حرب (صدام/خميني) هي من أثر مؤامرة برزاني على العراق .

كان لي فرصة أن التقي بقوميين أكراد بعيد ذلك مباشرة، وهم مبتأسين كون برزاني تركهم لمصيرهم وهرب لأمريكا وقد مات هناك بعد ثلاث أعوام.لكن مارصدت لدى القوم تعصب ليس لعنصرهم الكردي، بل كراهية مطلقة لكل الشعوب المحيطة بالأكراد.علما أن ثلاثة أرباع الأكراد في العراق أكتسبوا الجنسية العراقية بالدخالة والإنتساب وليس الأصلة، فقد وردوا قبيل تأسيس الدولة العراقية 1921 من القوقاس بعد أن طردهم الروس بعد فشل حركة الشيخ شامل الشيشاني، فجاءوا لأيران ثم العراق ثم سوريا، وتحفظت سوريا على أن تهبهم الجنسية كونهم مهاجرين، على عكس العراق الذي أسبغ فضله بضمهم، لكنه عانى من مشاكلهم ومحاولاتهم الإحتواء والتوسع والإبتزاز وإستغلال الظروف والتآمر مع الأجنبي حتى اليوم.

الشعوب التي تحيط بالأكراد اليوم هم العرب والفرس والأذريين والتركمان والأتراك والأرمن والسريان والآشوريين واليزيديه.ولم أجد في كل هذا الخليط من جماعة يودها القوميون الأكراد.فكراهيتهم للعرب معلنة ولليزيديه في سنجار وربيعه في العراق وسوريا وللأتراك في تركيا، وللإيرانيين الفرس في إيران، مع عداء مستفحل ضد التركمان بالذات رغم أنهم أخذوا منهم أربيل ويطمعون بكركوك وهما منطقتان بغالبية تركمانية. وحسبي أن كل تلك الشعوب وهبت أراض لمرور أو إقامة الأكراد وعاملتهم بالحسنى، ولاسيما عرب وتركمان ويزيديه وسريان وآشورية العراق، لكنهم قسوا مع الجميع، فقد شاركوا في المذابح العثمانية ضد السريان ثم الآشوريين ومنها مذبحةالأرمن عام 1915، حيث يعرف الجميع أن جموع قطاع الطرق الأكراد كانوا يستولون على القرى الأرمنية أو السريانية أو الآشورية أو اليزيديه، فيغتصبون نسائها ويحللون بقائن لهم، ويقتلون الرجال، ويبيعون الأطفال ويمتلكون القرى، وهذا ديدن مستمر حتى اليوم، وهو ما يذكره أهل العراق وسوريا جيدا.ويعرف الجميع أن بكر صدقي الضابط الكردي فعل مافعل مع القرى الآشورية منذ حركة (مار شمعون) 1925 الذي طمح لدولة آشورية، ليس لكونه مسألة مهنية أو وطنية بل بغل الكردي الإستحواي لينكل بهم .وقد تغاضى التأريخ عن تسجيل ذلك كونه شكل جزء من سلطة .

وهنا حري أن نتمدد نحو الناحية الأجناسية (الأنثروبولوجيه) حيث نجد قليل من الأكراد الذين أحتفظوا بسمرتهم الهندية البنجابية أو البشتونية، بل طغت سمات الشعوب التي أستولوا على نسائها مثل القوقاسيين الذي جعل الأكراد شقر بينما من نساء السريان والآشوريين والأرمن بيض السحنة، بل أن الأراضي التي سميت بها عشائرهم مثل برزان وبروار وغيرها مازالت تحمل الاسماء العراقية (بر) القديمة لتلك الشعوب. والأمر عينه تلمسه عند غجر أوربا الذين لم يغتصبوا قرى، لمركزية وصرامة الدول فيها، بل سرقوا الأطفال وأمتزجت دمائهم حتى أصبحوا يشبهون أهل البلاد. لذا فإن أشكال الأكراد في العراق وسوريا لايختلفون كثيرا عن محيطهم الأجناسي، بل قليل منهم من له صفات مميزه تحتفظ بالأصول الأولى حينما قدموا من أفغانسان أو القوقاس.وهكذا فإن سماتهم لاتقرأ بتميز بل أن أعرافهم وتقاليدهم ليس بها تفرد وفرز، فكل ما لديهم إقتباس من شعوب المكان الشرقي في العراق والشام مثل الرقص والدبكة ولبس السروال الجبلي أو العمامة، بل وحتى أعيادهم مثل نوروز فهو (زكموك) السومري، و(أقيتو) البابلي/الآشوري، لكنهم أخذوه من الفرس بتلك التسمية وتعني (اليوم الجديد) وهو راس السنة العراقية. ومازلن النساء القرويات الكرديات يحتفظن بزاهي الألوان للملابس الطويلة التي جاءت من السند وأفغانستان، و كما هي ماكثة حتى اليوم عند غجر أوربا لشرقية.

ومن المعرف أن اللغات التي تشبه لغات الأكراد الباقية في الأصل هي البشتونية والدارو والبلوشيه وحتى غجر أوربا الشرقيه (سيكان)، فثمة تطابق عجيب بينها. وحسبي ان الدليل اللساني الماكث يكشف الكثير من دعاوى الأصول العرقية للأكراد، فلم يتكلم العراقيون في تأريخهم الدهري لغة سنسكريتية (هندية) منذ 5000 عام منذ الكتابة الأولي 3100 ق.م. اي أن كل ما كتب في العراق لغات سومرية وهي لاعلاقة لها باللغات الهندية، وأكدية تفرعت إلى البابلية والآشورية، ثم حلت محلهما الآرامية وهي لغة تنتمي ضمن نفس السياق اللساني الذي أنتج العربية تباعا بما يدعوه في الغرب (السامي) وهو محض مغالطه، وحسبي أنه (جزيري) أي من الجزيرة العربية. لذا فلا وجود لأي أصل ثقافي كردي على الأرض العراقية وكذلك السورية إلا خلال القرون المتأخرة. وربما تكشف نزعة التزوير التي سلكها القوميون الأكراد في إنتحال صفة الوجود القديم، سياق طبقته إسرائيل وقبلهم الأتراك في إنتحال صفة الموروث المكاني الذي حلوا به، كونهم مستجدين على الأرض ويرومون إنسابها لأجدادهم، وهو أمر مناط بالبحوث العلمية ومنها الحفرية التي تثبت دون أدنى شك ان لا وجود يوما لشعب أسمه أكراد أو تسمية (كردستان) على إمتداد التأريخ القديم والقريب في العراق.ومن المضحك أن صدام حسين أول من استعمل تسمية (كردستان) في أدبيات الدولة العراقية.ورأينا أم أسم (كورد) متأتي من المفردة القديمة (ومنها السومرية) بصيغة (گو) اي الجبل، ومن الجمع والتعريف أصبحت تعني سكان الجبال ولاتشترط أن تكون تخص عرق أو أرومه بعينها.

إن رفض الأكراد للتأثر أو الإقتباس أو التنسيق الثقافي مع لغات شقيقة مثل الفارسي يدعوا للعجب في تلك النزعة.رغم أن اللغة الفارسية أكثر ثراء من الكردية بل لايوجد وجه مقارنه بينهما، وسبب ذلك أن الفارسية ضمت في جنباتها المفردات العربية حتى وطأت حوالي 70% منها، لتصبح لغة مكتفية للتعبير عن حاجاتها، ورغم تطابقها مع لغة الأكراد من الاصل الهندي (السنسكريتي) لكنهم يصرون على العداء للثقافة الفارسية، والتركية (وهي من اللغات الألطائية التترية)، والتي تشكل العربية اليوم أكثر من 60% من تكوين مفرداتها.

لقد مكثت الثقافة الكردية عالة على محيطها، فلاهم منتمين للأرض وثقافتها التراكمية ولا يعترفوا أنهم طارئون عليها، لذا اضاعوا المنحيين، وفقدوا التعاطف، بل كرسوا حالة من القطيعة مع الجيران ستجعلهم في جزيرة ثقافية يجترون مما لديهم حتى ينتهي مخزونهم .فلم تعد عزلة الجبال كافيه لأنعزال الثقافات، فقد أخترقها الأثير ووصلتها المعلومة والتعلم من كل جانب.فالتعصب القومي العرقي وإثارة الضغائن وتأليب العداء والبغضاء ورفض الآخر حتى القريب، وجنوح نحو العدوانية و الإستيلاء على مزيد من الأرض، لابد أن يصحبه قطيعة ثقافية من أثر العداء المحيط ، يؤدي إلى الضمور ثم الفناء.

 ان شعب صغير يشكل اليوم 10% من العراقيين لايمكنه أن يصمد في متغيرات الدنيا التي سوف تسحق وجودهم وتفتت عزلتهم، وتمحي أثرهم، وما عليهم إلا أن يختاروا أما المسالمة مع محيطهم العراقي الأرحم لهم، كون الفرس والأتراك والسوريين يناصبوهم العداء ويرفضوهم، واما القطيعة، ودوام الصراعات التي سيجدون أنفسهم بحالة دفاع وحروب عبثية لاتكسبهم لاعيش كريم ولا صعود بالوعي والثقافة، وثمة خيار آخر أن يعودوا إلى من حيث أتوا من أفغانستان وباكستان والقوقاس حيث اللغات التي تطابق لغتهم والبيئة الجبلية المناسبة لسجيتهم وأشكال الناس المشابهة لهم بالتمام. وهذا ما أفضله شخصيا، بأن يريحوا ويستريحوا ويعودوا كما اي مهاجر إلى أرضه الأم ويحقق حلمه بوحدة قومية /عرقية، لسانية وثقافية.

 

د.علي ثويني

 

في المثقف اليوم