آراء

هل يستطيع صندوق النقد الدولي إنقاذ اقتصاد لبنان في ظل أزمة كورونا؟

محمود محمد عليأعلن رئيس الحكومة اللبنانية "حسان دياب" أن بلاده ستطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، لتنفيذ خطة إنقاذيه هدفها إخراج البلاد من دوامة الانهيار المالي؛ وقال دياب إن خطة حكومته الاقتصادية، تمثل خارطة طريق واضحة لإدارة المالية العامة، مضيفاً أن أهم مشكلة تواجه لبنان، هي الفساد الذي وصفه بالدولة داخل الدولة.. وفي معرض تعليقة علي حركة تجدد التظاهرات والاعتصامات في البلاد، قال إن بعض أعمال الشغب في الشارع ليست عفوية، بل منظمة وتحمل أهدافاً سياسية .. وبالتالي فالخاسر الوحيد هي لبنان الذي يتهاوي اقتصادها يوما بعد يوم.

إذن في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان، فقد خلصت الحكومة اللبنانية في نهاية المطاف إلي أن الطريقة الوحيدة التي يمكنها إعادة تعافي اقتصادها المتدهور، هو الذهاب إلي صندوق النقد الدولي فالقول المأثور الذي يقوله المحللون:" إن البلدان لا يمكن أن تفلس فذلك حدث للأسف بشكل واضح في لبنان"، هذا ما تحدثت عنه صحيفة الفاينانشال تايمز في تقرير لها .. الصحيفة سلطت الضوء لأسباب عدة دفعت لبنان في نهاية المطاف، لأن تلجأ إلي صندوق النقد، فرغم المحاولات المتعثرة في حكومة " حسان ديان "، المدعومة من مليشيات حزب الله لإنقاذ الوضع الاقتصادي، رأت الصحيفة أن حكومة "دياب بدأت" منذ فبراير الماضي الذهاب نحو اللجوء إلي صندوق النقد، وأنه لا بديل عن ذلك حتي ميلشيات حزب الله المدعومة من إيران، والتي كانت تعارض هذا الأمر، يبدو أنها أدركت بحسب تقرير الصحيفة، أن الملاذ الأخير للحكومة هو صندوق النقد الذي يمكنه مساعدة لبنان في إعادة بناء اقتصاده ..

الصحيفة رأت أيضاً أن لبنان أضاع ثلاث فرص إنقاذية سابقة بقيادة فرنسية لإنقاذ اقتصاده، التي لم تحدث علي الإطلاق، علي رأسها حزمة المنح التي تم الاتفاق عليها في المؤتمر السادس في باريس عام 2018م والبالغة 11 مليار دولار، حيث كان من المفترض أن تسرع الحكومة قبل السابع عشر من أكتوبر 2019م بإقرار الخطة الاقتصادية للحصول علي تلك المساعدات، كذلك وبحسب الصحيفة فإن حجم الخسائر الذي تراكم علي مصرف لبنان؛ حيث قدرت الحكومة أنها تبلغ 44 مليار دولار، في حين أن القطاع المصرفي الذي كان من القطاعات الرائدة في المنطقة بلغت خسائره 83 مليار دولار .. نشير إلي أن لبنان تخلف عن سداد ديونه الخارجية بـ "اليوروبوندز"، للمرة الأولي، وفي ظل كل هذه المعطيات التي ذكرتها المجلة السابقة، فقد حذرت الحكومة اللبنانية، أنه في حال فشلت خطتها الإنقاذية التي تعتمد علي صندوق النقد، سيزيد بشكل كبير من مخاطر الإنهيار التام، وبالتالي فإن لبنان يتجه نحو الكارثة..

والسؤال الآن: لماذا يتجه لبنان إلي كارثة اقتصادية؟

والإجابة ببساطة لأن الأوضاع الاقتصادية في لبنان للأسف وصلت إلي ما دون الصفر .. لبنان هنا تمثل دولة أعلنت تعثرها وعجزها عن سداد ديونها الخارجية الكثيرة في مارس الماضي، وعن عمله انخفضت قيمتها بشكل مرعب .. كان الدولار يوازي 1500 ليرة للدولار لسنوات طويلة كما أكد المفكر المبدع "سيد جيبل"، فأصبحنا في الشهور الماضية توازي 4000 ليرة للدولار .. وهذا معناه أنه حين تنخفض العملة بهذا الشكل الكبير، معناه انخفاض في قيم دخول الناس، ومعناه كذلك تضخم وارتفاع أسعار كل السلع ؛ علاوة علي البطالة المتفشية وأوضاع للأسف مزرية في لبنان لفترة طويلة .

وهناك سؤالاً آخر نطرحه وهو: كيف يتم علاج هذه الأوضاع ؟

وللإجابة علي هذا السؤال يمكن القول بأن العلاج علي المدي البعيد يتمثل في إعادة الإصلاح الاقتصادي كله بشكل جذري، بحيث أن يكون هناك إنتاج حقيقي، لكن للأسف لبنان ليست بها قطاعات انتاجية تذكر، حيث لا توجد بها صناعة، ولا زراعة، وإنما اقتصادها، يقوم علي الخدمات (سواء كان بنوك أو سياحة أو عقارات)، وهذه الأنشطة في ظل كورونا، تتبخر وتتلاشي قيمتها في ظل وجود الأزمات الحالية، والاعتصامات، والتظاهرات في الشوارع اللبنانية .. لكن حتي لو أراد اللبنانيون في يسعوا إلي إصلاح اقتصادهم، وهذا صعب في الوقت الحالي، لأنه سوف يحتاج إلي سنوات، ثم يحتاج إلي قبلة حياة ؛ أي لا بد من إصلاح الاقتصاد اللبناني، وذلك بمساعدات لكي يقف علي قدميه، ثم بعد ذلك يكون هناك حديث عن الاصلاحات الجذرية ..

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: من يقدم هذه المساعدات؟ أو حتي القروض؟

إن الذي يقدم قروض إما مؤسسات مالية، أو بنوك، أو دول مانحة تقدم مساعدات، وفي حالة لبنان لا توجد أي جهة، أو لا يمكن أن تُقدم أي جهة علي تقديم قروض إلي لبنان في هذه المرحلة، لأن لبنان متعثر عن سداد ديونه السابقة .. فقد كان هناك أملاً في أن تكون هناك دول تساعد لبنان، كما ساعدتها من قبل سواء فرنسا أو السعودية .. وهذه الدول ساعدت لبنان عدة مرات قبل ذلك في السنوات الماضية .. لكن في الوقت الحالي وفي ظل جائحة كورونا التي يعاني منها العالم، حيث العالم يمر بمرحلة ركود انكماش، وكل الدول متأثرة اقتصادياً، بسبب تبعات كورونا كما قلنا ..

علاوة علي أن دول الخليج متأثرة بشدة نتيجة تراجع أسعار النفط، وهي نفسها أضحت دول مقترضة، وبالتالي فقدرتها علي مساعدة الآخرين، أضحت صعبة في ظل الظرف الحالي، وحتي لو تمكنت من تقديم مساعدات لبنان حتي يقف علي قدميه .. إلا أنه لا يوجد حافز سياسي يدفع دول الخليج لمساعدة لبنان .. فكما نعلم من أن دول الخليج (وأخص بالذكر السعودية والإمارات)، كانت من قبل تساعد لبنان لأنها كانت تري في إنقاذ لبنان مصلحة لهم .

إلا أنه في ظل الأوضاع السياسية الأخيرة في لبنان، والتي هي باختصار شديد سيطرة حزب الله" وحلفاءه علي السلطة في لبنان، وهذه السيطرة تراها دول الخليج خطراً، لأنهم يرون أن "حزب الله" هو الداعم الأساسي لإيران، وإيران كما نعلم تمثل تهديد لمعظم دول الخليج، وبالتالي لا يوجد حافز لدي دول الخليج لمساعدة لبنان إن كانوا يستطيعون مساعدتهم.. ونفس الشئ ينطبق علي الدول الأوربية الغارقة في تبعات كورونا، وبالتالي قدرتهم وحماسهم لمساعدة لبنان محدودة جداً ..

ولهذا السبب نري أن لبنان تقع في مشكلة اقتصادية كبيرة، وهذه المشكلة هي التي أجرجت المتظاهرين في ظل كورونا إلي الشارع، لأن يرفعون شعار "لا بد من إسقاط الحكومة والرئيس وكل الرموز السياسية التي حكمت لبنان من 1990 وإلي الآن عليهم أن يرحلوا جميعاً"، وبالتالي يريدون إسقاط النظام ..

وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل يستطيع المحتجون إسقاط النظام في لبنان في ظل هذا الظرف الحالي؟

والإجابة بالمعطيات الحالية صعب جداً، حيث أنه من المعروف أن النظم السياسية تسقط في حالتين: الأولي، وهو أن يكون هناك اجماع كاسح وكبير يؤدي إلي سقوط النظام، وهذا السيناريو صعب جداً ويزداد صعبة أكثر بكثير في دولة طائفية مثل لبنان، والثاني أن يوجد عدد مقدر من الشعب وليس كل الشعب، ولكن بأعداد غفيرة تخرج لكونها ساخطة علي النظام، وتسعي إلي تغييره وتنضم إليه القوات المسلحة وتدعمها؛ أما في لبنان فالأمر مختلف جداً، حيث تجد أن معظم الطوائف الرئيسية لديها عناصر مسلحة، وهناك حزب الله الذي يمثل جيش داخل الدولة، أي جيش موازي، وبالتالي قدرة القوات المسلحة علي حسم التغيير محدودة، ولأنها لا تحتكر السلاح .. بل إن تدخلها ربما يؤدي إلي فوضي وحرب أهلية، حيث يكون الجيش ليس في مواجهة السلطة، وإنما في مواجهة مليشيات وقوي مسلحة عديدة يشتبك بعضها مع بعض ..

يبقي سؤال أخير وهو: ما هو السيناريو المطروح الآن في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان؟

والإجابة تتمثل في أنّ المرحلة الحالية تتطلب قرارات فورية وسليمة، ولا تتحمّل تحويل مجلس الوزراء اللبناني حقلاً للتجارب، وبالتالي، فإنّ المطلوب التنبه إلى أنّ عدم إحداث تحول جذري في سلوك حكومة دياب ونمط مقاربتها للورطة الراهنة، لأنه سيترتّب عليه تداعيات متدحرجة خلال الأشهر المقبلة، ومن بينها تزايد حالات الإفلاس والتعثّر المالي وتفاقم ظاهرة إقفال المؤسسات وما يرافقها من صرف للعمّال، الأمر الذي سيرفع أرقام البطالة إلى معدلات قياسية غير مسبوقة.

علاوة علي أن النموذج الاقتصادي الذي كان معتمداً في لبنان منذ 30 سنة انتهت صلاحيته، «وسياسة الطرابيش التي اعتمدوها لتأجيل الانهيار وصلت الى خواتيمها كما قال عماد مرمل، الأمر الذي أدى إلى انكشاف الدولة على الصعيد المالي وإماطة اللثام عن كل الخدع والحيل التي استخدمت لإطالة أمد كذبة «الوضع الممسوك» التي روّجوا لها طويلاً»، وذلك من التشديد على أنّ هناك حاجة ملحة الآن إلى تنويع الخيارات والخروج من النظام الريعي نحو الاقتصاد المنتج القادر على استقطاب العملة الصعبة إلى الداخل بدل الإفراط في تصديرها إلى الخارج، كما كان يحصل منذ عقود.

إن لبنان تقف أمام احتمالين الآن، فإمّا ان تُسيء الطبقة الحاكمة التقدير وتواجه الأزمة بطريقة خاطئة وعندها سيكون الثمن غالياً وستبقى نحو 10 سنوات في حالة من التخبّط وانعدام الوزن، وإمّا أن تُحسن التصرف وتتخذ القرارات والخيارات الصحيحة، وحينها ستحتاج إلي نحو 4 سنوات لتخرج بشكل متدرّج من النفق؛ ولذلك فإن هناك مجموعة قواعد وتدابير صعبة يجب التقيّد بها لتعزيز فرص النجاة، ومن بينها كما أكد بعض خبراء الاقتصاد المتخصصين في الشأن اللبناني:

1- تجميد الودائع المصرفية لبضع سنوات، مع ترك هامش ضيق للسحوبات، وإلّا فإنّ البديل الاضطراري هو «HAIR CUT»..

2- قوننة الـ" كابيتال كونترول" حتى إشعار آخر، وإذا لم يحصل ذلك سيغدو القطاع المصرفي عرضة للدعاوى القضائية من قبل المودعين، الأمر الذي من شأنه ان يشكل تهديداً كبيراً له.

3- مكافحة الفساد بجدية وحزم، والوقف الفوري للهدر والنزف المالي في القطاعات الحيوية كالكهرباء والمرفأ وغيرهما، لاستعادة صدقية الدولة المفقودة وسد الثقوب في خزينتها.

4- نقل الاقتصاد من الجانب الريعي إلى الطور الانتاجي وفق التصور التفصيلي الذي وضعته دراسة "ماكينزي".

5-مطالبة المجتمع الدولي بضَخ ما بين 10 و15 مليار دولار في لبنان، ولا بأس في أن يتخذ هذا "المَصل المالي" شَكل وديعة في مصرف لبنان.

ويجب التنبيه إلى أنّ كل شهر يمر من دون حسم الخيارات في الاتجاه الصحيح، يعني أنّ كلفة المعالجة ستصبح أقسى وحظوظ نجاحها أضعف.. وعليه، هل يلتقط المسؤولون اللبنانيون الخيط الرفيع الذي يمكن أن يقود إلى الانقاذ أم انهم سيقطعونه مجدداً؟... هذا ما تسفر عنه الأيام القادمة وللحديث بقية !!.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

........................

المراجع

1- سيد جبيل: لماذا ترفض دول الخليج وأوروبا إنقاذ لبنان من الانهيار ؟ (يوتيوب).

2- عماد مرمل: هذا هو سيناريو الإنقاذ... وإلّا (مقال).

3- سيناريوهات أزمة الديون اللبنانية ... ما الخطوة التالية؟ - الشرق الأوسط (مقال).

4- إنقاذ اقتصاد لبنان يبدأ بسد الثقوب السود- الشرق الأوسط (مقال).

 

في المثقف اليوم