آراء

من بطيخة إدلب إلي بطيخة طرابلس الليبيةَ!

محمود محمد عليكانت الأرتال العسكرية الثلاثة التى أرسلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الشهور الماضية لنجدة الإرهابيين المنهزمين تحت نيران الجيش العربي السوري والمدعوم بقوات روسية في إدلب، قد تعرضت لخسارة فادحة بنيران الجيش الروس والجيش السوري، وذلك فى الوقت الذى ذهب فيه " أردوغان" إلى " كييف" ليرفض ضم الرئيس الروسي " فلاديمير بوتين" لمنطقة "القرم" قبل عامين وكأنه يجاهر بخيانته لروسيا!

يبدو أن بوتن أدرك أن "أردوغان" يخون تحالفاته.. رأينا ذلك مرات عديدة مع خرق القوات التركية للاتفاقات العسكرية الميدانية مع الجيش الروس شمال سوريا، وتعمد "أردوغان" تسهيل سرقة شركة أمريكية للبترول السورى وبيعه عبر أراضيه مع الإدانة العلنية للروس لهذه السرقة..

وتكرر الخداع الأردوغانى لـ "بوتين" فى الحالة الليبية ؛ حيث خان "أردوغان" ثقة «بوتين» وحاول توريط "بوتين" فى الانحياز لـ"حكومة فايز السراج" والجماعات الإرهابية الطرف الأضعف المعتدى على الشعب الليبى..

تنبه "بوتين" للخدعة وغيّر موقفه تماماً فى مؤتمر برلين الذى اكتشف العالم فيه دور "أردوغان" والإخوان الإرهابيين فى تأجيج الصراع بليبيا، وما زال "أردوغان" يتحدى العالم علناً ويرسل المرتزقة المسلحين لدعم "السراج" وتعطيل الحل السلمى فى ليبيا..

وهنا وجدنا لسان حال أردوغان يقول لبوتن :" أين الاتفاق وأين ما عاهدتني عليه يا صديفي"..  يرد بوتن بلسان الحال فيقول :" سامحني ياصديقي فمصالحنا أولي"... بينما يرد الرئيس الأمريكي "ترامب" عليهما بلسان الحال فيقول :" اللهم اضرب الروس بالأتراك".. أما خليفة حفتر فيقول بلسان حاله:" كل هذا لصالحي"..

والسؤال الذي نود أن نطرحه :كيف حضرت ليبيا في شمال سوريا وما مصير حلف الأصدقاء؟

والإجابة تكمن في مدينتي "إدلب" السورية و"طرابلس" الليبية، حيث تتشابك المصالح الروسية -التركية وتختلف المدن في وقت واحد.. في المثل الشعبي الدارج يقال : "لا تحمل بطيختان بيد واحدة".. وهذا تحديداً ينطبق علي سياسة أردوغان تجاه الأزمات التي تمر بها الدول العربية حالياً.. البطيختان هنا مدينتي : إدلب وطرابلس.. والحامل هو أردوغان بشحمه ولحمه.. وسياسة البطيخ هذه هي المحصلة للأحداث الأخيرة والتي تجلت في إدلب، حيث قوات النظام السوري تضرب مواقع تركية وقتلي أتراك يسقطون، ثم تتضارب تصريحات بين الرئاسة ووزارة الدفاع وكلام المراقبين..

أردوغان رد بمقتل 76 جنديا تابعا للجيش العربي السوري (والذي سبق أن قتل من الجيش التركي 54 جنديا )، والمراقبون قالوا رداً غير مجدي ولا مؤثر(أي كقلته باللغة الدارجة)،  فلا خسائر بشرية في جيش السوري.. تبع ذلك تخبط الآخر تصريحات تركية أفادت بأن إدلب خرجت عن السيطرة، واتضح لنا ذلك عندما وجه أحد الصحفيين سؤاله القنبلة فى وجه «أردوغان» أثناء مؤتمر صحفى ضم الرئيسين الأوكرانى والتركى فى «كييف»، عاصمة أوكرانيا، خلال فبراير الماضي.. جحظت عينا «أردوغان» وامتلأ وجهه بالصدمة والهلع والغضب وتململ صوته وهو يجيب: «نعم سقط 6 من الجيش التركى وبعض المدنيين فى إدلب بشمال سوريا، التى خرجت الأوضاع فيها عن السيطرة».. ولم يجد الرئيس الأوكرانى أمامه سوى أن يعلق بالدعاء للقتلى والمصابين الأتراك وفض المؤتمر على عجل..

تصريحات أخري عادت لتقول لن نسمح بسقوط إدلب بين جند الجيش السوري وتعزيزات تركية تصل لتأمين المكان.. لكن من الذي قلب موازين إدلب؟.. ولماذا الصدام التركي مع نظام الأسد الذي يتحرك بأوامر روسية؟.. وأين ذهب اتفاق إدلب مقابل طرابلس؟..

تقارير صحفية أبرزها روسية تحدثت عن خلاف روسي تركي وقع في موسكو عند محاولة جمع شتات الليبيين باتفاق الحرب المرتقبة واتهامات من روسيا لتركية بإفشال الاتفاق من خلال إصرارها علي دخول طرابلس، ووضع اليد العسكرية عليها.. وتفاقم الخلاف أكثر بعد مؤتمر برلين الذي كان محاولة أوربية لتعويض فشل اتفاق موسكو، والذي اتُهمت تركيا أيضاً بإفشاله عبر تعزيزات عسكرية أرسلتها إلي طرابلس ومرتزقة  انتدبتهم أنقرة باسمها في ليبيا..

في نظر روسيا ما تفعله تركيا هو باب سيدخل منه الأمريكيون اللذين ظلوا واقفين علي الحياد في مسألة ليبيا، وهو أمر لا تريده موسكو ؛ أي دخول واشنطن علي الخط، وهو أيضا ما كشف لنا أن المشير خليفة حفتر هو الأقرب لموسكو من فايز السراج الموالي لتركيا.. صراع نشأ من أجل طرابلس في ليبيا ووصل صداه لإدلب..

فالروس قد سمحوا للجيش العربي السوري بضرب المواقع التركية عندما أرادوا قلب الطاولة علي تركيا، وعندما قال بوتن لأردوغان : "أنتم أردتم كل شئ فلن تحصلوا علي أي شئ".. والأتراك الأن الذين تخلوا عن بطيخة إدلب مقابل بطيخة طرابلس.. أفقدتهم موسكو تلك المدينتين حتي الآن وهو ما دفع تركيا للعودة والتمسك بإدلب علي أمل المفاوضة بها لمقايضتها بطرابلس.. فهل يعاد رسم الصفقة بين الروس والأتراك !.. أم أن قراراً روسياً نُفذ بإخراج تركيا من اللعبة !

فهمت الولايات المتحدة الأمريكية اللعبة الروسية فتحركت علي الفور لتؤكد تطلعها إلي حل سياسي في ليبيا، حيث انتقدت ما أسمته التحركات الروسية ـ وذلك بعد أن نشرت صوراً لمقاتلات روسية قالت إنها حطت رحالها في "قاعدة الجفرة" الليبية، إلا أن موسكو نفت إرسال عسكريين روس إلي ليبيا ودعت أيضا إلي تسوية الأزمة بالسبل السلمية..

والسؤال الآن : لماذا تصاعدت في هذا التوقيت اهتمام واشنطن بالأزمة الليبية وقلقها من الدعم الروسي لحفتر ؟ وما امكانية التحرك تجاه تسوية سياسية في ليبيا في ضوء المتغيرات الميدانية وفي ضوء تأكيد كل الأطراف المعنية رغبتها في إنهاء الصراع ؟

هنا أجابت الولايات المتحدة الأمريكية قائلة بأن : " روسيا تسعي لقلب الميزان لصالحها في ليبيا، كما فعلت في سوريا.. وأن العالم عندما سمع إعلان "خليفة حفتر" قرب حملة جوية جديدة أدركوا علي الفور بأن الروس سيستخدمون الطائرات التي وفرتها موسكو لقصف حكومة السراح.. وهنا أكدت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا بأنه: إذا استولت روسيا علي قاعدة عسكرية في الساحل، فستسعي لنشر قدرات دائمة بعيدة المدي.. وإذا تحقق ذلك فسيخلق مخاوف حقيقية للغاية علي الجانب الجنوبي من القارة الأوربية.. كما أكدت القيادة العسكرية الأمريكية أيضا بأن هناك: "طيارين روس قد حلقوا بالطائرات وتزودا بالوقود قرب طبرق، حيث يتمركزوا في قاعدة الجفرة الجوية.. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بأن: عدد المقاتلات الروسية التي نشرتها روسيا في ليبيا حوالي 14 طائرة وهي مزيج من سوخوي 14 وميغ 29.. وأن التدخل الروسي في ليبيا واضح للعيان، وأن روسيا لا تزود قوات حفتر بالأسلحة فحسب، بل تسعي لإخفاء تدخلها في ليبيا، وادعاء طلاء الطائرات الروسية في ليبيا، لن يطمس الحقيقة..

وسؤالنا الأخير: هل يعاد رسم الصفقة بين الروس والأتراك !.. أم أن قراراً روسياً نفذ بإخراج تركيا من اللعبة !.. ننتظر ما تسفر عنه الأحداث في الأيام المقبلة.. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

.....................

المراجع

1- د. محمد بسيونى: "أردوغان" يخون التحالف مع روسيا!! (مقال)

2- هل الوجود الروسي في ليبيا مفاجئ لأميركا؟ (يوتيوب).

3- صراع ليبيا يمتد لإدلب.. أردوغان وبوتين وجها لوجه (يوتيوب).

4- ليبيا.. روسيا تنزل بثقلها العسكري لدعم حفتر / العربي اليوم (يوتيوب)

5- بانتسير" في ليبيا: بين الحقيقة والوهم/ روسيا اليوم (يوتيوب).

6- ما وراء الخبر - ليبيا.. أمريكا تدخل على الخط (يوتيوب).

 

 

في المثقف اليوم