آراء

أزمة سد النهضة الإثيوبي.. إلى أين؟ (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا حول أزمة سد النهضة الإثيوبي التي تفاقمت ووصلت إلي حد التعنت الإثيوبي، وهنا في هذا المقال نحاول أن نركز حول الاجتماع الثلاثي الذي يجري حالياً في الخرطوم، وهنا نقول : تحتضن الخرطوم جولة محادثات سودانية، مصرية، أثيوبية، رابعة بشأن سد النهضة، ودعت مصر أثيوبيا لعدم اتخاذ خطوات أحادية، وحذرت بأن الإخلال بالاتفاقات، قد يؤدي إلي تأزيم الموقف في المنطقة برمتها، من جانب آخر قال نائب رئيس هيئة الأركان الأثيوبية بأن بلاده ستدافع بقوة عن مصالحها .. والسؤال الآن : ما مستوي الأمان المعقود علي الجولة الجديدة من المحادثات الثلاثية بشأن سد النهضة، وما دلالات إعلان أثيوبيا أنها ستواجه أية تهديدات وستدافع بالقوة عن نفسها وعن مصالحها ؟

إذن تجري في الخرطوم جولة رابعة من الاجتماعات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة بمشاركة ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربي بصفتهم مراقبين، ولا تبدو الأطراف المتفاوضة متفائلة جداً في ظل ارتفاع نبرة الخلاف، لا سيما بين مصر وإثيوبيا، حيث أكدت مصر تعثر مفاوضات «سد النهضة»، وقالت القاهرة إن «إثيوبيا قدمت مقترحاً مثيراً للقلق، يتضمن رؤيتها لقواعد ملء وتشغيل السد»، مشيرة إلى أن «الموقف الإثيوبي مؤسف وغير مقبول، ولا يعكس روح التعاون".

وساد الترقب حتى ساعة متأخرة من مساء السبت الماضي الموافق الثالث عشر من شهر يونيو الجاري، لما ستسفر عنه النتائج الختامية لمباحثات وزراء الموارد المائية في الدول الثلاث، بهدف حسم «القضايا الخلافية»، وتسوية النزاع المحتدم منذ نحو 9 أعوام، والتي أعلنت القاهرة مشاركتها فيها، وفق مهلة زمنية محددة كان مقرراً أن تنتهي أمس.

وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصري محمد السباعي، قال إنه ليس متفائلاُ بتحقيق أي تقدم يذكر في المفاوضات الجارية حول سد النهضة، وذلك بسبب استمرار ما سماه التعنت الإثيوبي، الذي ظهر جلياً علي حد تعبيره خلال اجتماعات وزارات الموارد المائية في مصر، والسودان وإثيوبيا، وأوضح السباعي أنه في الوقت الذي أبدت فيه مصر مزيداً من المرونة، خلال المباحثات، وقبلت بورقة توفيقية أعدها السودان، وتصلح لأن تكون أساساً للتفاوض، قدمت إثيوبيا اقتراحاً وصفه بالمثير للقلق، يتضمن رؤيتها في قواعد ملئ سد النهضة وتشغيله، ووصف المسؤول المصري اقتراح إثيوبيا بالمخل من الناحيتين، الفنية والقانونية، وقال إنه يؤكد مجدداً بأن إثيوبيا تفتقر للإرادة السياسية للتوصل لاتفاق عادل حول السد، ويكشف عن نيتها لإطلاق يدها في استغلال الموارد المائية العابرة للحدود، دون أي ضوابط ودون الالتفات إلى حقوق ومصالح دول المصب، التي تشاركها في هذه الموارد المائية الدولية".

ويثير «سد النهضة» الذي بدأت إثيوبيا 2011 بناءه على النيل الأزرق بتكلفة 6 مليارات دولار، مخاوف السودان ومصر بشأن ضمان حصتيهما من مياه النيل. ويخشى كل من مصر والسودان من أن يحتجز الخزان، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 74 مليار متر مكعب، إمدادات المياه الأساسية السنوية للنهر.

وقد أكد متحدث «الموارد المائية والري» أنه «في الوقت الذي تسعى فيه مصر والسودان للتوصل لوثيقة قانونية ملزمة، تنظم ملء وتشغيل السد وتحفظ حقوق الدول الثلاث، فإن إثيوبيا تأمل في أن يتم التوقيع على ورقة غير ملزمة، تقوم بموجبها دولتا المصب بالتخلي عن حقوقهما المائية، والاعتراف لإثيوبيا بحق غير مشروط في استخدام مياه النيل الأزرق بشكل أحادي، وبملء وتشغيل (سد النهضة) وفق رؤيتها المنفردة".

وتؤكد القاهرة «تمسكها بالاتفاق الذي انتهى إليه مسار المفاوضات، التي أجريت في واشنطن؛ لكونه اتفاقا منصفا ومتوازنا، ويمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتي المصب".

وفيما يخص «الورقة الإثيوبية»، قال السباعي إنها «لا تقدم أي ضمانات تؤمن دولتي المصب في فترات الجفاف والجفاف الممتد، ولا توفر أي حماية لهما من الآثار والأضرار الجسيمة، التي قد تترتب على ملء وتشغل السد»، مضيفاً: «تنص الورقة الإثيوبية على حق أديس أبابا المطلق في تغيير وتعديل قواعد ملء وتشغيل السد بشكل أحادي، في ضوء معدلات توليد الكهرباء من السد، ولتلبية احتياجاتها المائية، دون حتى الالتفات إلى مصالح دولتي المصب أو أخذها في الاعتبار»، لافتاً إلى أن «(الورقة الإثيوبية) محاولة واضحة لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب، حيث إن الموقف الإثيوبي يتأسس على إرغام مصر والسودان، إما على التوقيع على وثيقة تجعلهما أسيرتين لإرادة إثيوبيا، أو أن يقبلا بقيام إثيوبيا باتخاذ إجراءات أحادية، كالبدء في ملء السد دون اتفاق مع دولتي المصب.

وتشدد مصر على «ضرورة أن تمتنع إثيوبيا عن اتخاذ أي إجراءات أحادية، بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، وخاصة أحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 2015".

وكشف المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري عن بعض أوجه العوار في هذا الطرح الأثيوبي الأخير، ومنها ما يلي:

أولاً: في الوقت الذي تسعى فيه مصر والسودان للتوصل لوثيقة قانونية ملزمة تنظم ملء وتشغيل سد النهضة وتحفظ حقوق الدول الثلاث، فإن أثيوبيا تأمل في أن يتم التوقيع على ورقة غير ملزمة تقوم بموجبها دولتي المصب بالتخلي عن حقوقهما المائية والاعتراف لأثيوبيا بحق غير مشروط في استخدام مياه النيل الأزرق بشكل أحادي وبملء وتشغيل سد النهضة وفق رؤيتها المنفردة.

ثانيا: إن الطرح الأثيوبي يهدف إلى إهدار كافة الاتفاقات والتفاهمات التي توصلت إليها الدول الثلاث خلال المفاوضات الممتدة لما يقرب من عقد كامل، بما في ذلك الاتفاقات التي خلصت إليها جولات المفاوضات التي أجريت مؤخراً بمشاركة الولايات المتحدة والبنك الدولي.

ثالثاً: إن الورقة الأثيوبية لا تقدم أي ضمانات تؤمن دولتي المصب في فترات الجفاف والجفاف الممتد ولا توفر أي حماية لهما من الآثار والأضرار الجسيمة التي قد تترتب على ملء وتشغل سد النهضة.

رابعاً: تنص الورقة الأثيوبية على حق أثيوبيا المطلق في تغيير وتعديل قواعد ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي على ضوء معدلات توليد الكهرباء من السد ولتلبية احتياجاتها المائية، دون حتى الالتفات إلى مصالح دولتي المصب أو أخذها في الاعتبار.

وكانت السودان قد أشارت (الخميس) الماضي الموافق الحادي عشر من شهر يونيو الجاري، إلى أن «الدول الثلاث اتفقت على تبادل الرؤى إزاء القضايا الخلافية، بما يمكن من تقريب وجهات النظر، وصولاً للتوافق بشأن تلك القضايا"؛ حيث كان رئيس وزراء السودان، عبد الله حمدوك، قد تقدم بمبادرة لنظيريه المصري والإثيوبي لاستئناف المفاوضات الثلاثية للوصول إلى اتفاق شامل ومُرضٍ، يحقق مصالح الدول الثلاث. وعقدت المباحثات عبر «الفيديو كونفرانس» خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 13 يونيو الجاري. وكانت المفاوضات قد توقفت في فبراير الماضي بين الدول الثلاث، إثر رفض إثيوبيا توقيع مسودة اتفاق أعدته الولايات المتحدة والبنك الدولي حول ملء أديس أبابا "سد النهضة"، قبل أن تعلن عزمها ملء بحيرة السد في يوليو (تموز) المقبل "دون اتفاق".

وكان نائب رئيس هيئة الأركان الإثيوبي "برهان جولان " قد قال إن بلاده ستدافع بقوة عن نفسها وعن مصالحها في سد النهضة وطالب برهاني مصر بعدم تبني ما سماها " سياسة الحروب "، كي تتدفق المياه لمصلحة البلدين، وجدد رفض بلاده، التفاوض بشأن السيادة علي سد النهضة، مؤكداً أحقيتها في الاستفادة من مياهها، فقال نائب رئيس الأركان الإثيوبي، إن بلاده قادرة عن الدفاع عن مصالحها، ومواجهة أي تهديدات، ووصف الرؤية المصرية بشأن سد النهضة، وصفها بالمضطربة وأن القاهرة تبنت سياسة العداء لبلاده.. وننتظر ما تسفر عنه الأيام المقبلة..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم