آراء

محاكمة أهداف التنمية المستدامة

عامرة البلداويأتفقت دول العالم في عام 2000 على تنفيذ الأهداف الأنمائية للألفية بحلول عام 2015 وقد كانت 8 أهداف مركزة وهي

القضاء على الفقر المدقع والجوع

تحقيق تعميم التعليم الأبتدائي

تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة

تقليل وفيات الأطفال

تحسين الصحة النفاسية

مكافحة الأيدز والملاريا وأمراض أخرى

كفالة الأستدامة البيئية

ولكل هدف عدد من الغايات والمؤشرات لتتيح للعاملين متابعة  التقدم المحرز، قبل حلول عام 2015 التأمت دول العالم من جديد لتسأل ماذا بعد 2015، وعقدت الكثير من المؤتمرات وورشات العمل والملتقيات سواء الوطنية او الأقليمية او الدولية لتقييم التقدم المحرز في اهداف الألفية والتي وضعت لها اولويات محددة ركزت ثلاثة أهداف منها على الصحة، وحددت ضرورة وصول كافة الأطفال الى التعليم الأبتدائي لأهمية ان يكون اي فرد بالعالم يقرأ ويكتب على الأقل وليس أميا،وقد شمل هدف كفالة الأستدامة البيئية  كل مابتعلق من عوامل الحفاظ على البيئة وتحسينها وهي تشمل كل البيئات في العالم من التصحر الى الأعاصير والفيضانات والزلازل وماتخلفه من دمار،كما ركز احد اهداف الألفية على  حماية البشر من الجوع  والفقر المدقع وليس عامة الفقر  كما لم تغفل تلك الأهداف آنذاك تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين . الا ان دول العالم أقرت بأنها لم تتمكن من تحقيق تلك الأهداف المركزة والمحددة خلال الـ خمسة عشرة سنة الماضية، كما تم الأعلان عن  نسب متدنية للتقدم المحرز في كافة الأهداف وقد عزوا اسباب  ذلك الى ان الأهداف لم تكن شاملة  لكل التحديات كما لم تحدد كل الأطراف  الداعمة ولم تحدد مصادر التمويل ولم تأخذ بعين الأعتبار أهمية الشراكات الوطنية والدولية مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم.

عادت دول العالم لتجتمع مرة أخرى في عام 2015 تحت مظلة الأمم المتحدة لتصادق على مجموعة أهداف تنموية أخرى بأسم (أهداف التنمية المستدامة)  بلغ عددها (17) هدف وتوسعت لتشمل الأقتصاد والعمل والمدن الآمنة وسيادة القانون وانعدام الأمن ومكافحة الفساد والمجتمعات الآمنة ونبذ العنف، الوصول للخدمات الأساسية، توفر البنى التحتية، حماية وحفظ الموارد البحرية والأنظمة الأيكولوجية، والتصدي لتغير المناخ،والتأكيد على الشراكة العالمية لتنفيذ هذه الأهداف . ركزت هذه الأهداف على المجتمع المدني والقطاع الخاص والشباب وتطور التكنلوجيا  فضلا عن استمرار اولوية الصحة والتعليم والمساواة وتمكين المرأة ومكافحة الجوع والفقر .فرشة واسعة من المسؤولية العالمية لتحقيق التنمية ضمن أجندة لايتخلف عنها أحد تضمن الأزدهار والسلم  للناس والكوكب عن طريق الشراكات لغاية 2030  اي خلال خمسة عشر عاما، وهي أجندة متعددة  الأبعاد فهي  اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وبيئية

تسابقت الدول لتحقق تلك الأهداف ولتقدم تقارير التقدم في أنجازها ضمن المؤشرات المحددة، ويفهم من هذا ان تلك الدول وضعت السياسات وحددت البنى التحتية المطلوبة لتحقيق كل هدف في أطار زمني معين ومقسم على الخمسة عشر سنة بمعنى ماهو الأنجاز في السنوات الخمسة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة

ما ان انتهت السنوات الخمس الأولى حتى اجتاح العالم  فيروس كوفيد-19 الذي بدأ من دول هي الأكثر تقدما ورقيا وتنمية، ثم اتسع انتشار الفيروس ليصل الى بلدان العالم الأخرى الأقل تطورا وتنمية، تسببت  الفيروس بملايين الأصابات فضلا عن آلاف الوفيات خلال أشهر قليلة، وقد تزامن انتشار هذا الفيروس  (الذي وصف بالجائحة لأنه انتشر عالميا وليس وطنيا ) بأجراءات الوقاية والحماية التي سببت غلق النشاط الأقتصادي والتوقف عن اداء الأعمال وغلق المدارس والجامعات والمعامل والمصانع، وغلق المطارات والأسواق والمطاعم، تسببت تلك الأجراءات انهيار قطاعات كانت تسجل ارباحا طائلة مما سبب تسريح موظفين وارتفاع منسوب الفقر وتوالت الأنهيارات نتيجة انخفاض اسعار النفط الى ادنى مستوياتها مما ادى الى صعوبة تأمين رواتب موظفي أكثر من دولة نفطية ومنها العراق . في مجال التعليم أصاب الكثير من أنظمة التعليم في عدد من الدول الأوربية الحيرة فضلا عن دول المنطقة في كيفية حساب معدلات الطلبة بسبب التوقف الكامل للدراسة  وتنازلت كل تلك الأنظمة عن المعايير المتشددة التي كانت تلتزم بها لتمشية الأمور . والأنكى من كل هذا أنهيار أنظمة صحية كانت تعد هي الأفضل مثل ايطاليا، في حين تسابقت دول عظمى لتحصل على شحنات المستلزمات الوقائية من الفيروس الى درجة التحايل وسرقة شحنة الأقنعة من المطار قبل وصولها، فضلا عن احداث وحوادث كثيرة كشفت النقاب عن أنظمة فاشلة لم تستعد لأي حدث مباغت، كما كشفت عن عجز في أتخاذ القرارات للخروج من الأزمات الكبيرة خاصة من قبل الدول التي تقود العالم فضلا عن الهيئات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية، كما ان هذه الجائحة عرّت  هيئة الأمم المتحدة  تلك  التي ضمت عضوية 193  دولة صادقت وروجت ورصدت الموارد وعبأت الشراكات لكنها لم تصمد بل تراجعت لحد الأنهيار امام هذا الأمتحان

علينا مسائلة تلك الهيئة التي شغلت العالم بأهداف التنمية المستدامة وشتتت بوصلة العالم في اتجاهات مختلفة، أين الخبراء الأستراتيجيين الدوليين الذين يضعون الفرضيات الخارجة عن الأرادة لأي خطة أو أستراتيجية ؟ لماذا غاب عن تفكيرهم حصول حدث يهز العالم كهذا ؟ علينا مسائلة الأهداف السبعة عشر نفسها لماذا لم يضع اي هدف منها هذا العالم على أهبة الأستعداد للطواريء، لماذا كانت أهداف قصيرة النفس لم تسندنا في الأزمة مع مراعاتنا لها وتصويب بوصلة بلداننا بأتجاهها

أيها العالم هل مازلت تثق بهيئة الأمم المتحدة ومايصدر عنها ؟ لنقف قليلا ونسأل انفسنا قبل تخصيص الموازنات وتحديد اللجان وتثبيت جداول الأعمال  أذا كانت أكبر الدول تقدما في العلم والتكنلوجيا كالولايات المتحدة الأمريكية والصين لم تتحسب لهذا الحدث الدولي بل  تفاجأت وعانت ماعانت وخسرت الأرواح والأموال  على السواء كما حصل في افقر دولة بالعالم،أذن اين مفتاح التميز ؟ واين عنصر الأبداع ؟؟؟ على العالم محاكمة تلك الأهداف وتعريضها للمسائلة واتهامها بالفشل والقصور وقصر النظر

 

د.عامرة البلداوي

11 أيلول 2020

 

 

في المثقف اليوم