آراء

السلطة وحقوق الإنسان

علجية عيشهل ستكون سنة 2021 ربيع عربي جديد؟

أضحى المواطن العربي لا يعرف أين يقف؟ وإلى أين يمضي أو يتجه؟ فكل الشعارات التي ترفعها السلطة هي شعارات جوفاء، خاصة مع ظهور كوفيد 19 جمدت فيه كل حركة أو نشاط وأوقفت وسائل النقل من وإلى، ففي الجزائر مثلا، فقد عمّق الوباء أزمة المواطن الهش، كما هو الآن في باقي دول العالم، أتاحت للمضاربين التلاعب بحياته وبخبزه اليومي، وهو الآن يشعر أن كل الأحلام سُرِقَتْ منه ليس بسبب كوفيد، بل بسبب فساد النظام الذي يأبى أن يرحل أو أن يغير من أسلوب تعامله مع الشعب من خلال تطبيق آليات حماية حقوق الإنسان​

استهلكت قضية حقوق الإنسان من الجدل أكثر ما يستهلكه الفرد من الأشياء الأخرى التي يحتاجها في حياته اليومية، وأضحت حاضرة بقوة في أيّ مجلس يعقده كبار المسؤولين في الحكومة أو البرلمان، فهذا له رأي وذك له رأي آخر (مخالف)، وإن كانت حقوق الإنسان تعني المفهوم الأخلاقي القاضي بأن لكل إنسان الحق في التمتع بحقوق أساسية لكونه إنسانا، إلا أن أكثر الآراء المتفق عليها تدور حول حقوق الإنسان في المأكل والمشرب والسكن والعمل والتطبيب والحق في الإستجمام، وعملت السلطة على توفير له جزء من هذه الأشياء التي تعتبر من الضروريات، إذ لا يستطيع الإنسان العيش أو تحقيق حياة كريمة بدونها، وتأتي في الأولويات أيضا حرية التعبير والرأي، وحرية الإحتجاج السلمي وهذه العناصر الثلاثة لا يمكن أن تنفصل عن حق الفرد في الحياة من أجل ضمان الإستقلال والإستقرار، فعندما يكون الحُكْمُ عاجزا عن الإستمرار في توفير هذه الشروط دون نقصان، يكون سببا في أن يكون الشعب ناقما على الحكم، فثورة 22 فبراير 2019 في الجزائر مثلا لا يمكن أن نصفها بأنها مجرد نقمة شعبية أو انقلاب على السلطة أو أنها النبش في قشرة الحياة الإقتصادية والسياسية مثلما حدث في 05 أكتوبر 1988 بل هي ثورة من أجل تغيير النظام القديم، نظام اتسم بالدكتاتورية والإستعمار الداخلي.​

أراد هذا النظام أن يجعل من الشعب قطيعا، فكان التحرك الجذري في جوف المجتمع، بل كان انفجار حتمي لوضع متفجر، حيث كان تحركا عميقا واسعا، شمل كل تراب الوطن، زعزع أسس الحياة، ويمكن القول ان الحراك الشعبي في الجزائر وإن لم يحقق كل مطالبه في بناء جزائر جديدة، فهو يعتبر ناجحا، لأنه استطاع أن يكشف الوضع في الجزائر وأن يوصل صوت الشعب إلى الرأي العام الدولي، عندما خرجت الجماهير في مسيرات شعبية سلمية، وكشفت ما يحدث في جزائر الألفية الثالثة، ولو كانت لهذا الحراك خطة واضحة شاملة، لفعل ما فعله شهداء المليون والنصف مليون شهيد، الذين خاضوا نظاما ثوريا نموذجيا فكانت تجربتهم رائدة رغم الأخطاء، إن التجربة الثورية الجزائرية تجعلنا نطرح كثير من الأسئلة والوقوف على أيهما كانت لها نفحة شعبية بنضالها وأدواته؟، الواقع أن كل الثورات التي شهدتها الجزائر كانت لها نفحة شعبية، منذ ثورة أول نوفمبر 1954 إلى ثورة 22 فبراير 2019، مرورا بأحداث 1990 التي اتسمت بطابع هستيري عدواني، دون الحديث عن الأحداث التي سبقتهما (أحداث ماي 1980 وأكتوبر 1988)، إلا أن الفرق بين هذه الثورات هو أن الأولى كان هدفها طرد الإستعمار وتحقيق الإستقلال السياسي والعسكري، أما باقي الثورات فهي من أجل مكافحة الفساد وتغيير النظام.​

كانت هذه الثورات أمر واقعي وحتمي أيضا، حتى ولو لم تكن إيجابية مائة بالمائة، لأن أطرافا خارجية كان لها يد في إبقاء النظام القديم وإعطائه لونا جديدا فقط، تريد هذه الأطراف التي تخدم أجندات أجنبية أن تفكك الجزائر وتقسمها، وتخلق منها جمهورية "موز" كما يقال، فظل الوضع على حاله، ولم يتغير ما كان يطمح إليه الحراكيون، وقد يتعفن الوضع إذا ما ظلت سياسة تكميم الأفواه والإعتقالات مستمرة، وظل الفساد ينشر سمومه، بدليل أن السلطة تريد تغليط الشعب والرأي العام عندما تصرح على لسان الناطقين باسمها بأنه لا يوجد في السجون الجزائرية معتقلي رأي، مما يعمق الأزمة أكثر، خاصة إذ كان المعتقلون السياسيون لا يعاملون معاملة إنسانية، فما نقرأه في الصحف عن المحاكمات المبرمجة للسجناء السياسيين والذين اعتقلوا اثناء الحراك الشعبي، خير دليل على أن السلطة تكذب على الشعب وتريد تغليطه واستغفاله، وهذا يوحي بأن الوضع غير آمن وغير مستقر، أمام ارتفاع أصوات بأن هناك أمور تخطط في الخفاء ومن وراء الستار لضرب الحراك وإسكات صوت الشعب.​

لا أحد يمكنه طبعا أن يزعم أن الحريات في العالم كلها مضمونة وفي أحسن حال، فقد تحدث تجاوزات من طرف السلطة يمكن تجاوزها، خاصة في الظرف الإستثنائي (الأوبئة والحروب)، لكن أن تستمر السلطة والأنظمة في استفزاز شعوبها بتسليط عليهم قوانين لا تخدم الحريات (فردية كانت أو جماعية)، فلا تنتظر من الشعوب إلى الإنقلاب عليها والتمرد، تكشف تقارير الجدل القائم حاليا حول حروب حقوق الإنسان وزمن أفوله، وماهي القضايا التي تنتهك حقوق الإنسان في عالم يشهد تغيرات على كل المستويات، فمن جهة معرفة من هو مجتمع حقوق الإنسان، هل السلطة الدستورية؟ أم المجتمع المدني؟ ثم معرفة ماهي حقوق الإنسان في أوقات الحرب والوباء؟ من أجل إثبات إن كانت حقوق الإنسان أكذوبة سياسية صنعتها القوى السياسية أو جماعات الضغط أم هي مشروع حقيقي للإنسانية جمعاء، ومن جهة أخرى إبطال ما يروج من شائعات بأن سنة 2021 ستكون ربيع عربي جديد؟، ليس في الجزائر فقط بل في كل شبر من الوطن العربي، وهذا يتطلب إعادة النظر (استعجاليا) في كل المسائل والمشكلات المتعلقة بحقوق الإنسان في ظل انشار الوباء.​

 

علجية عيش​

 

 

في المثقف اليوم