آراء

إعادة اكتشاف سيناء

كل فترة نكتشف أمراً جديداً وحدثاً بارزاً تم على أرض الفيروز فى هدوء وخفاء. منذ البداية والرؤية لدى القيادة السياسية واضحة نحو تلك البقعة الغالية من أرض مصر..أن يتم تطويرها على أساس سليم وأن تتوجه لها كل الطاقات والإمكانيات المتاحة لتنميتها وحسن استغلالها..

الصعوبة الأولى التى واجهتنا كانت أن سيناء خارج السيطرة؛ فلا يمكن إصلاحها مع وجود ذلك الكم الهائل من الانفلات الأمنى والأنفاق وحرية الحركة التى تمتعت بها الجماعات الإرهابية فى السابق، فكان لابد من اتخاذ قرار حازم بامتلاك زمام الأمور بها. ولم يكن الأمر سهلاً ..

أنت تتحدث عن مساحة شاسعة تبلغ نحواً من 60 ألف كيلومتر أو تزيد، أى ما يعادل تقريباً سائر المساحة التى يعيش المصريون عليها بالوادى والدلتا! فكيف يمكن السيطرة على مثل تلك المساحة التى تعج بتضاريس متباينة بعضها صحراوى منبسط وبعضها الآخر جبلى وعر وبعضها ساحلى. ثم أن التركيبة السكانية لتلك المنطقة ذات طبيعة خاصة، والتواصل مع الطبيعة القبلية يختلف حتما عن التواصل مع غيرهم.

لذا كانت المهمة الأولى ما قبل التطوير هى مهمة التهيئة والإعداد لما يمكن البناء عليه من بنية تحتية متطورة على أنقاض ما تمت إزالته من أعشاش وخيم وأبنية عشوائية قائمة هنا وهناك كيفما اتفق. والأهم من هذا أن يقبل سكان المنطقة ما يتم من تطوير بأريحية واطمئنان ويشاركون فى تحقيقه، والحق أن سكان سيناء قاموا بدور عظيم فى هذا الصدد يحسب لهم.

هناك الكثير مما تحقق فى سيناء لا يعلم عنه أحد لأنه يتم فى منأى عن الأنظار ولأننا اعتدنا أن نتابع همومنا الخاصة دون أن نلم بالصورة الكلية العامة. العمل فى سيناء تم على ثلاثة محاور..محور السيطرة الأمنية ومحور البنية التحتية ومحور التعمير والتنمية. والمسارات الثلاثة حدثت بشكل متزامن. إن ما تم من إنجاز هناك هائل ومدهش ولا تستطيع أن تستوعبه إلا إذا قارنت بين ما كان وما هو الآن. وربما استيقظنا يوماً فوجدنا المصريين يشدون الرحال إلى سيناء بعد أن تصبح بديلاً عن الهجرة للخارج..

لم نكتشفها بعد

جمال حمدان قالها قديماً: إن المصريين مرتبطون بالأرض.. وهذا الارتباط عظيم لدرجة أنك تحتاج إلى قوة نفسية كبيرة لزحزحة المصري من مكان نشأته ليهاجر أو يسافر بعيداً عن أرضه هنا أو هناك. وأن تلك الطبيعة الموروثة فى جينات المصريين تركت أثراً سلبياً أحياناً فى النشاط الإنسانى للمجتمع المصري بشكل عام؛ إذ باتت بعض المناطق فى مصر قليلة السكان غير قابلة أصلاً لفكرة التعمير لغيابها عن ذهن أى مصرى؛ فكرة مغادرة مكانه إلى أماكن أخرى ولو على سبيل المغامرة والاكتشاف والسياحة. الدليل على هذا أن العالم كله حريص على زيارة مصر لرؤية بعض معابدها وآثارها مهما تكلفه ذلك من مشقة وجهد ومال، بينما بعض المصريين قد يعيش ويموت ولم يزر متحفاً أو أثراً ولو كانت تلك الزيارة لا تتكلف إلا بضعة جنيهات!

ربما لهذا السبب وغيره عانت سيناء تجاهلاً وخواء رغم أنها تحوى كنوزاً لا تخفى عن أحد..

كوكتيل عجيب من المعادن والثروات حظيت به تلك المنطقة الغنية بالكنوز.. بترول وفحم وحديد ونحاس وفوسفات ومنجنيز ويورانيوم وذهب وأحجار كريمة أهمها الفيروز الذى تحظى سيناء بأجود أنواعه عالمياً حتى صار اسمها مقترناً به، أرض الفيروز. ثمة ثروة حيوانية أكبر مما ظننا تصل إلى ما يزيد عن ربع مليون رأس ماشية ترعى على الكلأ والزراعات البسيطة فى تلك الأراضى الواسعة المنبسطة فما بالنا لو تضاعفت تلك الأرقام؟ لهذا كان البحث الأول والمشروع الأكثر إلحاحاً هو ما يختص بتوصيل المياه إلى تلك المناطق عبر ترعة السلام.. مشروع عظيم يجرى على قدم وساق وقد تم إنجاز جزء كبير من مرحلته الأولى وتتبعها مراحل. بعد أن تمت السحارة أسفل القناة.

هناك مناطق سكنية تم بناؤها على أساس تخطيط عمرانى سليم بدلاً من العشوائية السابقة. الهدف أن يتم زيادة عدد السكان فى مختلف المناطق بسيناء بنسبة تزيد عن 12% فى الوقت الحالى، نحن لا نتحدث عن حلم بعيد المنال، بل هو حلم يتحقق ويجرى تنفيذه الآن.

العبور الكبير

ها قد نفذنا أهم ما فى الخطة المرسومة.. تكاتفت كل مؤسسات الدولة مع أهالى سيناء، وتم تقويض الإرهاب ونزع أنيابه وانغلقت أنفاقه ، وانفتحت أنفاق الخير والنماء عبر السحارة، وبنيت الأسوار ، واستتب الأمن وبدأت خطوات التطوير تتم بالتزامن شيئاً فشيئاً فتوسعت الزراعة وتم التشييد فى القطاعات السكنية والصناعية والخدمية.. كل هذا ليس إلا البداية.. كل هذا كان يتم بهدوء وصمت..كل هذا كان يتم بالرغم مما حدث ويحدث من عراقيل ومعوقات؛ إذ لم تتوقف الأفواه والأقلام تثير الشائعات والأكاذيب ، ولم تتوقف فلول الإرهاب عن محاولاتها لزعزعة الاستقرار وعرقلة حركة التطوير.. لكن التطوير حدث ويحدث رغم كل الأفاعيل والعراقيل..

إذا قيل إن التنمية فى سيناء التهمت مليارات الجنيهات فهو قليل مهما بدا كثيراً فى أعين الناس لأسباب كثيرة.. أولها أن سيناء مساحتها هائلة وهى متعطشة للتنمية منذ عقود وأجيال من الإهمال، ثم أن المعوقات والمشكلات والتخلص منها له تكلفة ضخمة ، والأهم من هذا وذاك أن ما سبق من إنفاق يعد فوزاً واستباقاً لموجة غلاء عالمية حدثت اليوم وبالأمس منذ جائحة كورونا وإلى اليوم.

إن ما تم ويتم اليوم تحت قيادة الرئيس السيسي على أرض سيناء يعد بلا مبالغة عبوراً جديداً إلى أرض سيناء الحبيبة وكأنها عملية لإعادة اكتشاف تلك البقعة المباركة من أرض مصر.

أكبر من رواندا!

قد تندهش إذا علمت أن سيناء وحدها أكبر من رواندا بمقدار الضعف!. تلك الدولة الإفريقية التى عانت الويلات عبر تاريخها الدامى، وهى دولة مغلقة ليس لها سواحل. واليوم تتمتع تلك الدولة الإفريقية المنغلقة على ذاتها بنسبة نمو تتعدى النسب العالمية! وقد تندهش أكثر إذا علمت أن ما نبغت فيه رواندا ليس إلا السياحة! أين سيناء من كل هذا؟ وماذا لو أنها حظيت بنهضة تنموية كنهضة رواندا؟

سيناء بها مجموعة من أروع وأجمل الشواطئ لا أقول فى مصر بل فى العالم أجمع، والمرضى يأتون من كل أنحاء العالم للاستشفاء على رمالها وفى عيونها الساخنة والكبريتية فى عيون موسي ورأس سدر وحمام فرعون وغيرها..وسيناء هى معبر الأنبياء والصحابة عبر التاريخ، ولها قدسية لدى النصارى واليهود والمسلمين جميعهم لأنها منطقة شهدت رحلة العائلة المقدسة وتيه بنى إسرائيل ورحلة موسي وعبور عمرو بن العاص حاملاً رسالة الإسلام والسلام عبر شعبها الأصيل.. ماذا ينقص سيناء لتصير هى المفتاح لتنمية شاملة تبدأ فى سيناء ولا تنتهى إلا ومصر فى مصاف الدول الكبري إقليمياً وعالمياً؟!

سواعد وأهداف

رجال الأعمال جاءوا ورأوا بأنفسهم حجم ما تم إنجازه، وكلهم امتلأوا بالرغبة فى المشاركة بعد أن رأوا كيف اصطفت الآليات والمعدات بالمئات تعلن جاهزيتها للتعمير والبناء وتعطشها للارتفاع بالمصانع والشركات والارتقاء بسيناء على أيدى أهلها من السيناوية ذوى القوة والجلد. ولن تلبث أرض الفيروز أن تكون كما نتمناها أرضاً لخير وفير ونماء عميم يفيض على أهل مصر قاطبة.

***

عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم