آراء

عبد العزيز قريش: من سيميولوجية طوفان الأقصى

من سيميولوجيا طوفان الأقصى، ونتائجه وتوابعه الحدثية والزمنية، ومشاهده وصوره التاريخية، ومفاعيله الميدانية نجد:

ـ الجيش الصهيوني النازي الفاشي الداعشي غلف بهالة من الوهم والأسطورة والخرافة؛ من حيث قدراته وإمكانياته وإمكاناته الخارقة لطبيعة الجيوش، نتيجة النفخ فيه من قبل المهزومين والخائفين، والدعاية الصهيونية العنصرية، وتعظيم حلفائه له بمشهدية إجرامه في كل أصقاع العالم بالقتل والاغتيالات، والاعتداءات على الشرعة الدولية وقوانينها وأنظمتها ومؤسساتها العالمية، والتي تحميه فيها أغلب الدول الغربية برئاسة مجرمه الأكبر الأمريكي الهمجي.

فهو الجيش النازي الفاشي الداعشي الذي كان يصور نفسه أمام الآخر بالغول الأسطوري القادر على فعل كل شيء، ويسوق لها بملحمات متوهمة على المدنيين العزل في فلسطين، وحقيقة من يعتدي على المدنيين العزل هي الضعف والعجز، وهذا ما أكده طوفان الأقصى ومن قبل أكدته ضربات المقاومة الإسلامية في لبنان فضلا عن حرب 2006. والواقع الذي لا يمكن نفي أحداثه ووقائعه وحججه ودلائله أنه أهون من بيت العنكبوت.

ـ الصهيوني النازي الفاشي الداعشي فوق الإنسانية بمعناها البشري والأخلاقي والقانوني، فهو أرقى عرق في الكون يتطاول على أسياده الذين أوجدوا كيانه، ومازالوا يحضنوه لحد الساعة بكل ما يملكون، حتى سيادتهم أمامه لا تساوي شيئا، فمعاداة السامية ما هي إلا بابا لإهانة كل فرد ومنظمة ودولة في أرضها وتحت سيادته. فمن ينتقد هذا العنصر " السامي " من مواطني الغرب وكيفما كان؛ يكون مصيره المحاكمة والإذلال والسجن. فأي سيادة لهذه الدول؟ وأي كرامة وإنسانية للإنسان الغربي والصهيوني يتابعه ويحاكمه في بلاده وبقضائه؟ في المقابل لا يستطيع القضاء الغربي أن يقاضي أي مجرم صهيوني يرتكب على أرضه الاغتيالات وجرائم الحرب! والأعظم من ذلك أن هذا العنصر " السامي " يتطاول على العالم كله وعلى منظماته العالمية، وما أنتجته البشرية من شرائع وقوانين وحقوق وغيرها، وأمام أعين العالم، ولا يستطيع أحد أن ينكر علية بله يحاكمه. لذا؛ فهو عنصر " سامي " تتشرف الإنسانية بوجوده على رأسها لأنه أرقى منها! وهي عبد عنده، يجب عليها أن تخدمه برموش عينيها أو كرها وغصبا عنها.

وانطلاقا من " سامية " هذا الكيان العنصري، وجب على الفلسطيني أن يكون عبدا له محبة أو إكراها، وإلا الإبادة مصيره؛ فجاء جواب النفي مع طوفان الأقصى بأنك أيها الكيان الهمجي لست أرقى سلالة من غيرك من البشر، بل أنت أحط وأخس وأنتن خلق الله في هذا الكون. فإن كنت تتسيد على أنسان الغرب، فنحن لسنا كذلك لعزة أنفسنا وكرامة ذاتنا وحسن أخلاقنا وسلامة عقيدتنا.

ـ ضعف وتخلف الأنظمة العربية التي حشرت نفسها في حب الدنيا، ورضيت بالقعود عن الأخذ بأسباب القوة من فكر وعلم وتكنولوجيا وسلسلة ما أنتجه العقل من مظاهر القوة. فهي ذهبت إلى الانسداد العقلي والفكري والاكتفاء بملذات الحياة والتشبث بكرسي الحكم تحت مظلة ومذلة الغربي، الذي عمل على إبقاء تخلفها وتأخرها قرونا للوراء، وغيبت كل عوامل التطور والنماء من

استقلال وسيادة وحرية وديمقراطية ... ما أنتج مظاهر التخلف على نطاق واسع في دولنا العربية والإسلامية، فغياب الديمقراطية عن الوطن العربي والإسلامي أنتج الاستبداد، والاستبداد أنتج التخلف، والتخلف أنتج الضعف، والضعف أنتج التبعية، والتبعية أنتجت العجز التام عن الفعل، والعجز التام أنتج البؤس الإنساني والحضاري والمأساة على مختلف أنواعها وأشكالها ودرجاتها. فلا يمكن للأنظمة المهزومة من داخلها نفسيا وماديا وفكريا أن تتفوه ولو بحرف استنكار، بله أن تنتج إرادات ومواقف وأفعال. فهي ميتة في هذا العالم، يفعل بها ولا تفعل.

وهو طوفان الأقصى قدم بين يدي الواقع أدلة دامغة غير مدحضة على الموت السريري للأنظمة العربية والإسلامية التي لم تستطع فتح معبر رفح أو إدخال كيس دقيق لغزة العزة. فهي عاجزة لا تملك شيئا، وفي أحسن أحوالها وأعلاها درجة وأرفعها قمة تملك الخطابات الجوفاء، وقد ذهبت في عجزها وضعفها إلى حد تنفيذ ما طلب منها اتجاه المقاومة الفلسطينية. فقد سبق أن أدانت بعد الأنظمة العربية المطبعة وشقيقتها الإسلامية غير العربية المقاومة الفلسطينية في أكثر من عملية فدائية تقاوم من خلالها المغتصب والمستعمر الصهيوني النازي الفاشي الداعشي، ومتنكرة لحق مقاومة المستعمر ذي الدمغات القانونية المتعددة من دينية ودولية وإقليمية ومحلية! ومازال البعض يدين حماس وباقي الفصائل المقاومة عن طوفان الأقصى بدعوى أنها البادئة بالهجوم على الكيان الغاصب، التي جلبت الخراب على غزة العزة. وهذا غير مستغرب عن أنظمة لا قيمة لها في الوجود، ولا اعتبار لها عند الصهاينة وأسيادهم الغربيين.

ـ قوة وعبقرية وذكاء وشجاعة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، التي أظهرها وأجلاها طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 المجيد. ما يدل دلالة قاطعة على أن الإرادة تصنع المعجزات في الواقع، فقد فاق العقل الفلسطيني العقل الصهيوني الهمجي باستباقية فكرية وعلمية ومنهجية شلت عقله وفكره، وبينت عجزه وفقره. وهي العملية التي أدهشت العالم كله بدون استثناء، وتمنى المنبطحون لو لم يقع طوفان الأقصى لكيلا يتعرون أمام الشرفاء والأعزاء والكرماء في هذه الأمة العربية والإسلامية؛ لذا عملوا منذ البد\اية على استصغار العملية ووسمها بسمات لا تعبر عن حقيقتها وكينونتها. فكانوا معبرين عن أنفسهم وخستها وذلها ومهانتها وهوانها واستصغارها أمام هذه المقاومة الفلسطينية والإسلامية والعربية، فضلا عن أسيادهم الحاضنين لكراسيهم وكروشهم.

فطوفان الأقصى أفصح عن عقل فلسطيني استراتيجي قادر على التفكير من خارج الصندوق ومن داخله، والتخطيط والتدبير والفعل النظري والعملي في الميدان، وهو مازال يظهر حنكة وقدرة على التحكم في مفاصل وتفاصيل، وإدارة المعركة في غزة العزة رغم آلامه وجراحه الكبيرة عن مواطنيه، الذين يظهرون بسالة اجتماعية لا نظير لها عند العدو الهمجي العنصري، وهم يساندون مقاومتهم. بل؛ يعيشون يومياتهم بدمائهم ومعاناتهم، وتحت ضغط تكالب العالم الرسمي عليهم بما فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية حفيدة عبد الله بن أبي ابن سلول. فهل من عقل إنساني يساوي بين الجلاد والضحية؟ فلن يدوم هذا الوضع إن شاء الله تعالى، وسنرى فيهم عجائب وغرائب الشعوب.

ـ اختباء بعض الجيوش العربية والإسلامية إن لم يكن جلها من وراء أنظمتها لضعفها أمام العدو العنصري رغم ما تمتلك من عتاد كبير، فهي غير قادرة على استعماله، ولا على التغيير الداخلي، ولا مواجهة الخارج بما فيه من جيش العدو المهزوم، والذي يتلقى الضربات القاسية من رجال المقاومة الفلسطينية ومحورها الإقليمي الشجعان. فهي جيوش مستعدة للحرب مع أشقائها وضد نفسها، وليست مستعدة لغير ذلك لضعف يعرب عن ذاتية غارقة في المصلحة الخاصة، والتي تفيد أن ما يسمى الوحدة العربية والإسلامية هي مجاز في القاموس العربي والإسلامي لا حقيقة لها، ولا مصداقية، ولا ماصدق له في الواقع يثبته، غير أن ما ينفيه هو القائم في واقع العالم العربي والإسلامي. لذا؛ فلا يعول الإنسان العربي والإسلامي بصفة عامة والمقاوم الفلسطيني والعربي والإسلامي على هذه الجيوش للدود عنه ولا رفع الضيم عنه؛ بله خوض المعارك المسلحة من أجله. فهذه الجيوش ترهلت وهرمت وتدلت كروشها أمامها لما يدخ في جيوبها ومشاريعها ومصالحها، فلله المشتكى. فهي مستعدة للتواطئ على المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية لأجل الحصول على رضاء الأمريكي الهمجي والصهيوني العنصري.

ومنه؛ فطوفان الأقصى يصرح بكل اللغات أن تغيير الواقع غير مطروح ومؤجل إلى أن يبعث الله في هذه الأمة قوما يشبهون المقاومين والمجاهدين في إيمانهم وآمالهم، وفي تفكيرهم وعزيمتهم وإرادتهم. وأما الراهن فلا يشي بشيء من ذلك. ومع الأسف الشديد إلى هذا الحد من التبلد الحسي أصبح لهؤلاء الجيوش وأنظمتها تجاه الجرائم والإبادة القائمة في غزة العزة والضفة الغربية وأراضي 48 الباسلة، وأخال لو نهض الكيان الصهيوني النازي الفاشي الداعشي إلى إعلان الحرب على أي دولة عربية أو إسلامية؛ فلن تجد من الجيوش من سيحاربه ويقاتله، بل؛ ستكتسح أراضيها خلال ساعات لأنها أنظمة وجيوش لا إرادة لها في القتال، بل سيقفون موقف المستغل والانتهازي لكسب المصالح الخاصة! وهذا؛ وقع ويقع في واقعنا العربي والإسلامي من خلال من يندد بحماس ويدينها ابتداء وانتهاء، وقد جيش من ورائه جوقة من " العلماء والشيوخ والفقهاء " وجيوشا من " الذباب والناموس وكل الحشرات النهارية والليلية الإلكترونية " لإدانة المقاومة الفلسطينية، وتوهيم خلق الله بأن ما قامت به هو عبث لم يأت إلا بالخراب؛ لكن الله سبحانه وتعالى ينصر أولياءه وأهله دون الصهاينة النازيين الفاشيين والداعشيين من كل الأجناس والأوطان. ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ " النساء: 52".

ـ للقراءة والوعي:

لابد للقراءة الناقدة أن تخلق الوعي عند القارئ الفطن الذي لا يكتفي بظاهر النص المسطور أو الواقع المنظور، وإنما هو الذي يعمق وجوده في أعماقهما بكل أدوات الحفر والتنقيب لبناء معمار فكري مستقل وحر قادر على الفعل بكل أبعاده. وكتاب طوفان الأقصى المسطور أو واقعه المنظور يفيدنا الكثير من العبر للاعتبار، والدروس لاستخلاص النتائج الإيجابية والسلبية للاستثمار والتجاوز، بخلق فرص النجاح من رماد الخيبة، التي يشاهدها العربي والإسلامي في يومياته من مواقف الأنظمة والجيوش والحكومات والمنظمات والمؤسسات الدولية على بروع هذا العالم، العاجزة عن الفعل وردة الفعل سوى التنديد في أحسن الأحوال.

ومن هذا الموقع الإعلامي أقول للشعب الفلسطيني إنك أقمت الحجة على العالم؛ لذا فلا داعي للمناشدة أو الاستنكار، فعول على الله أولا ثم على مقاومتك ثانيا وعلى نفسك ثالثا، وثق بإيمان قوي في الله عز وجل أنه ناصرك مهما كانت التضحيات والآلام والأحزان والخسائر، فهذا مسمار في نعش الصهيوني الهمجي، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ "الروم: 47".

***

عبد العزيز قريش

في المثقف اليوم