آراء

حسن عزيز الياسري: مواسم الحصاد الرخيصة

هل صار مبلغ طموحاتنا، في اطلاق انماط للتفكر والنقد والحوار، منا (الى تقديم خلاصة اجابات موضوعية ونتائج ناجعة !!)، لا شك انها مراحل مخاض فكرية صعبة على مستوى الفكر والتطبيق، لكنها ليست مستحيلة بالتأكيد، حتى الوصول لطور التحليل والتشخيص فالعلاج، وسط هذا التراجع الحاد في المنظومة القيمية لمجتمعنا اليوم، نتيجة التأطير الرجعي الذي يغلف حياة المجتمع السياسي الرسمي والمسؤول الاساسي عن حدة هذا الخمول الحضاري والانتكاس الاجتماعي المتعسر، الذي خَيّم على عراق ما بعد ٢٠٠٣  .

- تعددت انباء التقهقر الذي تشهده البلاد في مختلف القطاعات الامنية والصحية والعلمية والتعليمية والرياضية وغيرها، ولعل خبر خروج العراق من التصنيف العالمي لجودة التعليم وفق (مؤشر دافوس لجودة التعليم لعام ٢٠٢١) مؤخرا، جاء منسجما كالعادة مع التراجع الحاصل في القطاعات الفكرية والاجتماعية الاخرى منذ اعوام طويلة، ويكفينا القياس المتوازي، دلالة، مع دولة الصومال الذي امسى توأم العراق ورديفه في سجل مقاييس الفشل وتصنيفات التردي العالمية، و ربما بمعايير النجاح كذلك في المستقبل !!

- في مسرح الحياة، هناك مساحات واسعة نسعى من خلالها، العيش بعالمنا الخاص، الذي نحاول ان نصنعه بما يتلائم واذواقنا وينسجم مع ارواحنا، الفرق يكمن فينا، بمن يخشى ان يُسَلّط عليه الضوء خلف الكواليس التي اختارها للعيش بنفسه، من عدمه، ليبقى اسير توجهاته ومتبنياته !! .

- ولهذا يعيش الكثير منا داخل الادوار التي رسمت له بفعل البيئة والظروف الاجتماعية والنفسية، ويتقمص ذلك الدور الذي يشبه الى حد كبير ادوار التمثيل في عالم المسرح، حيث يعيش الممثلون اجواء العرض، كلما اقترب موعد تمثيل المسرحية، مسرحية تقترب مشاهد العرض فيها من عروض الحياة الساخرة والمضحكة او الحزينة والمأساوية .

- وهناك بعض الممثلين المحترفين الذين يجهدون انفسهم في مثل اوقات العرض هذه، والتي تبدأ عادة قبل مهرجانات التصويت، وهم يعملون على اعادة رسم لوحات الامل المهترئ، وبعث صور الجمال الهامشية، والتحليق عاليا في اجواء الحوار والتنظير الفارغ، ليكسب شيئا من رضا الجمهور، كابتسامة وربما اعجاب او تصفيق حاد وشيئا من شهرة .

- قد تتكرر عروض المسرحيات في الحياة ويتكرر ولادة الممثلين الفاشلين، الذين يكررون نفس فصول المسرحية ونفس الاداء الهابط ربما، وكذلك الحوار السَمِج ْ والسيناريو المكرر والفارغ من محتواه وكذلك نفس المَشاهد او المشابهة لها، ولكن ان تتكرر نفس الوجوه التي الفناها على مسرح الحياة في بدايات صعودها منذ اعوام طويلة، وهي في ذلك الزمن الذي شهد ظهورها، حيث كانت تضج طاقة للتَشّكي والارتزاق، وعنفوان عميق خافت، بانتظار الفرصة، وبعد ان سنحت تلك الفرصة، فرتعت ببحور الانحطاط والرذيلة، وغاصت بمستنقعات السمسرة والفساد الآسنة، فداهمتها شيخوخة السنين التي قاربت العشرين، بكل هذا الخراب الذي لا زال جاثما، شاهدا بكل قسوة، تعود الينا وتمثل نفس الدور، بنفس المسرحية (ونفس أدوات العرض الرخيصة) ونفس الاداء والحوار والسيناريو المكرر، لمجرد ان المخرج يريد ذلك !!

فهذا حدث طارئ وغريب وفريد في مسرح الحياة الواسع، بل هو قرار الموت البطيء لطاقمها وكوادرها وكذلك جمهورها المؤدلج والبعيد عن الوعي، بل والخارج عن سياقات اللوم والعتاب، لبعده عن سياق التفكر والتدبر والبصيرة .

منظومة فكرية بالية رثة، منهزمة من الداخل، تعيد تدوير قسمات وجوهها التي إندثرت وعفى الزمان عليها، بشيء من المكياج الفاضح، لن تقدم على مسرح الحياة ادوارا افضل على الاطلاق، مهما بلغ حجم تزيينها وترميمها وتجميلها، ما دامت تحمل نفس الروح الساكنة خلف كواليسها ودهاليزها الدفينة والمريضة نفسيا واجتماعيا .

[واذا كان المسرح هو اقصر طرق الفن للوصول الى الجمهور، ولكنه اكثر الطرق امتلاء، بالعوائق والصخور] *١ .

فما نقول عن مسارح (فن الممكن) المليئة بالابتذال والتهتك على مستوى التطبيق والتمثيل في الكم والنوع، والفشل المتكرر في الانجاز على مستوى الافراد والاحزاب، على مدى هذه الاعوام الطويلة !!

- ممثلون متصعلكون، قد ينجحون نسبيا مع شعار (جمهورهم يريد ذلك !) لكنهم يتميزون عن فئات الممثلين المحترفين المحترمين، بأنهم وجمهورهم البسيط، كالهواة الذين يلهثون وراء سراب كاذب، فهُم مشاريع تنفيذ هابطة لمن يدفع اكثر، من مؤسسات الانتاج والبرمجة والتخطيط وعلى استعداد كامل لتمثيل اي دور، مهما كان هذا الدور قبيحا ورخيصا ومهينا !!

- [ان النغمة الرديئة تولد صماء جوفاء، عاقرا عقيما يحاول الموسيقي عبثا ان يخلص منها شيئًا!!]*٢

- ومن يصِرُ على ادوار الابتذال والتهريج، هيهات يصنع وعيا او حياة، او يتقن تمثيل أدوار النجاح، مهما بالغ في التزيين والتشكيل والزخرفة !!

 

حسن عزيز الياسري

..............................

١- توفيق الحكيم، فن الادب، ص ١٤١ .

٢ - نفس المصدر، ص ١٤٤

 

 

في المثقف اليوم