آراء

كريم المظفر: بريطانيا قررت أن تصبح الخصم الرئيسي لروسيا

كريم المظفرخط سير المدمرة البريطانية HMS Defender التي دخلت البحر الأسود في 14 يونيو، وزيارة  ميناء أوديسا، في 21 يونيو جنبا إلى جنب مع السفينة البريطانية، المدمرة الأمريكية USS Laboon والفرقاطة الهولندية HNLMS Evertsen، وكذلك سفينة الإنقاذ والغوص الفرنسية ALIZE، في البحر الأسود، وتوقيع ممثلي  حكومتي بريطانيا  وأوكرانيا مذكرة بشأن البناء المشترك لثمانية زوارق صاروخية للأسطول الأوكراني وتحديث اثنتين من قواعده، قبل يومين من حادث، دخول المدمرة البريطانية المياه الإقليمية لروسيا قبالة سواحل شبه جزيرة القرم، يثبت النية البريطانية المبيتة لاستفزاز روسيا.

ويأتي الحادث قبل أيام من اعتزام سفن الناتو والدول الشريكة للكتلة بدء مناورات Sea Breeze السنوية 2021 في البحر الأسود اعتبارًا من 28 يونيو،  ويذكر أنها ستصبح الأكثر تمثيلا لكامل فترة سلوكها، وتشارك في التدريبات فرق من 32 دولة و 32 سفينة حربية و 50 طائرة ونحو 5 آلاف عسكري، كما ان  الحادث وكما روته وزارة الدفاع الروسية بدأ بخرق المدمرة البريطانية URO HMS Defender المياه الإقليمية لروسيا قبالة سواحل شبه جزيرة القرم، في 23 يونيو، التابعة للقوات البحرية البريطانية الحدود الروسية ودخلت مياهها في منطقة رأس "فيولينت" لمسافة 3 كيلومترات، وإن دورية الحدود الروسية فتحت نيراناً تحذيرية تجاهلتها المدمرة Defender، بعد ذلك، أسقطت قاذفات أسطول البحر الأسود من طراز Su-24M أربع قنابل شديدة الانفجار من طراز OFAB-250 على طول مسار السفينة الحربية الأجنبية، مما أجبرها على مغادرة المنطقة.

وجاءت المواقف الروسية هذه المرة حازمة  من حادثة اختراق المدمرة البريطانية Defender  للمياه الاقليمية الروسية، واتهمت موسكو  حكومة المملكة المتحدة بالكذب حول الحادث، فبالإضافة لاستدعاء الخارجية لسفيرة لندن وملحقها العسكري لدى موسكو شدد سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية أن القصف لن يكون تحذيريا في المرة القادمة، بل سيكون مباشرا في حال استمرار التصرفات المنافية للقوانين الدولية، في حين شدد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على أن موسكو لا تستبعد اللجوء إلى أي خيار في الدفاع عن الحدود الروسية في حال استمرار الاستفزازات.

وحذرت روسيا من أن الحوادث مثل واقعة خرق المدمرة Defender البريطانية حدودها البحرية قبالة القرم تهدد بـ"عواقب وخيمة جدا "، متعهدة باتخاذ ما يلزم من الإجراءات لضمان أمنها، وحذر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، «كل من ينتهك حدود روسيا تحت ذريعة حرية الملاحة" من القيام بمثل هذه الخطوات الاستفزازية، مؤكدا «أمن بلدنا على سلم الأولويات «، كما أكّد حق روسيا بقصف أي سفينة عسكرية أجنبية تنتهك الحدود البحرية للبلاد وقال " إذا لم ينفع ذلك فيمكننا أن نقصف، وليس خط مسار الهدف، بل والهدف نفسه، إذا لم يفهم زملاؤنا (مطالبنا)"

ولا تعترف بريطانيا وجميع دول الناتو بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم والحدود البحرية والجوية الروسية في شبه الجزيرة، ومع أن سفن الناتو وطائراته ومركباته الجوية المسيرة تقترب بانتظام منها، إلا أنها لم تعبرها قبل هذا الحاد، ومع كل اقتراب، تتم مراقبة تحركاتهم من قبل السفن والطائرات التابعة لأسطول البحر الأسود، وكذلك من قبل قوات حرس الحدود التابعة لجهاز الأمن الفدرالي.

ورغم محاولات بريطانيا إخفاء المعلومات حول الحادث ونفي الحكومة اطلاق روسيا قنابل تحذيرية تجاه المدمرة  البريطانية، قال رئيس الوزراء بوريس جونسون في أول تعليق له على الحادثة إن، المدمرة كانت تعمل بشكل قانوني، و "أعتقد أنه كان من المناسب تماما استخدام المياه الدولية"، والنقطة المهمة هي أننا لا نعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم"، ووزير البيئة البريطاني، جورج يوستيس البريطاني من جانبه أكد  إن سفن بلاده "مستعدة مرة أخرى للمرور عبر المياه المتنازع عليها حول شبه جزيرة القرم"، وأكد، عدم إطلاق سفن روسية طلقات تحذيرية على المدمرة، مشيرا إلى أن السفن الروسية كانت تجري "تمرين مدفعي" في مكان قريب، وهو "ليس من غير المألوف أن يقوم به الروس" في تلك المنطقة

وكانت في منطقة الحادث ما يصل إلى 20 طائرة روسية في الجو بالقرب من سفينتهم،  وتُظهر لقطات الفيديو للحادث التي شاركها الطرفان تحليقات جوية قريبة من قاذفات Su-24M ومقاتلات Su-30SM وطائرة Forpost بدون طيار وطائرة Be-12 البرمائية،  ومع ذلك، لا تزال لندن الرسمية تنفي استخدام القنابل الجوية من قبلهم، بعد ذلك اضطر قبطان المدمرة Defender البريطانية الى كشف تفاصيل حادثة خرق سفينته حدود روسيا البحرية، قبالة سواحل شبه جزيرة القرم،  وأكد  وينسنت أوين، لصحيفة "ديلي ميل" التي يتواجد مراسلها على متن المدمرة Defender، أن قوات للجيش الروسي أطلقت طلقات تحذيرية بعد اقتراب السفينة من سواحل القرم، على الرغم من نفي الحكومة ووزارة الدفاع البريطانيتين ذلك، وقال أوين: "اقتربت لأقرب مسافة خلال حياتي المهنية المستمرة منذ 21 عاما من سفن روسية، وأرجح أن الطلقات أطلقت من إحدى سفن خفر السواحل" الروسية، وأكد أيضا تحليق كثير من الطائرات الروسية، منها طائرة مسيرة، فوق السفينة، في حين أكد مراسل "ديلي ميل" على متن المدمرة، مارك نيكول، أن السفينة البريطانية لم تتجاوب مع المطالب الروسية المتكررة للامتناع عن خرق حدود البلاد.

الحادث وكما يبدو كان متعمدا ويهدف بالدرجة الأساس استفزاز وأصبح من الواضح أن استراتيجية الناتو في "حماستهم المعادية لروسيا" يمكنهم الذهاب بعيدًا، كما يقول نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية ألكسندر غروشكو، الذي أشار أيضا  الى ان كل التهديدات في الجنوب، هذه محاولة لفرض جدول أعمال على روسيا لا ينبغي أن يكون، والنتيجة هي إضفاء الشيطنة السياسية على روسيا، وان من وجهة نظر عسكرية، هذا  لا يسع روسيا إلا أن يقلقها  مثل أي دولة مسؤولة، يجب أن تأخذ في الاعتبار أي خيارات لتطوير الأحداث، لذلك، ستتخذ روسيا جميع التدابير العسكرية والتقنية اللازمة لضمان ضمان مصالح أمنها بشكل موثوق.

وكخطوة جوابية تعمل وزارة الدفاع على إنشاء إجراء موحد لإجراءات الطيران الروسي ضد السفن التي تنتهك حدود الدولة،  وينص على استخدام أسلحة أخف للحد من مخاطر وقوع حوادث عسكرية خطير،  ويمكن أن يكون استخدام القنابل الجوية التقليدية خطيرًا للغاية، يمكن للحطام الناجم عن الذخيرة الثقيلة أن يطير على بعد مئات الأمتار ويسبب أضرارًا غير مقصودة، وبحسب  مصادر في الإدارة العسكرية، يُقترح التخلي عن استخدام القنابل الجوية لصالح صواريخ الطائرات غير الموجهة NAR) )، وعند العمل ضد المخالفين، فإن المهمة ليست تدميرهم، ولكن منع الأعمال غير القانونية،والتي  عادة ما يتم حل هذه المهام عن طريق خدمة الحدود والدفاع الساحلي. لكن تقنيتهم ليست مصممة لتحمل السفن الحربية الكبيرة والمسلحة جيدًا.

وهنا يبرز تساؤل مهم لماذا أقدمت بريطاني على مثل هذه " الاستفزاز "؟، والجواب هو ان في  بريطانيا،باتت روسيا تعتبر "التهديد رقم واحد"، وأصدرت وزارة الدفاع في البلاد مثل هذا البيان قبل قمة مجموعة السبع التي عقدت في المملكة المتحدة في يونيو، في محاولة من  لندن توحيد حلفائها لمواجهة موسكو،وتسعى   بريطانيا نفسها جاهدة لتصبح الخصم الرئيسي لروسيا، وأشار  وزير الدفاع البريطاني بن والاس الى ان  الغواصات الروسية تزور بانتظام مياه المملكة المتحدة وتدور على طول ساحل بريطانيا العظمى بأكمله، وان موسكو نفذت  "عددًا من العمليات التي تستهدف المملكة المتحدة بشكل متعمد، وانه وخلال السنوات الثماني الماضية، سجلت بريطانيا ما لا يقل عن 150 حالة اكتشاف سفن روسية،  وألقى والاس باللوم على موسكو في تصاعد التوترات، وشدد على أن موسكو هي "العدو الذي يشكل التهديد رقم واحد، لذلك، تعتبر لندن من أولوياتها تعزيز الوجود العسكري البريطاني في البحر الأسود وبحر البلطيق، وتخطط السلطات البريطانية لجعل إحدى القضايا الرئيسية للاحتواء الجماعي لروسيا، وستعمل لندن على زيادة القدرة النووية للبلاد بأكثر من 40٪.

وبناءا على ما تقدم فان المملكة المتحدة تستخدم  روسيا كأداة، كذريعة، كمورد للتأثير على الوضع السياسي المحلي، وتوجيه التدفقات المالية، وتعزيز مكانة البلاد في العالم ككل، وكما تقول ناتاليا إريمينا، دكتوراه في العلوم السياسية، أستاذة جامعة بطرسبورغ، فان  "المباراة ضد روسيا مريحة للغاية، ولا تعاقب عليها موسكو،من خلال اتهام روسيا، يمكنك توجيه التدفقات المالية لتحديث مجموعة الأدوات العسكرية-السياسية  "، كما إن الموقف المناهض لروسيا يساعد لندن في الحفاظ على مكانة أقرب حليف لواشنطن، وبالنسبة لبريطانيا، بالنظر إلى خروجها  من الاتحاد الأوروبي، فإن هذا مهم بشكل خاص، وهي تحاول ان  تضع نفسها كدولة قوية تتخذ مواقف صارمة ومتناسقة معادية لروسيا بالمقارنة مع ألمانيا وفرنسا على سبيل المثال وتشكل جانبا من الصراع مع موسكو.

كما بدأ في المملكة المتحدة الحديث لأول مرة عن حرب المعلومات وتشكيل مركز للأمن السيبراني مناهض لروسيا، وإن دول الاتحاد الأوروبي تنظر إلى تجربة بريطانيا وتتعاون معها في هذا الشأن،  وهذا يسمح للندن باللعب في رفع مكانتها ورفع معدلات الفائدة والتمويل في هذا المجال،ووفقًا لأندريه كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي (RIAC)، كانت سياسة لندن المعادية لروسيا رد فعل إلى حد كبير على موقف إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الذي يظهر من وجهة نظر  نهجا متوازنا إلى حد ما في العلاقات مع موسكو. تبين أن مكان الخصم الرئيسي لموسكو شاغر، وليس من المريح جدًا أن تنجذب بريطانيا إلى مواجهة مع الصين، فهناك الكثير من التجارة والاستثمارات، وهذه متعة باهظة الثمن، لذلك أبدت بريطانيا استعدادها للتعاون مع بكين بكل السبل الممكنة، وتقليديا، يوجد موقف نقدي تجاه روسيا في الإجراءات الملموسة وتلك المبادرات التي تطرحها لندن الآن.

أن رد الفعل الروسي الصارم على ما حدث قد يكون محاولة لترسيم حدود صعبة، أو منع التعاون العسكري المتنامي بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، ولا سيما نشاط قوات كييف وحلف شمال الأطلسي بالقرب من الحدود البحرية الروسية، وان رد فعل الكرملين يعطي إجابة لا لبس فيها تتمثل في أن موسكو لن تتسامح مع أي تحديات للوضع الحالي لشبه جزيرة القرم، عسكرية كانت أو دبلوماسية، كما أن رد فعل روسيا  يتطابق مع الموقف الذي عبر عنه الرئيس الروسي في مقال لصحيفة "Zeit" الألمانية، حيث وصف بوتين، الناتو بأنه "من مخلفات الحرب الباردة" التي "قوضت" الأمن الأوروبي.

 

د. كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم