آراء

لازلنا نعتقد ان الكبار، الذين يقودون العالم، يعرفون كل شيء وانهم قادرون على توقّع ماسوف يحصل بدقة وان لديهم معلومات واجهزة استشعار لاتُخطيء ابداً.

هنالك الكثير من الشواهد والأحداث التاريخية التي تثبت العكس.

لكننا لانقبل باحتمال خطأ الكبار وجهلهم بكثير من الأمور، بل نقول انها مقصودة وانها مؤامرة الخ...

والا هل يُعقل انهم لايعلمون ولايعرفون مايجري؟

في بداية التسعينيات وبعد "انتصار" العراق في معركة الكويت وتدمير قوات ال ٣٣ دولة، قابلتُ في النادي الرياضي لفندق السدير، صحفي امريكي، وعندما تحدثنا عما حصل وماسوف يحصل، قال لي حرفياً:

لاتُصدّق باننا نعرف كل شيء ونفهم كل شيء ونحلل بدقة، ان لدينا اشخاص في اعلى المناصب ولكن احدهم لايستطيع ان يميّز بين انفه ومؤخرته!!

حصلت الازمة المالية عام ٢٠٠٨، وتفاجأ بها الجميع ودمَّرت الاقتصادات الغربية الكبرى، ولم يعرف أحدٌ في البداية لماذا وقعت الأزمة.

حتى انهم عادوا لدراسة الماركسية لعلهم يعثرون على تفسير لأن ماركس حلل كيفية حصول ازمات النظام الرأسمالي.

ملكة بريطانيا زارت مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية بعد ازمة العام ٢٠٠٨، واجتمعت برئيس المدرسة واساتذتها وعاتبتهم على عدم تقديم تحذير مُسبق للحكومة حول الكارثة الوشيكة.

قال لها رئيس المدرسة في كلمة نشرتها الصحف في وقتها : لقد قلنا ذلك في منشوراتنا ودراساتنا التي قمنا بنشرها، لكن الحكومة لاتصغي الينا بل الى سوق المال والى المضاربين ومدراء البنوك.. والذين يخفون الحقائق لمنافع شخصية.

ازمة كورونا، ضربت الجميع وارتبك الكبار اكثر من الصغار حتى أخذوا بمصادرة شحنات الكمامات من بعضهم البعض ومنع اللقاحات، وتدهورت اقتصاداتهم، لكننا لازلنا نصرخ انها مؤامرة !!!

القضية الاخيرة التي اثبتت خطأ حسابات الكبار، هي قضية سيطرة حركة طالبان على افغانستان بالطريقة الدراماتيكية المعروفة، وانسحاب جيوش وموظفي الدول الكبيرة بطريقة قالوا هم عنها انها مُخجِلة .

ولكن معظم الناس يقولون هذه مكيدة وانه انسحاب مرتّب ومتفق عليه!!

لأنهم يعتقدون ان الكبار لايمكن هزيمتهم !! مع ان هؤلاء الكبار توقعوا اشياء اثبتت الأحداث خطأها.

توقعوا فترة ٩٠ يوماً لوصول طالبان الى العاصمة لكنها وصلت في يومين!!

قالوا سوف نتفاوض قبل دخولهم، لكنهم دخلوا ولم يستأذنوا أحداً ..

صدقوني انهم يرتكبون افدح الاخطاء

ويستنتجون استنتاجات خاطئة ويقومون بحسابات غير واقعية، لكنهم يملكون المال والسلاح والإعلام، لذلك لايمكن لأحد اثبات اخطائهم او الاعلان عنها..

د. صلاح حزام