آراء

كفاح محمود: الناسُ تتلظى و(العجايا) تستعرض!

لقد كشفت كارثة قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية حقيقة أن الدولة لا يمكن أن تأخذ مجراها وقوتها وديمومتها بوجود مجموعات مسلحة وميليشيات مهيمنة على مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وأثبتت تلك المأساة التي راح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، في أول كارثة من نوعها بعد جريمة ملجأ العامرية أبان حرب الخليج الثانية، بأنه حان الوقت لفتح ملفات هذه المجاميع والفصائل وما تحتويه من تنظيمات ومافيات وزعامات تخفي وراء وجودها فضائح تزكم الأنوف وهي تستعرض عضلاتها بين الأهالي وتتدخل في الصغيرة والكبيرة في شؤون الدولة بما يعيق ديمومتها ويشيع الفوضى والفلتان على حساب هيبة الدولة ومكانتها. وبعد سقوط النظام بسنوات أبتلي العراق وخاصة المدن بتلك الجماعات والميليشيات والتي تتمركز في النقاط التي تدر وتنزف أموالاً كالمنافذ الحدودية والموانئ ونقاط السيطرة الثابتة والمتحركة إضافة إلى الشركات الأجنبية والمحلية والمشاريع بكل مستوياتها وتجارة الخمور والمخدرات والأسلحة، حيث تفرض على الجميع أتاوات وبدل ما يُسمى بالحماية وضرائب وتبرعات ملزمة، وهذا ما يحصل اليوم من البصرة وحتى الموصل وغرباً من ربيعة وسنجار وحتى عرعر على الحدود السعودية، حيث تنتشر مافيات مسلحة وزعامات ميليشياوية بتجهيزات عسكرية وإمكانيات لا تمتلكها الدولة تُشيع الرعب والإرهاب بين الأهالي وفي تلك المراكز لتبتز الأموال وتفرض هيمنتها على صناديق الأموال والضرائب والدخول والخروج. والعجيب أن رؤساء هذه العصابات التي شرعنت نفسها بعباءة أجهزة الدولة ومؤسساتها، يتجولون في المدن والقرى بأرتال من أحدث السيارات وبعشرات من عناصر الحماية مرتدين أزياء تشبه أزياء رعاة البقر في أمريكا، بل عن قادة تلك المافيات أطلقوا لحاهم وشعر رؤوسهم وكأنهم قراصنة البحار، علماً بأن غالبيتهم أنصاف أميين وغير متعلمين اشتروا شهادات مزورة من جامعات مشبوهة في لبنان ومصر وتركيا وإيران، وجمعوا حولهم أفواج العاطلين عن العمل برواتب مغرية على شكل أفواج وألوية بحجة الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب، وأصبحت شماعة الإرهاب واحدة من أهم وسائلهم للإيقاع بأي شخص لمجرد معارضته لهم أو وقوفه بالضد من ارتزاقهم، وهذا ما يحصل في العديد من مدن العراق الغربية والشمالية الغربية وصولاً إلى ميناء البصرة وبقية المنافذ الجنوبية والشرقية مع إيران والكويت والسعودية. لقد تحولوا بين ليلة وضحاها إلى اقطاعيات مالية ضخمة تساندهم أذرع برلمانية وتنفيذية وقضائية، وهذا ما اتضح في كوارث عديدة حصلت خلال السنوات الماضية بسبب حمايتهم للفساد المستشري في مفاصل الدولة وآخرها كارثة قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية إلى الشرق من مركز مدينة الموصل ذي الغالبية المسيحية والتي راح ضحيتها المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، حيث أشرت التحقيقات الأولية إلى تورط العديد من زعماء تلك المافيات والميليشيات بشكل أو بآخر في تلك الكوارث، بحمايتهم لأصحاب تلك المشاريع أو مالكين لها أو فاعلين رئيسيين فيها لأغراض انتخابية أو سياسية عدوانية. إن ما تقوم به هذه المجموعات وزعمائها يذكرنا بالمثل الدارج في الشعبيات العراقية (عجايا والدنيا عيد) حيث ما يزال هذا المثل يستحوذ على موقعه كأقوى توصيف لفعاليات وسلوكيات وحتى أزياء رؤساء الجماعات المسلحة والميليشيات التي انتشرت ونمت بشكل سرطاني خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد نجاح القوات العراقية والبيشمركة والتحالف الدولي في القضاء على الهيكل الإداري لتنظيمات الإرهاب التي كانت تسيطر على عدة مدن عراقية وكردستانية، وتحول هؤلاء القراصنة إلى أبطال كارتون ونمور ورقية تمثل على مسرح الانتصار على الإرهاب، بينما تقوم بأعمال لا تختلف كثيراً عما كانت تقوم به تلك التنظيمات الإرهابية إلا اللهم بفارق الزي والملابس حيث عرف عن عناصر تنظيم الدولة الزي الافغاني أو الباكستاني، بينما يرتدي أبطال الكارتون من زعماء العصابات أزياء قراصنة البحار وممثلي هوليود في أفلام رعاة البقر.

***

كفاح محمود

في المثقف اليوم