آراء

كريم المظفر: الروس يصمون آذانهم عن الاتحاد الأوربي

كريم المظفرأنهت روسيا عرسها الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية، لاختيار أعضاء مجلس الدوما الروسي (البرلمان) في دورته الثامنة، وكذلك الانتخابات البلدية المحلية، واستمرت ثلاثة أيام للفترة من 17-19 سبتمبر الجاري، بمشاركة 14 حزبا وتكتلا سياسيا واجتماعيا، نصفهم اعتادت الانتخابات البرلمانية على وجودهم في القائمة الانتخابية كحزب روسيا الموحدة والحزب الشيوعي والحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي وغيرهم. وسجلت العاصمة موسكو رقما قياسيا بعدد المصوتين فيها عبر الانترنت والتي بلغت نحو 95%، ووفقًا للمقر العام لمراقبة الانتخابات في العاصمة، فقد حدد أكثر من 1.9 مليون شخص من أصل 2.015 مليون سجلوا للتصويت، وبلغت نسبة المشاركة الاجمالية 43 % من مجموع فيها .

وهذه المرة هي الأولى التي يصوت فيها الرئيس فلاديمير بوتين الكترونيا، بدل الحضور الى مركز الاقتراع وكما جرت العادة، حيث حث الرئيس بوتين، المواطنين إلى المشاركة في التصويت الإلكتروني في الانتخابات، والتشديد على ضرورة إبداء "موقف نشط في الحياة"، وأعلن الرئيس الروسي أنه مضطر إلى الخضوع لحجر صحي ذاتي بسبب تسجيل إصابات بفيروس كورونا بين المقربين منه.

وتوزعت مقاعد البرلمان مناصفة بواقع 225 مقعداً وفقاً للقوائم الحزبية بين الأحزاب المشاركة والبالغ عددها 14 حزباً، وأخرى مثلها الى القوائم الفردية للنواب المنتخبين في دوائر انتخابية ذات ولاية واحدة، ومن بين جميع المرشحين، هناك 10 فقط لا يمثلون أي حزب سياسي، وشارك فيها حوالي 2200 مرشحا، وبحسب المراقبين، فانه لا أحد يتوقع أي مفاجآت في هذه الانتخابات، بما في ذلك مؤسسة دراسة استطلاع الرأي العام "مركز ليفادا"، المعترف بها في روسيا كـ "وكالة أجنبية"، نظراً لتمويلها من الخارج، بما في ذلك من الولايات المتحدة الأمريكية، ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي قام بها المركز في أغسطس، فإن 48% من الروس يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح، و44% يرون أنها تسير في الاتجاه الخاطئ، وتلك هي الأرقام المعتادة، مع بعض التقلبات، طوال الفترة الزمنية منذ عام 2000، بينما ارتفعت نسبة التقييمات الإيجابية بكثير لعدد من السنوات عقب عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا.

كما تسببت الصعوبات الاقتصادية المستمرة حول العالم، والمرتبطة بوباء "كوفيد-19"، في نمو مشاعر الاحتجاج لدى الروس، لكنها لا تزال عند مستوى منخفض نسبياً، وبهذا الصدد أعلن 24% ممن شملهم الاستطلاع عن استعدادهم للمشاركة في احتجاجات ذات مطالب اقتصادية، بينما عبّر 19% عن استعداداهم للخروج في احتجاجات ذات مطالب سياسية، في الوقت نفسه، انخفضت نسبة من ينتظرون احتجاجات اقتصادية من 43% إلى 26%، وهكذا، يمكن القول بأن الاستفزازات والاحتجاجات التي نظّمتها الهياكل الغربية في بداية العام، بغرض تقويض ثقة الروس بالرئيس بوتين، قد انتهت بالفشل، ولم تؤثّر بشكل ملحوظ على الوضع في البلاد.

وعلى هذه الخلفية، أجرى المركز الروسي لدراسة الرأي العام استطلاعا أظهر أن 61% من المواطنين الروس يدعمون سياسات رئيس البلاد، فلاديمير بوتين، بينما يثق به 64%، وجرى الاستطلاع عبر الهاتف من 5 إلى 15 سبتمبر الحالي، وشارك فيه 11.2 ألف شخص تفوق أعمارهم 18 سنة، وبحسب بيانات المركز، فان 61% من المستطلعين إنهم يؤيدون أنشطة الرئيس الروسي، بينما قال 28.8% أنهم لا يؤيدونه، في حين أعرب 64.1% من المشاركين في الاستبيان عن ثقتهم ببوتين، فيما قال 31.4% منهم إنهم لا يثقون به، في حين أعرب 46% من الروس عن موافقتهم على أداء الحكومة، بينما عارضها 51%، في الوقت نفسه، كان تقييم 53% ممن شملهم الاستطلاع لأداء رئيس الوزراء، ميخائيل ميشوستين، إيجابياً، مقابل 42% قيّموا أداءه سلبياً.

واستناداً لذلك، ووفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه "المركز الروسي لدراسة الرأي العام" VTsIOM، في 5 سبتمبر الجاري، فقد أبدى 29.3% ممن شملهم الاستطلاع استعدادهم للتصويت لحزب روسيا الموحدة الحاكم، وعبّر 16.6% منهم عن استعدادهم للتصويت للحزب الشيوعي، و7.8% للحزب الديمقراطي الليبرالي، و6.1% لحزب "روسيا العادلة – الوطنيون – من أجل الحقيقة"، بينما حصلت بقية الأحزاب مجتمعة على 16% من الأصوات التي شملها الاستطلاع، لكن ثلاثة منهم فقط كان لديهم نظرياً فرصة الحصول على نسبة 5% المطلوبة لدخول البرلمان، كذلك عبّر 1.9% عن اعتزامهم إبطال أصواتهم، و8.3% أعلنوا أنهم لن يشاركوا في الاقتراع، و14% وجدوا صعوبة في الإجابة.

ووفقا للتعديلات المهمة والأساسية التي أقرها مجلس الدوما الروسي في أبريل الماضي، على مشروع القانون المتعلق بمشاركة المرشحين في الانتخابات البرلمانية الروسية والذي يفرض على كل الشخصيات والأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات المقبلة التصريح عن الجهات التي تدعمها وخصوصا الهيئات والشخصيات التي تتلقى دعما ماديا خارجيا، بالإضافة إلى وضع ضوابط لعمل وسائل الإعلام الممولة خارجيا، وبحسب التعديل القانوني الجديد، سيتعين على المرشح على مقعد فردي أو ضمن لائحة حزبية وضع تعريف متعلق بوكيله وداعمه الخارجي بعد اسمه الثلاثي مباشرة، كما فرض التعديل القانوني الجديد شروطا تتعلق بتمويل الحملة الانتخابية للمرشحين المدعومين خارجيا، حيث تنص المادة أن التمويل الأجنبي يجب أن يشغل فقط 15% من التكاليف الإجمالية للحملات الانتخابية للمرشحين الغربيين، وهي تعديلات تلقاها الاتحاد الأوربي بعدم الارتياح .

وبحسب التعديل القانوني، فإن تعريف "مرشح تابع لشخص يعمل كوكيل أجنبي"شمل كل شخص عمل أو يعمل مع وكالات غير محلية وغير حكومية، بالإضافة إلى رفع السرية عن المداخيل المالية وتلقي هؤلاء أموالا من منظمات غربية وخارجية بهدف ممارسة الأنشطة السياسية، كما أتاح التعديل القانوني وضع علامات وتعريفات خاصة عن وضعها كوكيل أجنبي، ظهرت للمقترعين والمواطنين الروس خلال الدعاية الانتخابية الخاصة بهذه الشخصيات والكيانات السياسية المشاركة بالانتخابات البرلمانية الروسية.

ويتوقع المراقبون انه إذا لم تختلف نتائج الانتخابات كثيراً عن استطلاعات الرأي، فمن المرجح ألّا تتغير تركيبة الأحزاب الممثلة في البرلمان، وسيخسر الحزب الحاكم جزءاً من صلاحياته، لكنه سيحتفظ بالأغلبية، أي أن نتائج الانتخابات النيابية لن تغيّر الصورة السياسية في البلاد، وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها العالم كله، بما في ذلك روسيا، فإن غالبية المواطنين الروس يظلون مخلصين للعقد الاجتماعي، والذي يضمن بموجبه فلاديمير بوتين الاستقرار والتنمية التدريجية للبلاد مقابل الدعم الشعبي، وعلى هذه الخلفية، اعتمد البرلمان الأوروبي تقريراً يدعو إلى عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في روسيا.

الروس لم يستغربوا من التصريحات الغربية حول الانتخابات، لأنها كالعادة لم تأت بشيء جديد ، وقراره، منذ أن أعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بأنها لن ترسل مراقبيها إلى انتخابات روسيا، وقد اتخذت المنظمة القرار من تلقاء نفسها، بعد أن خفضت موسكو عدد الخبراء المسموح به، من 500 إلى 60، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة العامة أثناء جائحة كورونا، واعتبرت المنظمة أن التقييد لن يسمح للمنظمة بتنفيذ عملها بالعناية والكفاءة الواجبتين..

وبعدم الاعتراف بنتائجها، قبل وقت مبكر من اجراءها، لأنها برأي الغرب لا تتناسب والمعايير الديمقراطية الاوربية، ولأن روسيا قامت بدعوة مراقبين من عدد من المؤسسات التي تشارك فيها روسيا.. ولم تدع ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، لأن روسيا بحسب نائب رئيس مجلس الاتحاد قسطنطين كوساتشوف، ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي ولا تشارك في أنشطة البرلمان الأوروبي، لذلك ووفقا لعضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد، ألكسندر باباكوف، فانه ليس غريبا على المراقبين أن يقوم الغرب بتطوير حزمة أخرى من العقوبات ضد روسيا وهم يمهدون الطريق لذلك.

وبالطبع أيضا فان تهم الاتحاد الأوربي جاهزة للتشكيك في الانتخابات التي حضرها 249 مراقبًا وخبيرًا دوليًا من 60 دولة، ووجود كاميرات في كل مكان، وهناك فرصة لمراقبة جميع المناطق، وعبارات انه يرى (أي الاتحاد الأوربي) أن هذا التصويت سيجري في جو من الإقصاء والترهيب لمن ينتقد السلطات، ومن دون مراقبة دولية موثوقة ، كليشة اعتادت عليها روسيا عند اجراء أي ممارسة ديمقراطية انتخابية، "أما بالنسبة لاستنتاجاتهم حتى قبل التصويت، فلا جديد هنا، لأنهم فعلوا الشيء نفسه مرات عديدة على مدى 15-20 سنة الماضية، ومنها هز أنابيب الاختبار التي لم تثبت شيئا"، وفقا لقول النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما، سفيتلانا غوروفا.

ان اقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، والتي وصلت حتى كتابة هذه السطور الى حوالي 43%، ما يتجاوز رقم عام 2016 عندما كانت نسبة الإقبال عند مستوى 35.22% حسب النتائج النهائية، اعتبرها الكثيرون بمثابة رسالة الشعب الروسي الذي لم يصغ إلى تقويمات الاتحاد الأوروبي لانتخابات مجلس الدوما، واكدوا أنهم يتمتعون بالضمير الكافي ولديهم الثقافة السياسية الكافية لعدم الخضوع لمثل هذه الاستفزازات، معتبرين مثل هذه المعاملة المتعجرفة للاتحاد الأوربي بمثابة إهانة لعقلهم وقدرتهم على التفكير في المستقل.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم