آراء

علجية عيش: نشأة "الحلف المتوسطي" كان هدفه خنق الثورة الجزائرية

علجية عيشالصحراء كانت أداة استمرار الهيمنة الفرنسية على افريقيا

سعى الإستعمار الإستيطاني  إلى إقامة نظام في شمال القارة الإفريقية يكون نسخة طبق الأصل للنظام الذي أقامه " البوير" في جنوب افريقيا  وقد ذكر المؤرخ الجزائري محمد الميلي بالخطوط الأساسية التي قامت عليها الإستراتيجية الفرنسية في مواجهة ثورة نوفمبر 1954  وقال أن هذه الإستراتيجية كانت تتحكم فيها ثلاثة محاور أساسية هي: (حوض المتوسط الغربي، العمق الصحراوي الجزائري وإنكار وجود الشعب الجزائري)

 كان الإستعمار الفرنسي يرى في حوض المتوسط الغربي على أنه بحيرة فرنسية، وتحول البحر المتوسط إلى أدبيات المتمسكين  بالجزائر الفرنسية وأصبح عندهم مجرى داخلي يقطع فرنسا كما يقطع نهر السّين مدينة باريس، لكن الوضع بعد اندلاع الثورة الجزائرية لم يسمح بأن يكون حوض المتوسط الغربي بحيرة فرنسية خاصة بعد ضم البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إلى الحلف الأطلسي، ما جعل المنظرين الفرنسيين يفكرون في إنشاء  حلف متوسطي لخنق الثورة الجزائرية المسلحة، وفكرة الحلف كانت من إبداع  الإسبان عام 1952 بواسطة وزير الخارجية الإسباني أرتاخو خلال جولته عبر بلاد المشرق العربي لنشر هذا المشروع وعلى أساس البحر المتوسط تكون فرنسا قد وضعت تحت  هيمنتها  مجموع الشمال الإفريقي. 

و تشكل الصحراء محورا هاما من محاور الإستراتيجية الفرنسية، فقد أرادت فرنسا أن تشكل بحرا من الرمال فرنسي الجنسية،  بوصفها أداة  لإستمرار الهيمنة الفرنسية على افريقيا، وكانت قد أبدت فكرة منح الإستقلال للشمال الجزائري على أن يكون مفصولا عن امتداداته الصحراوية، وكما يقول المؤرخ محمد الميلي فإن التمهيد لهذه الفكرة تم على عدة مراحل وتبلورت عبر ما عرف باسم " المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية (O.C.R.S)، حيث أصبح الشمال الجزائري يُسَيَّرُ من طرف وزير خاص بالجزائر وتُسَيَّرُ الصحراء من طرف وزير يقيم في باريس وذلك في إطار مرسوم صدر في  05 نوفمبر 1957 حتى تتمكن فرنسا من غرس أجهزة التنقيب والإستخراج للثروات الباطنية واتخاذ الصحراء مركزا لتطوير الصناعات الحربية الحديثة ، ولهذا الغرض أنشات مناطق التنظيم الصناعي الإفريقي، واحدة في تندوف وهذا ما يؤكد أن تندوف جزائرية وليست مغربية، والثانية في جهة الكويف زيادة عن مركز التجارب الصاروخية الذي أنشأ في كولف بشار.

يشير محمد الميلي في تحليله التاريخي السياسي بالقول أن التحولات التي أحدثتها الثورة الجزائرية المسلحة كانت متداخلة متشابكة بفعل الطابع الخاص الذي اكتسته، إذ حطمت الحواجز وأحدثت شرخًا في الجبهة الإستعمارية،  جاء هذا الشرخ بعد الخطاب الذي ألقاه منديس فرانس رئيس الحكومة آنذاك وشروعه في إدخال تغيرات على الخط الإستعماري القديم، كانت البداية بإعلانه استقلال تو نس وتسليمها للحزب الدستوري الجديد وهذا كما يقول  فرانسوا كيليس نائب وهران يدلُّ على أن سياسة منديس فرانس إرهابية وقد اقام منديس فرانس الدليل على أن الإرهاب ياتي بالنتيجة، لأن تسليم تونس للحزب الدستوري الجديد جاء في وقت كانت المفاوضات  التونسية الفرنسية تتعثر بسبب الضغط الذي  كان يمثله الجناح الراديكالي في الحزب الدستوري والعمليات التي كان يقوم بها الثوار التونسيون في الجنوب، ودون الدخول في التفاصيل حول الدوافع التي اجبرت  2700 ثائر تونسي  على الإستسلام وإلقاء اسلحتهم وعودتهم إلى منازلهم في وقت ظل الإرهاب الفرنسي يقوم بعمليات إرهابية، فلم  تمض سنة على قيام الثورة الجزائرية المسلحة حتى سقطت حكومة منديس فرانس ، في حين استمرت الثورة الجزائرية وأحرزت نجاحا على كل الأصعدة السياسية والعسكرية وتمكنت من كسب المزيد من الأنصار، وأثار هذا النجاح تخوّف باريس  من قيام جبهة كفاح مسلحة على مستوى مجموع المغرب العربي.

فالثورة الجزائري كانت تمثل عنصر ضغط أو عامل تفجير الأجهزة الإستعمارية ليس على الصعيد الداخلي فقط وإنما على الصعيد الخارجي من خلال التعريف بالقضية الجزائرية والعمل على جمع السلاح والحصول على الدعم السياسي لجبهة التحرير الوطني،  وفك عنها سياج العزلة الدولية التي فرضته فرنسا بقطع عنها المدد، خاصة بالنسبة لمصر الناصرية، وكانت ردود فعل حكومة غي مولي بالعدوان الثلاثي على مصر، ثم أن إعلان استقلال تونس والمغرب كان لصالح فرنسا  للقضاء على الثورة الجزائرين، حيث قامت بزرع عساكرها وضباطها  داخل التراب المغربي وداخل التراب التونسي موزعين على قواعد جوية، وقد ذكر محمد الميلي بالأرقام عدد المشاة والدرك وسلاح الطيران الفرنسي لإٌستعماله ضد جيس التحرير الوطني (الجزائري) كما استخدمت فرنسا مطار وجدة العسكري في توجيه عمليات الطيران لضرب الغرب الجزائري، وقد سجل الملك المغربي محمد الخامس التناقض الموجود بين استقلال المغرب وبقاء واستمرار الوجود العسكري الفرنسي لأن هذا من شأنه أن يفشل مشروع الوحدة المغربية.

أما لاكوست فقد تعثر حلمه في القضاء على الثورة الجزائرية وإقامة نظام جدسد في الجزائر لن يكون له نظير في العالم، والواقع وكما يقول المؤرخ الجزائري محمد الميلي  فإن حلم لاكوست كان نتاج مقترح تونس والمغرب  الناص على أن حل المشكلة الجزائرية ينبغي ان يكون في إطار مغرب - عربي - فرنسي،  واقترحلحبيب بورقيبة مجموعة فرنسية لشمال افريقيا تربط دول المغرب العربي بفرنسا بحكم أن المغرب العربي مرتبط بفرنسا جغرافيا، اقتصاديا وثقافيا، إلا أن الطرف الفرنسي كان يريد أن يغلب الطابع الفرنسي على الطابع المغربي العربي،  ربما تكون هذه المقترحات من بين الأخطاء التي وقعت، والتي ادت إلى فشل مشروع وحدة المغرب العربي، التي دعت إليها فصائل الحركة الوطنية في الشمال الإفريقي ولقيت صدى عميقا لدى الجزائريين  منذ تاسيس نجم شمال افريقيا من أجل تحرير البلدان الثلاثة  ومن أجل وحدة الشمال الإفريقي،  في هذا الوقت بالذات كانت جبهة التحرير الوطني تصر على استقلالية القرار الجزائري، وهذا الموقف الجزائري اكسب الثورة الجزائرية احتراما لدى الأنظمة بعدما دعت إلى عقد لقاء سمي بقمّة الرباط.

و  باختصار فقد أحدث ثورة التحرير الجزائرية المسلحة عدة تطورات في المنطقة منذ 1954 حتى انعقاد مؤتمر طنجة الذي كان رد فعل ملائم على التحدي الإستعماري  حيث أدى إلى التعجيل بسقوط الجمهورية الرابعة، واستدعاء الجنرال ديغول إلى الحكم ، وقد رأى هذا الأخير  الذي عرف برجل 18 جوان ومهندس الجمهورية الخامسة، أن قرارات مؤتمر طنجة لا تخدم المشروع الفرنسي، حيث وضع استراتيجية جديدة تختلف عن الإستراتيجيات التي وضعها من سبقوه لمواجهة الوضع الجديد بعد مؤتمر طنجة، إلا أن المغرب وتونس أكذت على احترامها لقرارات المءتمر والتضمن مع الثورة الجزائرية، فجاءت ندوة تونس المنعقدة من 17 إلى 20 جوان 1958   لمناقشة تنفيذ مقررات طنجة، وإيجاد تسوية سلمية لحرب الجزائر تقوم على اقتناع الحكومة الفرنسية باستقلال الجزائر،  لكن الندوة لم تنجح لأن النقاش انتقل من الإطار الحزبي إلى الإطار الحكومي، أما الجانب الجزائري فقد كان تشكيل الحكومة المؤقتة بات أكثر من ضروري لإيجاد مخرجا لكل المشاكل التي كامت تواجه جبهة التحرير الوطني وتكون بمثابة الإنطلاقة لمرحلة جديدة من عمر الثورة الجزائرية.

 

قراءة علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم