آراء

كريم المظفر: موسكو لن تسمح بكسر "التكافؤ الإستراتيجي"

كريم المظفرعلى ما يبدو أن  جولات الحوار التي أقرها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والامريكي جو بايدن خلال لقاءهما الاول في يونيو الماضي،  للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي وتجنب خروج التوتر بين موسكو وواشنطن عن السيطرة، لم تأتي أوكولها بعد، حيث  تمضي الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات تصعيدية على الأرض، تحذر موسكو من تداعياتها..

ولم تكتفي الولايات المتحدة بالمطالبة بعودة خمسة وخمسين دبلوماسياً روسياً إلى بلادهم، بل أرسلت الولايات المتحدة مدمرة "بورتر" الصاروخية إلى مياه البحر الأسود بالتزامن مع اتهامات من الخارجية الروسية لها بمحاولة دفع دول حلف الناتو المطلة على البحر الأسود لانتهاج سياسات صدامية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفي أحدث أجتماع له مع قادة وزارة الدفاع و كذلك المجمع الصناعي العسكري الروسي في البلاد،  حذر فيه  من خطط واشنطن لنشر صواريخَ متوسطةِ المدى في أوروبا، والإشارة الى أنها تُمثل تهديدا لروسيا وسيتم التعامل معه بالشكل المناسب.

استعداد موسكو للرد المناسب على محاولات كسر التوازن الاستراتيجي اليوم، أولاً وقبل كل شيء، وكما يراها الرئيس الروسي سيتم النظر فيها  من خلال  مجموعة من القضايا المتعلقة بتعزيز قوات الفضاء، وهذه هي واحدة من أقوى مكونات الجيش الروسي الحديث وذات التقنية العالية والقدرة على المناورة، حيث  تعتمد الحماية الموثوقة لروسيا من الهجمات الفضائية والحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي بشكل مباشر على استعدادها القتالي ومعداتها التقنية، حيث  يحاول الغرب " كسر هذا التكافؤ "، بما في ذلك عن طريق نشر عناصر من دفاع صاروخي عالمي في المنطقة المجاورة مباشرة للحدود الروسية، وهذه التهديدات لأمن روسيا تقول موسكو انها سترد  بشكل مناسب وكاف على الوضع.

وتؤكد روسيا أن قدرات القوات المسلحة لديها  في مجال الدفاع الجوي قد زادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة  وبالتالي، فإن نظام الإنذار بالهجوم الصاروخي يعمل بشكل واضح وفعال،  بكل من مكوناته - الكوكبة المدارية للأقمار الصناعية والرادارات الأرضية [محطات الرادار] - مضمونة للكشف عن إطلاق الصواريخ الباليستية، وتحديد معالمها في الوقت المناسب، وإخطار مراكز القيادة والتحكم للقوات، ويشير الرئيس بوتين الى انه في إطار برنامج التسلح الحكومي، على مدى السنوات الأربع الماضية، تم تسليم 25 نظامًا صاروخيًا مضادًا للطائرات من طراز S-400 وأكثر من 70 مقاتلة حديثة، وتم تحديث أكثر من 20 مجمعًا من طراز S-300 و 90 طائرة، ونتيجة لذلك، زادت فعالية تغطية أهم [كائنات] البنية التحتية العسكرية والصناعية بشكل كبير.

الكثافة المتزايدة لرحلات طيران الناتو بالقرب من روسيا، وظهور سفن الحلف بأسلحة صاروخية موجهة في مياه بحر البلطيق والبحر الأسود، ودخول  سفينة أمريكية البحر الأسود – يمكن النظر إليها من خلال مناظير أو من خلال نطاق أنظمة الدفاع المقابلة، كما أن هناك خططًا معروفة للجميع من قبل الولايات المتحدة لنشر صواريخ متوسطة المدى في أوروبا، مما يشكل أيضًا خطرًا وتهديدًا كبيرًا على روسيا التي تشدد  على انها بحاجة إلى زيادة تحسين نظام الدفاع الجوي، والذي يرتبط  ارتباطًا مباشرًا بالتطوير في الدول الرائدة لوسائل هجوم واعدة و ذات خصائص عالية السرعة،  لذلك، ووفقًا لقرارات سابقة، وكما يوضح الرئيس الروسي،  في السنوات المقبلة، سيزود الجيش وبشكل أضافي بأكثر من 200 طائرة و 26 نظامًا صاروخيًا مضادًا للطائرات من طراز S-350 و S-400، بالإضافة إلى عينة الإنتاج الأولى أو عينات الإنتاج الأولى من أحدث S-500 نظام الصواريخ المضادة للطائرات، وبشكل عام، ستسمح المعدلات الحالية لإعادة تسليح الدفاع الجوي - قوات الدفاع الصاروخي في مطلع 2025-2027 برفع حصة الأسلحة والمعدات الحديثة هنا إلى 80 بالمائة على الأقل.

والمهمة الأخرى البالغة الأهمية  بالنسبة لروسيا هي تزويد البحرية الروسية بالمعدات والأسلحة الحديثة، فعلى  مدى السنوات الأربع الماضية، ضمت البحرية 49 سفينة وزورقًا قتاليًا جديدًا، وتسعة أنظمة صواريخ ساحلية، وعشر طائرات، وتنفيذ برنامج تحديث الأسطول باستمرار،  وبشكل عام، بحلول عام 2027، يجب أن يتجاوز مستوى معداتها بالأسلحة الحديثة 70 بالمائة، في وقت شارف تشكيل المجموعات الضاربة البحرية العاملة في المنطقة البحرية القريبة من الاكتمال، والآن يتم بناء وتحديث أكثر من 30 منهم، بما في ذلك فئة جديدة - سفن برمائية عالمية.

في الوقت نفسه، ووفقا للرئيس الروسي فانه ينبغي إيلاء اهتمام خاص لتطوير نظام مركزي للتحكم في الدفاع الجوي، والدمج في مساحة معلومات واحدة للأنظمة الفرعية للاستطلاع والوقاية من الهجمات الفضائية، ونشر الأصول الفضائية المتقدمة. يجب أن يكتشف نظام الدفاع الجوي المحدث الأهداف فوق الصوتية والباليستية من جميع الأنواع في نطاقات طويلة، ثم يكون قادرًا على تدميرها على طول مسار الرحلة بأكمله، بالإضافة إلى ذلك، تحتاج مؤسسات الصناعة الدفاعية إلى زيادة وتيرة تطوير الأسلحة الحديثة للدفاع الجوي، في وقت قصير لتأسيس إنتاجها التسلسلي باستخدام قاعدة العناصر المحلية.

في الجانب المقابل فإن تصريحات الرئيس الروسي جاءت متزامنة مع أعلان  القيادة الاستراتيجية (ستراتكوم) للقوات المسلحة الأمريكية في الاول من نوفمبر الجاري، بدء التمرين السنوي للقيادة والسيطرة النووية وتمرين غلوبال ثاندر 22 الميداني، حسبما ذكرت ستراتكوم في بيان لها، يوضح  فيه أن  هذه التمارين توفر فرصة للتدريب في جميع مجالات مهمة القيادة، مع التركيز بشكل خاص على "جاهزية القوات النووية"، وسيقيم التمرين قدرة مكونات STRATCOM الفردية على ردع وإجراء عمليات مشتركة في حالة حدوث عدوان محتمل ضد الولايات المتحدة أو أحد حلفائها، وستطبق في هذه التمارين  تجربة العمليات العالمية بالتنسيق مع المجموعات القتالية الأخرى والخدمات والوكالات الحكومية الأمريكية المشتركة من أجل ردع واكتشاف وصد الهجمات الإستراتيجية ضد الولايات المتحدة وحلفائها إذا لزم الأمر .

كما بدأ مقر الأسطول السادس للبحرية الأمريكية وقوات الضرب والدعم البحري التابعة لحلف الناتو عملياتها في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. دخلت المدمرة الصاروخية يو إس إس بورتر البحر الأسود، وبدأت قوات ووسائل أسطول البحر الأسود الروسي في مراقبة تحركاته، وأنضمت في  وقت لاحق السفينة الرائدة في الأسطول السادس الأمريكي يو إس إس ماونت ويتني إلى المدمرة.

الكريملين لم ينفي أو يؤكد  ما نشرته  وسائل الاعلام الغربية ومنها  النسخة الأمريكية "بوليتيكو" التي نشرت صور أقمار صناعية،  تظهر فيها  انتشار الجيش الروسي "على الحدود مع أوكرانيا" - في منطقة سمولينسك، غير المحاذية لأوكرانيا، وتراكم  الوحدات المدرعة والمدفعية والمشاة الروسية  في المنطقة، وتصريحات  المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إن الولايات المتحدة تراقب الوضع على الحدود بين روسيا وأوكرانيا فيما يتعلق بتقارير عن "نشاط غير عادي" لروسيا الاتحادية، وأعراب  كييف ودول غربية مؤخرًا عن قلقها إزاء التصعيد المزعوم لـ "الأعمال العدوانية" من قبل روسيا بالقرب من حدود أوكرانيا، إلا أن  السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف شدد على إن روسيا تنقل قواتها داخل أراضيها ووفقًا لتقديرها الخاص،  وعلى حد قوله فإن هذا لا يهدد أحدا ولا يجب أن يقلق أحدا.

إكمال وزارة الدفاع سلسلة من التدريبات، كاختبار إمكانية إعادة الانتشار السريع لأنظمة الصواريخ الساحلية الفريدة من نوعها Bal and Bastion على مسافة مئات وآلاف الكيلومترات، ونشر  في إحدى المراحل، رجال قذائف من بحر البلطيق بسرعة في منطقتي مورمانسك وأرخانجيلسك، والتدريب على صد  جنبًا إلى جنب مع وحدات الأسطول الشمالي، هجمات محاكية للعدو، والعمل على إمكانية تعزيز أسطول المحيط الهادئ بأنظمة صواريخ من بحر البلطيق، واجراء عدة تدريبات بمشاركة وحدات أنظمة الصواريخ الساحلية بال وباستيون (BRK) وعلى نقلها من جزء من البلاد إلى آخر، باستخدام السفن والمركبات البرية وطائرات النقل العسكرية لنقل القوات، خلص المراقبون العسكريون الروس، على ان هذه التدريبات،  تجبر بلا شك الغربيون على التردد في أختبار إمكانيات الجيش الروسي في مناطق عديدة وبالاخص منها حوض البحر الأسود، وبالتالي فإن الإستفزازات التي يقوم بها الجيش الأوكراني في دونباس، لن تتعدى حاجز "الاستفزازات"  لجر روسيا الى العمل العسكري في المنطقة .

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم