آراء

محمود محمد علي: لماذا رفض شيخ الأزهر "الدين الإبراهيمي الجدبد"؟

محمود محمد عليالديانات السماوية تسمى الديانات الإبراهيمية، نسبة إلى سيدنا إبراهيم أبى البشر، والذى تعترف به الأديان الثلاثة، والديانة المستحدثة أُطلق عليها "الديانة الإبراهيمية الجديدة" تخفيًّا ويُقال تيمُّنًا؛ وهذه الديانة تمثل مصطلح وافد من الغرب جرى إطلاقُه فى القرن التاسع عشر؛ حيث بدأ منذ 1811 الحديث عن "الميثاق الإبراهيمى" الذى يجمع بين المؤمنين فى الغرب، وذلك قبل أن يتحوّل اسمُ إبراهيم إلى اصطلاح بحثيٍّ لدى المؤرّخين فى الخمسينيات من القرن العشرين، رسّخه "لويس ماسينيون" فى مقالة نشرها عام 1949 تحت عنوان: "الصلوات الثلاث لإبراهيم، أبِ كلِّ المؤمنين".

وتقفز بنا الأحداث إلى عشر سنوات مضت كما يقول سعيد الخولي بعد أن أصيبت مسارات ثورات الربيع العربى بالتباين من بلد لآخر واشتعال إوار ما سمى بالإسلام السياسى ووصوله للحكم، حيث اختارت الدبلوماسية الأمريكية مسارا جديدا لها فى التعامل مع هذه المنطقة من العالم؛ فلجأت أمريكا نيابة عن إسرائيل لما سمى بالدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمى على يد وزيرة خارجيتها هيلارى كلينتون فى رئاسة باراك أوباما الذى تبنى منذ خطابه بجامعة القاهرة مقولة "نحن أبناء إبراهيم"، إنها كلمة السر فيما يجرى ويتم تنفيذه ليتحول الأمر فى النهاية إلى ما يطلقون عليه "الدين الإبراهيمى الجديد" وهو البوتقة التى سيصهرون فيها الديانات السماوية: اليهودية والمسيحية والإسلام فى خليط ومزيج يصنعون منه ديانة مشتركة يتم فرضها على نطاق إسرائيل الكبرى الذى أطلقوا عليه: «مسار إبراهيم» يعنون به مسار سيدنا إبراهيم ما بين تركيا والعراق وفلسطين ومصر وصولا إلى مكة والبيت الحرام.

وقد بدأت الدبلوماسية الروحية فى الإدارة الأمريكية رسميا عام 2013 على يد "هيلارى كلينتون" التى أنشأت فى وزارة الخارجية الأمريكية إدارة خاصة بفريق خاص يضم 100عضو نصفهم رجال دين من الديانات الثلاث يعملون جنبا إلى جنب مع الدبلوماسيين فى الوزارة.

ولم تمت الدبلوماسية الروحية بذهاب أوباما ووزيرة خارجيته التى تبنتها، بل استمرت فى إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" والذى قال "بومبيو" وزير خارجيته فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة يوم 19 يناير 2019 "إننا جميعا أبناء إبراهيم"، وظهرت موجة متقطعة من جانب دوائر فكرية أمريكية أبرزها معهد بيس آيلاندز، اتخذت من دعوتها لبلدان عربية للتطبيع مع إسرائيل، منفذًا للدعوة إلى توحيد الأديان السماوية تحت دين واحد يسمى "الدين الإبراهيمي الجديد".

ويظهر من خلال الدعوات للدين الإبراهيمي الجديد، نوايا سياسية خفية أو معلنة عند البعض ترتكز في أساسها على التطبيع الكلي الذي تسعى إليه إسرائيل مع البلاد العربية، وتعتبر جمعية "اللقاء بين الأديان" أو ما تعرف اختصارًا بـ (I I I) الجهة الداعمة بشكل رئيسي لتلك الديانة الموحدة والتي تسعى لتأسيس دولة واحدة تحت عقيدة واحدة تجمع كل شعوب المنطقة.

ولما كانت مصر بلد إسلامي، ينص قانونه ودستوره على أن الإسلام دين الدولة، وأن الشريعة الغراء هي المصدر الرئيسي للتشريع؛ وهو ما يجسده رفض مؤسسات الدولة للمحاولات البائسة التي تحاول النيل – ولن تستطيع بإذن الله – من عقيدة المصريين ودينهم؛ إذ أبدى كل من الأزهر الشريف ومجلس النواب، رفضهم التام لما يسمى بـ "الدين الإبراهيمي الجديد" الذي يدعو إلى الامتزاج بين الأديان السماوية واعتبارها دينا واحدا، بدعوى أنه اجتماع حول الإنسانية لا العقيدة، بحسب زعمهم

والأزهر باعتباره المؤسسة الدينية الأكبر، فقد أعلن على لسان شيخه الدكتور "أحمد الطيب"، رفضه التام لتلك الدعوات التي تطالب بامتزاج الإسلام والمسيحية، وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكلٍّ منهما"، مؤكدا أنها دعوات لا تفرق شيئا عن دعاوى العولمة أو نهاية التاريخ، بل إنها دعوة فيها من أضغاث الأحلام، تحاول سلب الإنسان حرية الاعتقاد والإيمان.

وأكد الطيب أن الدعوة إن الدعوة للدين الإبراهيمي الجديد هي محاولة الخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصري في أن يعيش في أمن وسلام واستقرار، الخلط بين هذا التآخي وبين امتزاج هذين الدينين، وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكل منهما، خاصة في ظل التوجهات التي تُنادي بالإبراهيمية أو الدين الإبراهيمي، وما تطمح إليه هذه التوجيهات فيما يبدو من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالة واحدة أو دين واحد يجتمع عليه الناس، ويخلصهم من بوائق النزاعات والصراعات التي تؤدي إلى إزهاق الأرواح وإراقة الدماء والحروب المسلحة بين الناس، بل بين أبناء الدين الواحد والمؤمنين بعقيدة واحدة.

كما أشار إلى أن هذه الدعوة، مثلها مثل دعوة العولمة، ونهاية التاريخ، والأخلاق العالمية وغيرها، وإن كانت تبدو في ظاهر أمرها كأنها دعوة إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته، إلَّا إنها هي نفسَها، دعوةٌ إلى مُصادرة أغلى ما يمتلكُه بنو الإنسانِ وهو حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار، وكلُّ ذلك مِمَّا ضمنته الأديان، وأكَّدت عليه في نصوص صريحة واضحة، ثم هي دعوةٌ فيها من أضغاث الأحلام أضعافَ أضعافِ ما فيها من الإدراك الصحيح لحقائق الأمور وطبائعها.

ويستطرد فضيلة الإمام الأكبر، فيقول:" إن ما يسمى بـ "الدين الإبراهيمي" ليس فيها من الإدراك الصحيح لحقائق الأمور وطبائعها، وأنَّ اجتماع الخلق على دِينٍ واحدٍ أو رسالةٍ سماوية واحدة أمرٌ مستحيل، وكيف لا، واختلافُ الناس، اختلافًا جذريًّا، في ألوانهم وعقائدهم، وعقولهم ولغاتهم، بل في بصمات أصابعِهم وأعينِهم.. كلُّ ذلك حقيقةٌ تاريخية وعلمية، وقبل ذلك هي حقيقة قُرآنية أكَّدها القرآن الكريم ونصَّ على أنَّ الله خلق الناس ليكونوا مختلفين، وأنه لو شاء أن يخلقهم على مِلَّةٍ واحدة أو لونٍ واحد أو لغةٍ واحدة أو إدراك واحد لفعَل، لكنه -تعالى- لم يشأ ذلك، وشاء اختلافَهم وتوزُّعَهم على أديان ولغات وألوان وأجناس شتى لا تُعد ولا تُحصى.

ثم بيَّن الدكتور الطيب أن هذا الاختلاف باقٍ ومستمر في الناس إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: 118]، كما بيَّن الله تعالى أنَّه كما خلَقَ المؤمنين من عبادِه، خلَقَ منهم الكافرين أيضًا، يقول الله تعالى في أوائل سورة التغابن: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التغابن: 2].

وأضاف فضيلة الإمام الأكبر، أن الأزهر والكنائس المصرية، أسسوا بيت العائلة استشعارًا لواجب المؤسسات الدينيَّة في المشاركة في الجهود الوطنيَّة والأمنيَّة والسياسيَّة التي تبذلُها الدولة لدحرِ هذا المخطط اللَّعين، وحمايةِ الوطن، والمواطنين من تداعياته التي تُغذيها، وترعاها، قوًى خارجية بالتنسيق مع قوًى داخليَّةٍ، وبعدَ ما بات من الواضح أنَّ هدف الجميع هو سقوطُ مصرَ فيما سقطت فيه دولٌ عربية كبرى وصغرى من صراعاتٍ أهلية مُسلَّحة، لا تزال أخبارها البالغةُ السُّوء تَتصدَّر الأنباء المحلية والدولية حتى هذه اللحظة.

إذن يتضح لنا من كلمة فضيلة الأمام الأكبر أنه قضي على الشكوك التي تثار للخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصري في أن يعيشَ في أمنٍ وسلامٍ واستقرارٍ، الخلطُ بين هذا التآخي وبين امتزاج هذين الدِّينين، وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكلٍّ منهما، وبخاصة في ظل التوجُّهات التي تدعي أنه يمكن أن يكون هناك دين واحد يسمي  -بـ«الإبراهيمية»- أو الدين الإبراهيمي وما تطمحُ إليه هذه الدعوات –فيما يبدو– من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالةٍ واحدة أو دِين واحد يجتمعُ عليه الناس، ويُخلصهم من بوائق النزاعات، والصراعات التي تُؤدي إلى إزهاق الأرواح وإراقة الدماء والحروب المسلحة بين الناس، بل بين أبناء الدِّين الواحد، والمؤمنين بعقيدةٍ واحدة.

لا شك في أن الدعوة إلى الديانة الإبراهيمية تخالف طبيعة المصريين الذين لا يوجد علاقة بينهم وبين التشدد أو التعصب أو الإرهاب، وذلك لأن المجتمع المصري معروف بقيمه النبيلة التي تتسم بالتسامح والسلام والود وقبول الآخر، لا توجد صراعات أو تعصب بين فئات المجتمع، لذلك فإن هذه الدعوة بعيدة عن المجتمع المصري.

علاوة علي أن الدولة تتصدى للأفكار المتطرفة التي تؤدي للفتن، وتعمل اللجنة الدينية على المحافظة على وحدة مصر وتقدمها بأطيافها كافة، ويتم مناقشة الملفات التي تنبذ التطرف والإرهاب وألفة المجتمع ووحدته وتقدمه والدعوة دائما إلى الوسطية والاعتدال؛ وفي ذات نجد أيضا المجتمع المصري لا يعرف الإرهاب ولا التعصب ولا التشدد نهائيًا، ومحب للرسول "صلى الله عليه وسلم" وآل بيته، ولا يمكن تصور أن يعود في يوم من الأيام هذا الإرهاب الأسود الأعمى الذي ابتلينا به سابقًا، في الوقت الحالي في ظل عهد القيادة الحكيمة للبلاد، التي تسعى دائمًا لتقدم البلاد.

ولذلك ليس غريبا علينا أن يخرج علبنا للمرة الأولى فضيلة شيخ الزهر - إمام السُّنة وشيخ الأزهر والعمامة الكبرى، ويعطينا من خلال كلمته مثل هذا الرفض المعتبر، الذى يضع الأديان فى موقعها الصحيح من المعادلات السياسية التى تموج بها المنطقة، وتتدثر برداء دينى ذى قشرة تسامحية وأخوية، ووراء الأكمة، كما يقولون، ما وراءها من تطبيع عابر للحدود والديانات سماوية وأرضية، ما يسمى التطبيع الدينى مع الدولة العبرية!

إن رسالة الإمام السياسية مهمة لوضع النقاط فوق الحروف، فالإخاء والأخوة والتسامح والمواطنة لا تعنى ذوبان الأديان فى بعضها البعض، فلكل دين خصوصيته، «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَايَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» (١١٨/ هود).

كذلك إشارة فضيلته البليغة كاشفة للرسالة الظاهرية لتلك المراكز البحثية، التى تعتمد على فكرة شيطانية خبيثة بأن «الأديان» هى السبب الرئيسى والجوهرى لإشعال أشد الصراعات عنفًا على مر العصور؛ والسبب عدم تقبُّل الآخر بسبب عدم فهم نصوص ديانته.

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.............

هوامش:

1- حمدي رزق: رسالة الإمام الأكبر، مقال النسخة الورقية بالمصري اليوم،   العدد: 6356 .

2- لؤى على ـ حسام الشقويرى: شيخ الأزهر: الدعوة لدين موحد تحت مسمى الدين الإبراهيمى مصادرة لحرية الاعتقاد.. مقال باليوم السابع، منشور يوم الإثنين، 08 نوفمبر 2021 12:20 م.

3- لمياء شاهين: ما هو الدين الإبراهيمي الجديد الذي رفضه الأزهر والكنيسة؟.. مقال منشور بوابة مولانا، أنظر الرابط: https://mwlana.com/138338

4- سعيد الخولي: إنهم يدعون لدين جديد، بواية أخبار اليوم المصرية، مقال منشور يوم الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021 - 06:51 م.

 

 

 

في المثقف اليوم