آراء

محمود محمد علي: أشرف مروان.. عميل إسرائيلي أم آخر شهداء حرب أكتوبر 1973 (1)

محمود محمد عليأشرف مروان هو عميل إسرائيلي أم آخر شهداء حرب أكتوبر 1973 جدل يتجدد بشأن رجل الأعمال والسياسي المصري " أشرف مروان" بعد مرور أكثر من أحد عشر عاماً لرحيله في الغرب ؛ فعلي مشارف الذكري الخامسة والأربعين لحرب أكتوبر جددت إسرائيل الجدل القديم بإفراجها عما قالت بأن برقية التحذير الرسمية التي ارسلها رئيس الموساد الإسرائيلي آنذاك " زامير" بعد لقاءه بأشرف مروان في الخامس من أكتوبر عشية الحرب، حيث أطلعه الأخير عبى ساعة الصفر، معيدة التأكيد على أن مروان كان جاسوسا لديها يساوي وزنه ذهباً كما يقول الإسرائيليون .

وبالتزامن مع إعلان الوثيقة ينطلق الفيلم الإسرائيلي "الملاك" الذي يعتمد على رواية إسرائيلية بشأن مروان الذي تقول دوائر استخباراتية إسرائيلية أنه كان نصرا نادراً في عالم الجاسوسية، لا يتكرر إلا كل ألف عام .

كان مروان صهرا للرئيس الراحل " جمال عبد الناصر"، تزوج ابنته مني منذ منتصف الستينات واقترب منذاك من دوائر الحكم سواء في عهد صهره أم في عهد خلفه الرئيس السادات، ورغم ما بين الرئيسين من تباين في السياسات، إلا أن مصاهرة مروان لعبد الناصر لم تمنعه إلى النفاذ السريع من قلب السادات ومكتبه .

وبينما يشيع الإسرائيليون تجنيدهم لمروان يصر الجانب المصري إلى أنه كان عميلاً مزدوجاً، عمل لصالح بلاده، وساهم في خطة الخداع الاستراتيجي إبان حرب أكتوبر إبان عام 1973، لكن مآلات تلك الحرب نفسها لا تحسم الجدل، بل تُبقي تساؤلات برأي مراقبين عن دور مروان المعلوماتي في تلك الفترة،وهل استخدمه السادات فعلا في تطهير العدو، أم استخدمه ذلك العدو في تخريج الحرب لنتائجها وتحويلها من حرب تحرير إلى حرب تحريك كما أُطلق عليها لاحقاً .

كُرم أشرف مروان عقب الحرب مباشرة ومُنح وسام رفيعاً، ثم أشاد به مبارك بعد عقوداً إبان مصرعه المثير للجدل عام 2007م .

وكما اكتنف الغموض حياة أشرف مروان فقد أسدل حجبا كثيفة لم تتكشف بعد عن حادص مصرعه في السابع من يونيو – حزيران عام 2007م بالعاصمة البريطانية .

ودعونا نشرح لكم تفاصيل مصرعه ؛ ففي يوم غائم ليس كعادته في لندن – عاصمة الصباب تحديدا يوم الأربعاء السابع والعشرين من يونيو –حزيران عام 2007 في تمام الساعة الواحدة والنصف، بينما كانت السماء تضج بأصوات الطائرات المراقبة لتوني بلير – رئيس وزراء بريطانيا آنذاك وهو في طريقه لقصر بيكنج هام لتقديم استقالته للملكة صُعق أحد المارة بمنظر جثة هامدة بالحديقة المجاورة لمنزل "كارتن هاوس" القريب من "بيكاديلي سكوير" – أحد أهم الأماكن بلندن حيث يقع قصر الملكة .

بعدها بقليل ابتدأ المكان بالعمال السريين ورجال الشرطة وسيارات الإسعاف، تأكد رجال الشرطة أن الشخص الذي سقط قد فارق الحياة، وتعرفوا علي شخصيته، إنه المصري الدكتور " أشرف مروان" –صهر الرئيس جمال عبد الناصر وسكرتير المعلومات الخاص بالرئيس السادات ورجل الأعمال الشهير، أصيب الجميع بالصدمة التي لم تتضح تفاصيلها بعد، وما إذا كان الأمر عملية انتحار، أم أنه جريمة قتل، أم مجرد حادث ماساوي، ليضاف أسم " أشرف مروان" إلى جوار سابقيه من المصريين الذين لقوا حتفهم بنفس الطريقة وفي نفس المدينة، من أمثال (اللواء الليثي ناصف قائد الحرس المصري الجمهوري السابق، والممثلة سعاد حسني) .. استوقفتنا القضية وقررنا البحث في أدق تفاصيلها، فنحن أمام شخصية حامت حولها الشبهات، فقد وقعت الحادثة بعد اسبوعين فقط من صدور حكم قضائي بإحدى محاكم إسرائيل يؤكد عمل الدكتور " اشرف مروان" كجاسوس لصالح إسرائيل .

بين الانتحار والاغتيال تأرجحت تحقيقات الأمن والقضاء البريطانيين وانتهي الأمر إلى بقاء الأمر معلقاًُ لعام 2010، حيث بدأت التحقيقات للتعرف علي الإجراءات والخطوات المتبعة في التحقيق في مثل هذه الحوادث بالدولة التي وقعت على أرضها الحادثة، فذهبنا إلى لندن، لمقابلة المحامي والمستشار القانوني بلندن السيد " أمجد سلوفاكي" .

وقد جاء في تقرير الطب الشرعي بوجود مضادات الاكتئاب في آثار دم مروان، وتدهور حالته الصحية، مما عزز فرضية الانتحار، وهو ما أكدته نتائج تحقيق البحث الجنائي الذي شُكل من شرطة Scotland Yard برئاسة المحقق "تولمن"، لتخرج الرواية الرسمية الأولي والتي تؤكد عدم وجود شبهة جنائية، فكان علينا أن نختبر مصداقية تلك الرواية لدي القريبين من " اشرف مروان" والمتخصصين في متابعة مثل تلك القضايا .

وذكر أحد الصحفيين ويدعي "كيرس بلاك هيرست Chris Blackhurst"، في مقال له بالاندبندنت في مقال له بعنوان" This Wheeler –dealer would be the last to kill himself، أي " هذه الداهية آخر من يقتل نفسه"، والذي كانت تربطه صداقة علاقة مع الدكتور مروان ، والذي لم يصدق بصدق برواية انتحار "أشرف مروان، حيث قال:" هناك شئ وربما شيئان أعرفهما عن مروان، الأول أنه شخص مغرور، وأنا لا أظن أن المغرورين يقتلون أنفسهم، فهذا ليس شائعا، والأمر الأخر هو أنه كان شخصا موسوساً، لا اعتقد أنه يترك عملا بدون أن ينهيه .. ليس واضحا أنه ترك رسالة أو شيئا من هذا القبيل، وإلا كنت عرفت، فأنا لا أصدق أن هذا الاحتمال صحيح .

أما عن أسرة " أشرف مروان" فقد ذكرت وثائق ويكليكس المسربة لحديث للسدية مني عبد الناصر – زوجة " أشرف مروان"، فقد ذكرت أثناء التحقيقات أنه لم يتحدث من قبل عن فكرة الانتحار، لكنها تخشي أنه مات مقتولا"" .

لم تقتنع أسرة مروان ولا أصدقائه المقربون بنتيجة التحقيق، ورفضوا فكرة أن الرجل أنه أنهى حياته منتحرا، وجاءت الجمعية العمومية لأتحاد المصريين بلندن، لتؤكد نفس القناعة، ليعاد فتح التحقيق مرة أخري .

كان " أشرف مروان" وحيدا في شقته قبل أن يُشاهد وهو ملقي من إحدى الشرفات، وكانت زوجته السيدة " مني عبد الناصر" في بيروت وولده جمال وأحمد بالقاهرة، ولم يكن ثمة شهود من أسرة " أشرف مروان" لديهم إجابة قاطعة عما حدث في تلك اللحظات، وانتهي الأمر بحكم مفتوح، حيث خلص الطبيب الشرعي في الثاني عشر من يوليو عام 2010 إلى أنه لم يكن ثم دليل على أي نية للانتحار، لكن المفارقة فيما أصافه، وبكل تأكيد ليس هناك دليل علي مزاعم أن " أشرف مروان" قد أُغتيل .

وهنا ازدادت القضية غموضا بدلا من أن تتضح معالمها، لكن نفس الذي يسيطر علينا وهو: من السبب في " أشرف مروان" لم يعد علي قيد الحياة؟

وهنا وجدنا في إحدى وثائق ويكليكس المسربة والخاصة بالسدية مني عبد الناصر، حيث ورد في تلك الوثائق أنها ذكرت للمراسلين خارج المحكمة بأنها لا تزال تؤمن بأن هناك لعبة خارج القانون في هذا الأمر .

ونفس الشئ حدث للسيدة مني عبد الناصر وذلك في تصريح لها في إحدى وسائل الإعلام تقول فيه إن مروان بدا في أيامه الأخيرة يدرك أن هناك خطرا يهدد حياته، وا،ه أصبح قلقا علي غير عادته، واخبرها أن هناك من يريدون قتله دون أن يحدد جهة بعينها .

وقد فتحت هذه التصريحات أماك كثير من المهتمين بأمر قضية أشرف مروان، وذلك بالحث عن هؤلاء الذين كانوا يطن مروان أنهم يهددون حياته ويريدون قتله، حيث ذكر الباحث محمد عبد النور وهو باحث في التحقيقات الدولية، حيث أكد أن أشرف مرون كان له أعداء كثيرين، وعلي رأسها المخابرات الإسرائيلية، فضلا عن عملاء وسماسرة تجارة السلاح الذين تعامل معهم أشرف مروان وخصوصا فيما يتعلق بصفقات التسليح للمملكة العربية السعودية وليبيا .

بعد سماع الشهادات أصبح واضحا أن هناك صلات جهات أصبحت تمثل خطرا وتهديدا علي حياة أشرف مروان: الأولي:علاقاته الغامضة بأجهزة الاستخبارات، وأما الثانية: فهي تعاملاته في تجارة السلاح، واما الثالثة صفقاته التجارية المتعددة، وهنا في هذه الورقة علينا أن نسر خلف كل خيط من هذه الخيوط لمحاولة كشف غموض مقتل أشرف مرون!.... وللحديث بقية..

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة اسيوط

..............................

مراجع المقال

1- الحصاد - أشرف مروان عميل لإسرائيل أم بطل مصري .. قناة الجزيرة .. يوتيوب.

2- نهايات غامضة- كيف انتهت حياة أشرف مروان في لندن؟.. قناة الجزيرة .. يوتيوب.

 

في المثقف اليوم