آراء

كريم المظفر: موسكو تحذر وكييف تنشد التصعيد

كريم المظفرتأكيد وزارة الخارجية الروسية من أن "التصرفات غير المسئولة" للغرب في إطار ملف أوكرانيا، بأنها تثير مخاطر عسكرية كبيرة قد تصل إلى نشوب نزاع واسع النطاق في أوروبا، وهذا يستدعي تنفيذ أحد أتفاقات اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن (عبر الفيديو) في السابع من ديسمبر الجاري، وهو أعراب الرئيس الأميركي، عن استعداد الولايات المتحدة "لإقامة حوار جاد حول القضايا المتعلقة بضمان أمن الاتحاد الروسي"، لذلك، فان روسيا تشدد على ضرورة حادة لمثل هذا الحوار اليوم، مع استمرار العلاقات بين روسيا والغرب بشكل عام بالتدهور حيث وصلت إلى خط خطير.

والتحذير الروسي الجديد ناجم عن تزايد "تفسيرات حرة مختلفة للمواقف الروسية " خلال الأيام الأخيرة، مبنية على تأجيج المواجهة معها، وهو ما اعتبرته موسكو بأنه (أمر غير مقبول على الإطلاق)، وكذريعة لذلك يجري استخدام الوضع في أوكرانيا، حيث " اتخذ الغرب مسارا نحو تشجيع معاداة روسيا وحماية إجراءات النظام في كييف لعرقلة اتفاقات مينسك والتحضير لسيناريو القوة في دونباس".

وتوضح موسكو أنه بدلا من " كبح جماح عملائها الأوكرانيين " وكما وصفتهم الخارجية الروسية، إلا أن دول الناتو تدفع كييف لاتخاذ خطوات عدوانية، لذلك فإنه لا توجد طريقة أخرى لتفسير التدريبات غير المجدولة المتكررة للولايات المتحدة وحلفائها في البحر الأسود، وتنفيذ طائرات الدول الأعضاء في الناتو، بما في ذلك القاذفات الإستراتيجية، دوريا تحليقات استفزازية ومناورات خطيرة بالقرب من حدود روسيا، كما يستمر التمركز العسكري في أراضي أوكرانيا، وضخ البلاد بالأسلحة، وأوضحت الخارجية الروسية أن الغرب اتبع نهجا "لجر أوكرانيا إلى الناتو، وهو أمر محفوف بظهور أنظمة صاروخية ضاربة بالقدرة على الوصول إلى وسط روسيا بأقل وقت وغيرها من الأسلحة المزعزعة للاستقرار".

أن مثل هذه التصرفات كما تعبر عنها روسيا " بالغير المسئولة " تخلق تهديدات غير مقبولة لأمنها، وتثير مخاطر عسكرية كبيرة بالنسبة إلى جميع الأطراف المعنية قد تصل حتى إلى نزاع واسع النطاق في أوروبا، واتهمت الناتو بانتهاك التزاماته تجاه روسيا والتوسع إلى الشرق، وطالبت بإعلان الحلف رسميا القرار الصادر عام 2008 حول السعي إلى ضم أوكرانيا وجورجيا في قوامه باطلا باعتباره معارضا لمبدأ دول منظمة والأمن والتهاون في أوروبا المتمثل في "عدم تعزيز أمنها على حساب أمن الآخرين"، ودعت الوزارة الحلف إلى إصدار تعهد رسمي بعدم نشره أسلحة في البلدان المتاخمة لروسيا بما قد يهدد أمنها.

وتتهم موسكو الغرب بمواصلة عسكرة أوكرانيا عبر مدِها بالأسلحة والمقاتلين بدعوى أنهم مدربون، وتؤكد فشل مجموعة السبع في تحمل مسؤولية أخطائِها بشأن أوكرانيا، وتشير إلى أن الدول الغربية ترسل إلى أوكرانيا "مقاتلين بدعوى أنهم مدربون" عسكريون، ويتم ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا، ويدور الحديث عن توريدات مباشرة وعقود مستقبلية وكما ترون تبلغ قيمتها الإجمالية الكثير من المليارات، كما يدور الحديث عن نقل مقاتلين إلى هناك بدعوى أنهم "مدربون"

دول "مجموعة السبعة " (G7) بدورها لم تردد في تحذير روسيا من أنها ستواجه "تبعات وخيمة" وستدفع ذلك " الثمن الغالي " دون تحديد مواصفاته في حال شنها أي هجوم على أوكرانيا، حتى باتت هذه الكلمة تستهوي جميع المسئولين الغربيين وقادة الناتو، ويذكرونها بكل مناسبة، وان لم يتعلق الأمر بروسيا، وقال وزراء الخارجية لدول "G7"، التي تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان، في بيان أصدروه عقب اجتماع في ليفربول: "يجب ألا تكون لدى روسيا أي شكوك في أن أي عدوان عسكري لاحق على أوكرانيا سيؤدي إلى تبعات وخيمة وثمن غال"، ودعا البيان الطرف الروسي إلى "خفض التصعيد" مع أوكرانيا و"الالتزام بالتعهدات الدولية في ما يخص شفافية الأنشطة العسكرية"، واستخدام القنوات الدبلوماسية.

في المقابل أعتبرت روسيا أن بلدان مجموعة السبع الكبار (G7) أظهرت عجزها في تحمل المسؤولية عن أخطائها، بما في ذلك فيما يخص الوضع في أوكرانيا، ودعت بلدان G7 روسيا وأوكرانيا للعودة إلى طاولة المفاوضات، وبذلك اعترفت بعجزها في تحمل المسؤولية عن أخطائها الخاصة، وأشارت إلى أن عدد مثل هذه الأخطاء التي ارتكبتها بلدان G7 كبير، وبينها التدخل في الشؤون الداخلية الأوكرانية الذي أدى إلى الانقسام المميت في المجتمع، والتحكم اليدوي في عمليات تغيير السلطة الذي أدى إلى انقلاب مناهض للدستور، وعدم الرغبة في التأثير على كييف والعمل معها من أجل تنفيذ اتفاقيات مينسك التي كانت تعطي أملا في تحويل النزاع الأوكراني الداخلي إلى مجرى المفاوضات، وتحميل روسيا المسؤولية عن أخطائها، وشددت في الوقت نفسه على أنه "لا يجب إحضار روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات، بل يجب إحضار أوكرانيا وأوكرانيا"، وتقصد بذلك سلطات أوكرانيا والقسم الآخر من أوكرانيا (منطقة دونباس، كان وصفت موسكو، إجراءات الحلف بأنها تعد انتهاكا لالتزاماته تجاه روسيا والتوسع إلى الشرق، لذلك تطالبه ( أي الحلف) باعتبار القرار الصادر عام 2008 حول السعي إلى ضم أوكرانيا وجورجيا مستقبلا في قوامه باطلا، وباعتباره معارضا لمبدأ دول منظمة الأمن والتهاون في أوروبا المتمثل في "عدم تعزيز أمنها على حساب أمن الآخرين".

أما الأمين العام للناتو ينس ستولتنبيرغ وبدوره المعروف، رفض المطالب الروسية بإعلان قرار العمل على انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف باطلا، وقال ستولتنبيرغ، مع المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتس: "نحن مستعدون للجلوس حول طاولة المفاوضات مع روسيا لكننا غير جاهزين للتخلي عن حق الدول في الانضمام إلى الحلف "، والتأكيد على موقف الحلف الثابت تجاه هذه المسألة .. والمستند برأيه على المبدأ الذي ينص على أن لكل دولة الحق في اختيار سبيلها... بما في ذلك الإجراءات الأمنية التي تريد أن تكون جزءا منها، والتذكير من أن العلاقات مع أوكرانيا والناتو سيقررها الحلفاء الـ30 في الناتو وأوكرانيا نفسها وليس أحد آخر، ولا يمكن أن " نوافق " على سعي روسيا إلى إعادة النظام الذي تمتلك فيه قوى كبرى مثل روسيا قطاعات نفوذ حيث يمكنها أن تملي وتقرر ماذا سيفعله الآخرون، وجدد الأمين العام للناتو تهديده لروسيا بأنها "ستدفع ثمنا" في حال "شنها أي عدوان" على أوكرانيا.

وفي تطور مفاجئ ليس بالجديد، قال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إنه لا يستبعد إجراء استفتاء على دونباس، وكذلك مفاوضات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال زيلينسكي إنه بفضل الولايات المتحدة، قد تظهر منصة أخرى للمفاوضات مع روسيا، حيث يمكن مناقشة قضية "إنهاء الحرب، وأنه لا يستبعد إجراء استفتاء على دونباس بشكل عام،، مضيفا " هذه ليست مسألة مكانة، ويمكن أن نحصل على هذا في الحياة، ويمكن أن يكون عن دونباس، القرم، وربما عن إنهاء الحرب بشكل عام".

وبسبب موقفه المعارض لمجموعة "مينسك" ورغبته الشديدة في ضم الولايات المتحدة إلى قوام أي مجموعة تفاوضية، فإن الرئيس الأوكراني، يعتقد بأنه قد تظهر منصة أخرى للمفاوضات مع روسيا بفضل الولايات المتحدة، وأشار إلى أن هناك "لحظة جراحية حساسة للغاية هنا، وهي كيف لا نفقد "الشكل النورماندي"، لأنه بدون بناء أي شيء، يمكنك تدمير ما هو موجود، ومن المهم جدًا ألا نخسر، لأن [الرئيس الفرنسي إيمانويل] ماكرون مهتم به بذلك "، بالإضافة إلى ذلك، لم يستبعد زيلينسكي إمكانية إجراء مفاوضات مباشرة مع بوتين قريبًا قال رئيس أوكرانيا: "أرى دعمًا لهذا الاتجاه من شركائنا الأوروبيين والولايات المتحدة".

وكما هو معروف فإن مسألة عقد اجتماع محتمل بين رئيسي روسيا وأوكرانيا بدأت للنقاش في الربيع الماضي، بعد إعلان زيلينسكي استعداده للقاء بوتين "في أي مكان في دونباس الأوكراني" من أجل منع تصعيد الصراع في المنطقة، وردا على ذلك، دعا بوتين زيلينسكي للحضور إلى موسكو في 26 أبريل، وقال زيلينسكي إنه مستعد لعقد اجتماع "في أي مكان"، وفي 1 سبتمبر، قال سكرتيره الصحفي، سيرغي نيكيفوروف، إن كييف مستعدة للتفاوض "في أي وقت"، في حين أعلن السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف في مايو الماضي إن الاتصالات بشأن اجتماع محتمل تجري بمشاركة نائب رئيس الإدارة الرئاسية، ديمتري كوزاك، لكن حتى الآن كل هذا مجرد "مخطط افتراضي".

وجادل الكرملين بأن تنظيم الاجتماع تعرقل بسبب فشل كييف في الامتثال لاتفاقيات مينسك وعدم الوفاء، من وجهة نظر موسكو، وفي 2 سبتمبر، قال بيسكوف إن لقاء بين بوتين و زيلينسكي هذا العام يكاد يكون ممكنًا، وأشار إلى أن المفاوضات يجب أن تكون مستعدة بشكل جيد، وبحسبه، من حيث الإعداد، هناك مشاكل في تحديد مواضيع للنقاش، وقال المتحدث "يصر فلاديمير زيلينسكي دائمًا على مناقشة شبه جزيرة القرم، والرئيس بوتين ليس جاهزًا إلى هذا الحد، لكن لا توجد مواد للنقاش".

وفي محاولة تأجيج المشاعر العدائية تجاه روسيا، قلل وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف من أهمية إستراتيجية الناتو تجاه روسيا، والتي برأيه لا تجلب "النتائج المطلوبة "، وأضاف أن هذه الإستراتيجية قد فشلت للمرة الأولى عام 2008، عندما تدخلت روسيا، بحسب قوله، في النزاع المسلح في أوسيتيا الجنوبية بعد ما منعت ألمانيا وفرنسا حصول جورجيا على العضوية في حلف الناتو، ومن هذا المنظور انتقد ريزنيكوف رفض السلطات الألمانية توريد أسلحة لأوكرانيا، مشيرا إلى إنهم يواصلون بناء أنبوب السيل الشمالي 2 وفي الوقت نفسه يرفضون توريد أسلحة دفاعية لنا.. إنه ظلم كبير"، في حين وصف وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا قرار الحكومة الألمانية هذا بالسياسي، مشيرا إلى أنه لا يوجد شيء في التشريعات الألمانية يعرقل توريد أسلحة دفاعية لأوكرانيا.

روسيا ترى ان التساهل الغربي مع نهج كييف الهادف إلى تعطيل اتفاقية مينسك بشأن تسوية النزاع في منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا، وتحمل بعض الدول الغربية التي تورد أسلحة لأوكرانيا وتجري مناورات غير صديقة إزاء روسيا في البحر الأسود المسؤولية عن تفاقم الوضع في دونباس.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم