تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

فرانز فانون: الكفاح التضامني للبلدان الافريقية

محمد وليد قرينبقلم: فرانز فانون

ترجمة: محمد وليد قرين


 تقديم المترجم:

عيّنت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (بقيادة فرحات عبّاس) المفكر الثوري والمناضل في جبهة التحرير الوطني فرانز فانون ممثّلا رسميا لها في الشؤون الإفريقية.  كانت البعثة الجزائرية المشاركة في مؤتمر الشعوب الافريقية تتكون من خمسة أعضاء في جبهة التحرير الوطني، من بينهم المحامي والرجل السياسي أحمد بومنجل الذي ألقى مداخلة أيضا في تلك المناسبة.  

هذه المقالة عبارة عن مداخلة ألقاها المفكر والمناضل الثوري الجزائري فرانز فانون في مؤتمر الشعوب الافريقية، المنعقد في أكرا عاصمة غانا، من 8 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 1958. كانت غانا بقيادة كوامي نكروما Kwame N’Krumah، المفكر والسياسي الثوري ووزيرها الأول، البلد المستضيف واحتلت قضية الجزائر المجاهدة والمقاومة مكانة هامة في المؤتمر. يذكّر فانون في مقالته هذه بانخراط الثورة الجزائرية في حركة تحرر كل الشعوب الافريقية وبضرورة اتحاد البلدان الافريقية حتى تنجح في طرد كل أشكال الاستعمار من أراضيها. لا يزال هذا النص يحتفظ براهنيته اليوم في سياق المساعي الاستعمارية الحالية للكيان الصهيوني في افريقيا ومحاولته تدمير الوحدة الافريقية.

شاركت في مؤتمر الشعوب الافريقية وفود افريقية كثيرة أهمها من الجمهورية العربية المتحدة، تونس، الكونغو البلجيكي، كينيا، ايثيوبيا، التوغو، غينيا، نيجيريا والكامرون. من أهم شعارات المؤتمر " افريقيا يجب أن تتحرّر "، "لتسقط الامبريالية والاستعمار في افريقيا".

هذا هو نص فرانز فانون:

إنّ هذا المؤتمر الذي يمنحنا فرصة الالتقاء وعرض المواقف الملموسة التي يتبناها وينخرط فيها كل واحد منا،  يمثّل تاريخا هاما في الكفاح ضد الهيمنة الاستعمارية.

يجب أن نحاول أثناء أشغال المؤتمر، إنشاء أشكال ديناميكية من الكفاح القادرة على إحباط مناورات خصم لا يريد الانسحاب بسهولة وبساطة من إفريقيا، ولا ينبغي أن يشك أحد في هذا.

إن السمة الأساسية لحركة التحرير الأفريقية هي أنها تتموقع منذ البداية على المستوى الدولي، إذ أن أفريقيا تعيش تحت وطأة ونير الطرف الأجنبي وتتسم مصالح الإمبريالية بتضامن عضوي.

صحيح أنه ثمة تناقضات جمة بين القوى الاستعمارية ، ولكن يجب ألا ننسى أبدا أن استغلال هذه التناقضات يجب أن يظل تكتيكيا من دون التغيير إطلاقا في استراتيجية تحرير القارة. يجب أن نوافق على البحث عن تحالفات تكتيكية مع قوى استعمارية ذات مصالح متناقضة لكي نضعفها، مع مراعاتنا بعدم مساس هذه التحالفات بمواقفنا المذهبية.

من واجب كل أفريقي أن يعي أنه منخرط في كفاح تحرير القارة، ويجب أن يكون قادرا على الاستجابة جسديّا لدعوة هذه الأرض أو تلك.

من واجب كل حزب افريقي أنّ يطوّر الوعي الافريقي لشعبه. نرى أنّه من المستحيل أن نمارس سياسة مساومة خاصة مع القوى الاستعمارية، بمّا أنّنا نواجه المساعي الامبريالية الشديدة. لا يجب عزل الكفاح الوطني عن الكفاح الافريقي.  وإذا ما انفتح هذا الانشقاق في استراتيجية الكفاح الشاملة فسنشهد عودة المنظومة الاستعمارية أو تغيُّرا في شكلها، أو عملية تمويه سحرية وحينها سيبقى الحاجز الامبريالي قائما فوق الأرض الافريقية.

يجب أن تقترن الإرادة الوطنية في افريقيا اليوم بإرادة تحرير افريقيا. فكل دعاية وكل شعار وكل نداء مُوجّه إلى الجماهير يجب أن يذكر في المقام الأول الكفاح من أجل تحرير افريقيا.

من المستحيل أن يكون الجزائري جزائريّا حقّا إذا لم يشعر في أعماق أعماقه بالمأساة التي لا توصف والتي تجري حاليا في مناطق روديزيا* أو في أنغولا.

إنّ معارضة الإفريقي للاستعمار لا يمكن حصرها في اتخاذ موقف أخلاقي، إذ أنّ كل افريقي هو جندي يكافح ضد الاستعمار ونحن ندرك جيّدا أننا، في بعض الحالات، لا نملك خيار استعمال الأسلحة. فمعارضة الافريقي للاستعمار هو معارضة الاستعمار بالكفاح وليس جزءا من الوعي الاثني- يجب أن يتعوّد الاستعماريون البلجيكيون والإنجليز أو الفرنسيون على أن يعتبروا كل افريقي عدوّا لدودا لسيطرتهم في افريقيا. 

إنّ الجزائري، في الكفاح الذي يخوضه منذ أكثر من أربعة سنوات ضد جيش يبلغ تعداده قرابة المليون جندي، قد عزز في آن واحد وعيه الوطني والبعد الافريقي لوجوده.

إنّ البنيان الاستعماري برمّته في افريقيا يشعر في أعماق أعماقه بالهزّات الارتدادية للحرب في الجزائر، وظهرت الابتكارات السياسية الفرنسية في باقي افريقيا تحت وقع ضغط الحرب في الجزائر، ونقصد بالضبط إصدار القانون الإطاري والإنشاء الحديث لجامعة الدول التي اقترحت في لحظات استبصارية محدّدة احتمال فتح جبهة مسلحة في الأراضي الواقعة تحت سيطرة فرنسية.

إنّ الشعب الجزائري يكافح من أجل تحرير إفريقيا وهو يساهم مع الشعوب الأخرى لطرد الاستعمار من قارتنا. إن إفريقيا تشن حربا على الاستعمار ولقد نفد صبرها. ومن واجب البلدان الافريقية أن تنخرط في نهج الاتحاد في الكفاح لأن العدو قوي للغاية ولا يزال يملك عديد الامكانيات للمناورة. فمن واجب البلدان الافريقية أن تتوحد لأن الامبريالية من جهتها تعزز مواقعها وتكشف عن وجوهها الجديدة وعن أشكال جديدة للحفاظ على هيمنتها.

 

ترجمة: محمد وليد قرين، قاص جزائري وأستاذ في الترجمة بجامعة الجزائر

......................

العنوان في الأصل:  le combat solidaire des pays africains

مصدر المقالة: جريدة المجاهد، لسان حال جبهة التحرير الوطني الجزائرية، العدد 34، بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 1958.

*روديزيا Rhodesia: كان الاسم الذي يُطلق على زامبيا وزيمبابوي المستعمرتين آنذاك من قبل الانجليز. (ملاحظة المترجم)

 

في المثقف اليوم