آراء

مزهر جبر الساعدي: القضية الفلسطينية: حلول تكتظ بالاستفهامات والاسئلة

الاجتماع أو المؤتمر بين دول الخليج العربي وأمريكا، الذي انتهى في الثامن من يونيو 2023؛ صدر عنه بيان مشترك خليجي أمريكي. في هذا البيان تمت دعوة إيران إلى التجاوب مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والإشادة بإعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى ملفات أخرى تطرق لها البيان. المؤتمر في حد ذاته يؤكد أن العلاقات بين أمريكا ودول الخليج العربي، لم تزل تستند إلى قواعد قوية وراسخة وإن شابها في الفترة الأخيرة بعض الفتور وبالذات بين أمريكا بايدن والمملكة العربية السعودية.

كما أن ملف التطبيع مع إسرائيل، وإن لم يتطرق له البيان، إلا أنه كان في صلب هذه المؤتمر؛ استنادا إلى التصريحات الصحافية لوزيري خارجية السعودية وأمريكا. وزير الخارجية السعودي في المؤتمر الصحافي مع نظيره الأمريكي؛ وصف التطبيع مع إسرائيل بأنه مهم ومفيد جدا لجميع دول المنطقة، لكن لا يمكن لهذا التطبيع أن يتحول إلى واقع، إلا بإيجاد طريق سلمي لحل قضية الشعب الفلسطيني، ومسار لحل الدولتين، ولم يقل إقامة دولة ذات سيادة للفلسطينيين، بل مسارا لحل الدولتين.. ولم يذكر الوزير السعودي؛ المبادرة العربية، وهي مبادرة سعودية وضعها المرحوم الملك عبدالله؛ كقاعدة وأساس لا حياد عنهما في وضع حل للصراع العربي الإسرائيلي.

البيان الخليجي الأمريكي أشار إلى عملية التطبيع العربي مع النظام السوري؛ مبينا أن على النظام السوري أن يفي بالالتزامات التي تعهد بها، كشرط للتطبيع العربي معه وأضاف، خطوة مقابل خطوة. ما هي هذه الالتزامات؟ لم يقلها، أو لم يكشف عنها، ما يجعل المتابع العربي؛ يطرح الأسئلة عن هذه الالتزامات المطلوبة داخل ملف مغلق بإحكام. من الجانب الثاني وصف الوزير السعودي البرنامج النووي السلمي السعودي؛ بأنه ليس سرا، بل هو معروف للجميع، وأن السعودية ترغب بالعمل على هذا البرنامج مع الشركاء الأمريكيين. كما أن العلاقات الاقتصادية مع الصين ستشهد تطورا، إضافة إلى الشراكة مع الشريك الأمريكي، التي لم تزل قوية حتى الآن. وهي إشارة واضحة، وإن لم يفصح الوزير عنها بما فيه الكفاية؛ إلى أنها رهينة بتطورات المستقبل. المملكة العربية السعودية عازمة على تطوير برنامج نووي سلمي، بدورة وقود كاملة، أي أنها هي من تعمل على إنتاج دورة الوقود النووي، كي يكون في مستوى البرنامج النووي الإيراني، الذي تطور كثيرا مؤخرا، هنا نقطة الخلاف الأمريكي السعودي، حسبما تداولته مؤخرا الصحافة، سواء الروسية أو غيرها. الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لتطوير برنامج نووي سعودي، أسوة بالبرنامج النووي الإماراتي، إنما بإشراف أمريكي، ودورة الوقود النووي أمريكية، وهذا ما ترفضه المملكة العربية السعودية. المسؤولون السعوديون يدركون جيدا؛ تأثير اللوبيات اليهودية على صناعة القرار في أمريكا، بالإضافة إلى دول أخرى في الغرب، وحتى في روسيا؛ لذلك تعمل السعودية على تهدئة مجموعات الضغط هذه، منظمة إيباك مثلا؛ بالتجسير بين حافتي؛ الاطمئنان الإسرائيلي إلى أمنها، الذي تريد له أن يكون مستداما، والخوف من المجهول وتقلبات الزمان؛ بالتطبيع في المستقبل القريب مع إسرائيل، إنما بشروط ومقايضات.. السعودية تريد من أمريكا بايدن التي تعمل كما يقول وزير خارجيتها؛ على التسريع بعملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل؛ إقامة أو العمل مع السعودية على تطوير برنامج نووي سلمي بدورة وقود كاملة مع الشريك الأمريكي، وإن امتنعت ستكون المملكة مضطرة إلى الاستعانة بالصين في هذا المجال، أو روسيا. كما أن الشرط الثاني لهذا التطبيع هو تزويد أو بيع السعودية طائرات أمريكية متطورة، أف 35. من السابق لأوانه التنبؤ بالاتفاق أو عدمه بينهما. ومن وجهة نظري أن أمريكا بايدن لن ترضخ للمطالب أو الشروط السعودية، إنما ستستمر بالضغط على الجانب السعودي، حتى يطبع مع إسرائيل. وزير خارجية أمريكا بعد انتهاء المؤتمر الأمريكي الخليجي، وبعد اجتماعه مع الأمير محمد بن سلمان؛ اتصل بنتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، حسب موقع أكسيوس الأمريكي، وأبلغ الاول الأخير ما دار بينه وبين الأمير محمد بن سلمان حول عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وأن أمريكا ملتزمة بأمن إسرائيل. كما أن عملية التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة العربية، حسب الموقع أعلاه؛ ستفتح مجالات رحبة وواسعة أمام التطور الإسرائيلي والاندماج في المنطقة. الأمير محمد بن سلمان يتقن اللعبة تماما؛ باستخدام جميع أوراق الضغط التي هي في حوزة السعودية في مجال الطاقة وغيرها، وقد استخدمها فعلا في الأشهر الأخيرة؛ في كسر الإرادة الأمريكية الحالية، بالتعاون الفعال في حقل الطاقة، في سوق النفط، إنتاجا وتسعيرا مع روسيا؛ ونجح بدرجة كبيرة جدا. في النهاية ستكون هناك عملية تطبيع بين السعودية وإسرائيل. في الوقت ذاته وفي تزامن، ربما؛ ستتم الاستعانة بالصين لتطوير برنامج نووي سعودي، بدل الاستعانة بروسيا، وكذلك في تطوير القدرات السعودية في إنتاج الصواريخ وفي غيره. على الرغم من أن إسرائيل لا ترغب في أن تطور السعودية، أو اي دولة أخرى في الخليج العربي، أو في المنطقة العربية عموما؛ قدراتها العسكرية والعلمية، لكنها مع هذا ومع عملية التطبيع معها ستكون مضطرة إلى المجاراة أو الصمت، أو الاعتراض الخافت الخجول، في أكثر التوقعات حدوثا كردود فعل إسرائيلية على التوجه السعودي أو العربي بشكل عام في تطوير القدرات العسكرية والنووية والعلمية؛ لأنها تعلم أن التطبيع ينهي آفاق تهديد وجودها مستقبلا؛ ما يجعل خشيتها من تطورات المستقبل تتراجع بالكامل، أو في أعلى درجات الخوف؛ يكون اعتراضها ضعيفا، بما لا يشكل حاجزا أو مطبات على طريق التوجه العسكري والعلمي السعودي على جميع صعد التطور والتمكَين. إنها لعبة على حساب الشعب الفلسطيني، وإن قيل خلاف هذا، مهما كانت قوته، لا يغير من الواقع أمرا صار مقضيا، من وجهة نظر وتخطيط هؤلاء اللاعبين، وليس لجهة الواقع الموضوعي، الذي تتحكم في مخارجه ومداخله إرادة الشعب الفلسطيني، الذي لم يتخلَ عن ثوابت وطنيته، وتمسكه بأرضه، خلال أكثر من ثلاثة أرباع القرن وإلى الآن. الصحافة العربية والصحافة العبرية، نقلت في اليوم ذاته، الذي أعلن فيه البيان الأمريكي الخليجي؛ عن اجتماع بين الفصائل الفلسطينية، لتتدارس في القاهرة عمن يكون بديل السيد عباس رئيس السلطة الفلسطينية، والبديل كما نقلت هذه الصحافة هو محمد دحلان، رئيس التيار الإصلاحي داخل حركة فتح. لأن السيد عباس رئيس السلطة الفلسطينية، فقد شرعيته منذ عام 2009، فلم تجر انتخابات. حجتها في ترشيح السيد محمد دحلان هو انه يتمتع بعلاقات جيدة داخل فلسطين وفي المحيط العربي والخارجي، إضافة، كما تقول الصحافة إنه قادر على إدارة التفاوض مع إسرائيل، بسبب المقبولية التي يتمتع بها في إسرائيل؛ كشريك تفاوضي مقبول لديها. وكأن إسرائيل لم تتفاوض مع الفلسطينيين خلال أكثر من ثلاثة عقود منذ اتفاقات أوسلو، ولم يتم الاتفاق على إقامة دولة فلسطين، على العكس من هذا؛ تم ابتلاع القسم الأكبر من الضفة الغربية بالمستوطنات، في الحقيقة أن جميع اتفاقات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل؛ مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، كانت تتضمن التعهد أو الالتزام الإسرائيلي مقابل التطبيع معها؛ على التفاوض مع الفلسطينيين على الطريقة التي بها يتم أو تنتهي بإقامة دولة لهم، ولكنها لم تكن أكثر من عملية تخدير ليس إلا، هدف التخطيط الإسرائيلي منها؛ استثمار الزمن لصالح توسعها الاستيطاني، وأقصد هنا ابتلاع كل القدس، والجزء الاهم من الضفة الغربية الذي تتوافر فيه؛ المياه الجوفية. هذه التحركات تطرح الكثير من علامات الاستفهام والأسئلة عن الذي يدور خلف الأكمة العربية، إن جاز لي هذا التوصيف لما تتعرض له المنطقة العربية، وقضية فلسطين تحديدا؛ من خطط مستقبلية يشوبها الغموض والضبابية، مع انها مغلفة بغلاف التطور والتنمية، الذي هو بانتظار الشعوب العربية؟! اعتقد جازما أن الصراع ليس صراعا فلسطينيا إسرائيليا، بل هو صراع عربي إسرائيلي، وهذا ما يؤكده جميع ما جرى ويجري حتى الآن في المنطقة العربية، وحتى في جوارها الإسلامي، لثلاثة ارباع القرن. إسرائيل أولا وأخيرا كيان إمبريالي في قلب المنطقة العربية؛ يتولى تنفيذ المهام الجيواستراتيجية للمصالح الأمريكية والغربية، التي يراد لها أن تكون مستدامة. مؤخرا في تصريح لوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، أكد فيها أن وجود إسرائيل وامن إسرائيل مهم استراتيجيا للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط.

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم