آراء

علاء اللامي: العراق يتجه نحو ثلاث دويلات طائفية مستقلة

العراق يتجه نحو ثلاث دويلات طائفية مستقلة تابعة للأجنبي تقودها عوائل وأحزاب سياسية فاسدة!

 بصراحة جارحة قد تزعج الكثيرين: العراق يتجه نحو ثلاث دويلات طائفية مستقلة تابعة للأجنبي تقودها عوائل وأحزاب سياسية فاسدة متصارعة على نهب الريع النفطي وزوال الرافدين! ليس ثمة من هم أسوأ وأكثر انتهازية ممن يصفقون للحكم اليوم ويلمعون عوراته إلا أولئك الذين صفقوا لحصار العراق ثم احتلاله بالأمس وبرروا وشاركوا في فرض هذا النظام وهاهم يزعمون معارضته اليوم وينقلبون على مواقفهم دون أن يعتذروا لشعبهم عن تلك المواقف والممارسات أو أن ينتقدوا أنفسهم عليها ويخرجوا بالنتائج المناسبة:

إنَّ واقع حكم التحالف السياسي بين الأحزاب الإسلامية الشيعية والكردية مع بقاء التمثيل السني الشكلي "حديدة عن الطنطل لأغراض الديكور" في رئاسة البرلمان ووزارة الدفاع وبعض الوزارات الأخرى الثانوية، يقول إنه نظام حكم كلبتوقراطي "لصوصي" رجعي تابع، للإرادات الخارجية وهو مستمر بسبب تقديم الخدمات لحماته الأجانب في مقدمتهم واشنطن وطهران، وحماته ومباركيه المحليين وفي مقدمتهم المؤسسة الدينية المرجعية التي تتحمل مسؤولية أخلاقية واجتماعية هائلة عن قيامه ودعمها له، والطبقة اللصوصية الناشئة المدعومة بأذرعها المسلحة، وتقديم خيرات العراق كنوع من "الخاوة" والرشى أكثر منها استحقاقات دستورية من الطرف الأول "الإسلامي الشيعي" المهيمن بفعل المحاصصة الطائفية والتوزيع السكاني إلى الطرف الثاني "الزعامات الكردية" التي تحتكر هي الأخرى تمثيل السكان العراقيين الكرد، أما ممثلو السكان العرب السنة فهم منساقون إلى المشاركة في اللعبة السياسية شكليا دون صلاحيات مهمة أو مشاركة في اتخاذ القرارات الحاسمة في تسيير شؤون الدولة مقابل حصة معلومة من غنائم الحكم لردم أي فراغ في ديكور الحكم، وعلى هذا فالدولة العراقية أمست منقسمة إلى ثلاث دويلات "أقاليم" شبه مستقلة وهي تتجه نحو تكرس وقيام هذه الدويلات والشطب على الدولة العراقية الواحدة وهذا هو الهدف العزيز على قلوب الغربيين والصهاينة والدول الرجعية الإقليمية في الشرق الأوسط: هذا الواقع تكرس ولا سبيل إلى تغييره من الداخل فانتخابات العشرين بالمئة باعتراف أقطاب النظام وهي قد تقل عن ذلك نسبة مشاركة من قبل حاضنات الأحزاب المدنية والعسكرية ثابتة ومعروفة النتائج المزورة مسبقا ولا يمكن تغيير النظام أو إصلاحه من داخله وبأيدي الفاسدين أنفسهم. قد تفلس أحزاب وشخصيات تماما كما حدث مثل حزب آل الحكيم وحزب الفضيلة وغيرهما ولكن المفلسين سيتم تعويضهم بطرق خاصة من قبل زملائهم في الحكم. من نتائج هذا الواقع الذي دام لمدة عقدين تكرست الحقائق التالي التالية:

أصبحت منطقة الإقليم الكردي غير مرتبطة بالعراق بأي علاقة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية سوى الاسم "إقليم كردستان –العراق"، وعلاقة الأخذ بلا عطاء، معبرا عنها باستلام حصة الإقليم من الموازنة العراقية وهي حصة تفوق الحصة المشروعة، مضاف إليها ما تحصل عليه تلك السلطات من بيعها المباشر للنفط ومن رسوم الضرائب والكمارك وغيرها، ولكن المواطنين الكرد لا يحصلون من هذه الحصة إلا الفتات بل وأحيانا لا يحصلون حتى على رواتبهم الشهرية التي تجمد بين بين فترة وأخرى. سياسياً يدير الساسة الكرد مناصب مهمة وسيادية في الدولة العراقية "الاتحادية"، فتنفيذا لمبدأ الشطب على هوية العراق العربية التي تقررت في دستور بريمر، بدفع من الانفصاليين المتطرفين بزعامة جلال الطالباني، مقابل تكريس الطائفية السياسية والدور القيادي لساسة الطائفة الشيعية والمتاجرة بـ "مظلوميتها" فأصبح الساسة الكرد يحتكرون رئاسة الدولة ووزارة الخارجية ومعها نسبة كبيرة من السفارات العراقية في الخارج وهذان المنصبان "رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية" يشكلان الواجهة السيادية والهوياتية للعراق، إضافة إلى مناصب نيابة رئاسة الوزراء ونيابة رئاسة البرلمان ووزارات مهمة أخرى.

وعلى صعيد العلاقات السياسية وتمثيل الدولة العراقية في الإقليم فيقتصران على رفع العلم العراقي إلى جنب علم الإقليم في مواضع محدودة، ولا علاقة للإقليم تربويا وقضائيا بالدولة العراقية وتبقى الغالبية السكانية الكردية تعاني شظف العيش والحرمان من الرواتب، فيما تنعم الأوساط الحاكمة بكل خيرات العراق.

أما في المناطق الغربية والشمالية ذات الأغلبية العربية السنية فواقع الحكم الذاتي والدويلة الطفيلية وشبه المستقلة قائمة أيضا، ويزداد رسوخا يوما بعد يوم واقع الانقطاع السياسي والاجتماعي والنفسي بين سكان هذه المناطق ومواطنيهم وأبناء عمومتهم في وسط وجنوب العراق فيما تتطور علاقاتهم ببعض مناطق الإقليم لأسباب شتى في مقدمتها تفاقم النزعة الطائفية الاجتماعية والسياسية وتفاقم أصناف التمييز على أساس الهوية الطائفية في جميع انحاء العراق كنتيجة لطبيعة الحكم القائم على أسس المحاصصة الطائفية والدستور المكوناتي ولا يمكن نكران أو تغطية هذا الواقع المأساوي بالشعارات والكلام الشعبوي الرخيص الذي يحاول البعض من خلاله تحويل الذكريات عن "الزمن الجميل زمن الاضطهاد والمقابر الجماعية" والرغبات الذاتية عن الوحدة الوطنية و الإخاء المجتمعي إلى واقع قائم، فجراح المرحلة الأخيرة التي امتدت لأكثر من عشرين عاما والمرحلة الدكتاتورية السابقة لها هي جراح عميقة ومتقيحة وعرضة للالتهابات واسعة النطاق في أي لحظة.

* زبدة الكلام: سيحمل الساسة الإسلاميون الشيعة معهم إلى القبور عار تدمير العراق ودفعه نحو هاوية التقسيم والزوال، وعار أفسد نظام حكم مرَّ في تاريخ العراق وأكثرها رجعية وانتهازية وتبعية للأجنبي وتضييعا لسيادة واستقلال العراق وكرامة مواطنيه!

هذه أدناه نماذج من الخاوات والتنازلات التي يقدمها نظام حكم المحاصصة لكي يبقى قائما حتى تدمير العراق تماما:

* مليارات الدولارات من العائد النفطي لقيادات الاقطاع السياسي الكردي على حساب المواطنين الكرد.

* تنازلات بالجملة للولايات المتحدة الأميركية عن سيادة واستقلال العراق واستمرارا بقاء العراق بلدا منزوع السلاح وبجيس رمزي لا يستطيع الدفاع عنه نفسه. بلد تابع تقود حكومته السفيرة رومانوسكي بالهاتف والزيارات المباشرة.

* تبادل تجاري مع تركيا يقارب عشرين مليار دولار سنويا ومن طرف واحد هو العراق الذي يستور غذاء شعبه منها مقابل رفض تركي قاطع وفج لتوقيع اتفاقية دولية لتقاسم مياه الرافدين دجلة والفرات بموجب القانون الدولي.

* تبادل تجاري مماثل مع إيران وربط سككي سيقضي على مشروع ميناء الفاو والقناة العراقية الجافة مقابل رفض إيراني حتى لمناقشة موضوع قطعها لمياه روافد دجلة وشط العرب.

* نفط خام ومشتقات بسعر رمزي يقل عشرين دولار للبريل عن السوق العالمي للأردن، والبدء بمد أنبوب نفط عملاق بين البصرة وميناء العقبة الذي لا يؤدي إلى أسواق النفط العالمية بل هو قريب شمرة عصا من ميناء إيلات الإسرائيلي، وربط كهربائي لاستيراد الطاقة من الأردن - وهي طاقة مشبوهة يُشك بأن من تنتجها هي شركات إسرائيلية - وكل ذلك مقابل لا شيء بل تنفيذ لأوامر أميركية مباشرة.

* تنازلات للكويت في الأرض والمياه الإقليمية العراقية دون محاولة الاحتجاج او إعادة النظر في قرارات الأمم المتحدة الخاصة بمعاقبة العراق بسبب حرب الخليج الثانية. والوزير الذي تجرأ وقال شيئا كهذا دفاعا عن مصلحة العراق اضطر تحت الضغط الحكومي والأميركي إلى سحب بيان مكتبة بعد منتصف الليل.

***

علاء اللامي

في المثقف اليوم