آراء

محمد جواد فارس: أنغولا الشعبية بعد الاستقلال من الاستعمار البرتغالي

ومرحلة التحرر الوطني والبناء بقيادة حزب العمل الانغولي

من قصيد للدكتور اغستينو نيتو (سوف نعود)

إلى انهارنا، إلى بحيراتنا، إلى الجبال، إلى الغابات سوف نعود

سوف نعود إلى مناجمنا حيث الماس والذهب والنحاس والنفط سوف نعود

إلى الوطن الانغولي الجميل أرضنا أمنا سوف نعود

إلى أنغولا المحررة أنغولا المستقلة.

***

الدكتور اغستينو نيتو اول رئيس لجمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال، وهو طبيب وشاعر. في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم وبتأثير من الأفكار التي جاء بها بلد لينين في ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، الاتحاد السوفيتي وكذلك منظومة البلدان الاشتراكية، برزت حركة التحرر الوطني في القارة الأفريقية بحركات منظمة ضد الاستعمار البلجيكي والبرتغالي والبريطاني ونشأت حركات مسلحة، قادها ولعب دورا هاما وبارزا فيها، أميلكار كابرال في حركة تحرير غينيا بيساو، وكذلك اغستينو نيتو قاد الحركة الشعبية لتحرير انغولا من المستعمر البرتغالي وظهور القائد باتريس لومومبا في الكونغو في تحريرها من الاستعمار البلجيكي، وحركة تحرير جنوب افريقيا من المستوطنيين البريطانية وحكومتهما العنصرية بقيادة نلسن ماندلا ورفاقه في حزب المؤتمر الافريقي الجنوبي.

واليوم أكتب عن جمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال الذي قاده الدكتور اغستينو نيتو ورفاقه في الحركة الشعبية لتحرير انغولا من الاستعمار البرتغالي الذي جثم على صدر الشعب لسنوات عديدة حتى أن تحررت عام 1975 ونالت الاستقلال، ولعب دورا ببناء الدولة المستقلة أغستينو نيتو ورفاقه في حزب العمل الانغولي، معتمدين على رفع مستوى التعليم في كل المجالات اولها البدء بمكافحة الأمية وإعداد الكوادر العلمية في مجالات متعددة، منها الطب والهندسة والعلوم وغيرها، و بناء الدور السكنية للشغيلة من العمال والفلاحين.

وفي عام 1980 قرر أتحاد الطلاب العالمي ومقره في جمهورية جيكوسلوفاكيا في العاصمة براغ، تشكيل فصيل اممي من الأطباء لمساعدة الشعب الانغولي، وفعلا جرى الاقتراح على المنظمات الطلابية المتواجدة في الاتحاد العالمي، وتمت الموافقة من قبل اتحادنا (أتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية)، وأقترح أرسال أطباء. عراقيين أنهوا دراستهم خارج العراق، ولم يتسنى لهم العودة العراق بسبب من الاضطهاد والسجن على يد النظام الدكتاتوري القائم، فجرت الموافقة من قبل كل من الدكتور ماجد كثير الصكر من موسكو جامعة الصداقة بين الشعوب والمسماة بأسم المناضل (باتريس لومومبا)، والدكتور فاضل سعيد من بلغراد يوغسلافيا واخته الدكتورة بخشان سعيد من موسكو وهم اخوة أبو محمود في القامشلي (جلال الدباغ ) كان انذاك مسؤول عن أرسال الرفاق الذين يأتون من الخارج لإرسالهم إلى كردستان للالتحاق بفصائل الأنصار الشيوعيين لمقاتلة النظام، وفاضل وبخشان من الاخوة الأكراد لكنهم لم يكملوا المشوار في العمل التطوعي، حيث ادعى الدكتور فاضل سعيد لدية قرحة في المعدة وهو بحاجة الى السفر إلى موسكو للعلاج وأشترط أن ترافقه اخته بخشان وهذا ما تم وجهزوهم الرفاق في اتحاد الشباب الانغولي ببطاقتي سفر وفعلا جرى تسفيرهم إلى موسكو، ومن الجدير بالذكر ان الدكتور فاضل سعيد كان مسؤول منظمة الحزب في يوغسلافيا وهو حدثني عن كيفية أرساله الرفيق الطالب نشأت فرج بالذهاب الى السفارة العراقية في بلغراد لتجديد جواز سفره ودخل الرفيق نشأت فرج الى السفارة ومهمة الدكتور فاضل ان يراقب الموقف من خلال زرف في الكنيسة المجاوررة للسفارة العراقية واعتقل الرفيق نشأت وسفر بطريقة وحشية الى بغداد ولم يطلق سراحه الابعد الاحتلال عام 2003، وانا كاتب هذه السطور محمد جواد فارس من مدينة كرسندار في روسيا الاتحادية، سبق وكانوا معنا أطباء من الهند وأيرلندا وصحفي من جيكوسلوفاكيا يغطي نشاطات الفصيل إعلاميا، بدئنا في دراسة اللغة البرتغالية، لكي يتم التفاهم مع المرضى ومع الناس، وهي لغة الدولة الرسمية، وتم تنسيبنا إلى مستوصفات في العاصمة لوندا الجميلة والواقعة على ساحل المحيط الأطلسي وكان نصيبي مستوصف تعمل به اخت خالد الذكر اغستينو نيتو وهي صيدلانية فيه ومسؤلة المستوصف، وتعرفنا على السفير الفلسطيني أبو فهد وهو من مدينة سلوان الفلسطينية، وفي سفارتهم اثنان، سائق السفير وكذلك مدير مكتبه، والسفارة كانت سفارة الكيان الصهيوني ايام المستعمر البرتغالي، وبعد الاستقلال تم طرد السفير الاسرائيلي وطاقم السفارة، وأعطيت البناية إلى سفارة فلسطين وللعلم انها اول سفارة تفتح في جمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال عام 1975، وليس كما يقال ان اول سفارة لفلسطين فتحت في طهران بعد الثورة، وهذا غير صحيح تاريخيا. وقد ساعدت الأخوة الفلسطنيين في انشاء مكتبة، فيها من الكتب السياسية والثقافية العربية والبرتغالية، والسفير أبو فهد كان يشاركنا احتفالاتنا بمناسبات عديدة ومنها عيد ميلاد الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار ويلقي كلمة وهو يتحدث أضافة للعربية اللغة الأم البرتغالية والانكليزية وبطلاقة، وقدم لنا الكثير كلما طلبنا منه ومثال على ذلك قضية سفينة الرزازة العراقية للصيد الأسماك، التي اخترقت المياه الإقليمية لسواحل انغولا للصيد السمك فيها معمل لتعليب الاسماك وبيعها الى دول قريبة مثل الكاميرون، وشارك في إطلاق السفينة لأنها ملك للشعب العراقي، وبفضله تم اطلاق السفينة بعد أن سدد العراق ضريبة تواجدها في الميناء الانغولي، و طلب من الرفاق الانغول عدم تسليم المناضل عوني القلمجي إلى نظام بغداد، وكان عوني مدعو للمشاركة في مؤتمر يعقد في لوندا للتضامن مع الشعب الانغولي، وحدثت اشكالات في تمثيله كعراقي وهو يحمل جواز سفر سوري. وقضية زوجتي د. رحيمة السلطاني التي جاءت لزيارتي وليس لديها تأشيرة دخول ذهب لاستقبالها في المطار وهو يحمل علم فلسطين. وشكرنا جهوده لتعاونه معنا.

و تابعنا عملنا في لوندا حتى كلفنا بعد فترة في السفر إلى مدينة أخرى، في الشمال تسمى ب أيويج عملنا في مستشفاها مع زملائنا من الأطباء الكوبين، ومن خلال عملنا اكتسبنا خبرات جيدة في الأمراض المتوطنة والتي درسناها في بلد السوفيت، ولكن دون مشاهدة لمرضى، كما هي داء الفيل، وليبرا والملاريا وغيرها من الأمراض (أمراض المناطق الحارة وشبة الحارة).

ومن خلال علاقتنا مع شبيبة اغستنو نيتو حدثونا عن البناء الاشتراكي وتطور القوى المنتجة وإعداد الكوادر العلمية في مختلف التخصصات وتحريك الصناعات منها استخراج النفط من منطقة كابندا في الشمال على المحيط الأطلسي، وكذلك المعادن المستخدمة، والاهتمام بزراعةالقهوة والكاكو و جوز الهند، علما أن هناك كانت تدار حرب أهلية بعد التحرير، حيث انشق عن السلطة جانوس سفمبي زعيم يونتا زعيم الاتحاد الوطني للاستقلال انغولا وشكل قوات في جنوب انغولا مدعومة من الامبريالية والمعادين للنظام نيتو وأصبح يقوم بعرقلة أمن الدولة والمواطنين، وكذلك في شمال انغولا ظهرت قوات معادية للتوجهات سلطة حزب العمل الانغولي، بقيادة روبرت هولدن، ورغم ذلك كانت كوبا تقف إلى جانب بناء انغولا الشعبية في مساعدتها صحيا وتعلميا اقتصاديا، ولايمكن نسيان دور المناضل الأممي ارنستو تشي جيفارا المشارك في حرب التحرير مع القائد اغستينوا نيتو، حتى أن الفلاحين يتذكرونه في الريف الانغولي عندما كان يحمل بندقيه الكلاشنكوف ويعالج الفلاحين، علمنا أنه كان يعاني من نوبات ربو قصبي شديدة الحدة، كان جيفارا يشارك في التخطيط وادارة المعارك ضد المستعمر البرتغالي. وعندما استلم الرئيس خوسي ادواردو دوس سانتوس وهوخريج بلد الاشتراكية الأول من جمهورية اذربيجان في معهد النفط المسمى بأسم عزيز بيكوف والمعروف دوليا بدراسته في مجال النفط تعقيبا وأستخرجا، وتخريج عدد كبير من الطلاب الأجانب من الدو ل النامية التي يتواجد فيها النفط، وطلاب من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، استفاد سانتش، أضافة لتخصصه العلمي، في دراسة الماركسية، في الفلسفة والاقتصاد السياسي وكذلك الاشتراكية العلمية، وعندما شغل مركزه الأول في الحزب ورئاسة الدولة مستفيدا من التجربة الاشتراكية في بناء الدولة، وضع الخطط السنوية من أجل البناء في مجالات متعدد منها تطوير التعليم والصحة والاهتمام في الزراعة والصناعة والاستفادة من ثروات البلد من النفط والقهوة والكاكو وجوز الهند وغيرها.و سخرت ثروات البلد من أجل بناء انغولا الحديثة والمتطورة حيث جرى الاهتمام بتطوير الإنشاءات الصحية في المدينة والريف وكذلك التعليم الاولي والعالي بعد القضاء على الأمية، وإعداد الكوادر في المجالات المطلوبة لمتابعة تطور البلد وفق متطلبات العصر، واليوم انغولا تسير وفق البرامج التي وضعها أوغستينو نيتو ومن بعده أدوار دوس سانتوس وقيادة حزب العمل الانغولي ونفذت العديد منها وكان لاتحاد الشباب الانغولي دورا هاما في عملية البناء.

و في القرن الواحد والعشرين وبعد انتهاء مرحلة الاستعمار وولوج الامبريالية وهيمنتها على اقتصاد الدول في بيع منتجاتها بما فيها الاسلحة الفتاكة وتدخلها السافر في إنهاء الأنظمة التقدمية وذلك بإستخدام جهاز المخابرات الأمريكية للتأمر على الشعوب و الأنظمة بالتعاون مع العملاء والمرتزقه، أصبح من الضرورة بمكان التخلص من هذه الهيمنة، وحتمت الضرورة أيجاد تعددية الاقطاب، بدلا من هيمنة القطب الواحد، وظهرت منظمة البريكست التي ضمت في صفوفها كل من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وجمهورية الهند وكذلك جمهورية أفريقيا الجنوبية والبرازيل، واليوم تتوسع بطلب العديد من الدول العربية والافريقية، وبالتالي سوف تنهي هيمنة الدولار الأمريكي على الإقتصاد العالمي. واليوم أفريقيا بعد أحداث انقلاب النيجر وطرد فرنسا المستعمرة للبلد والتي استغلت النيجر في سرقة اليورانيوم وارساله إلى فرنسا من أجل توليد الطاقة الكهربائية لفرنسا، وجدت النيجر في روسيا الاتحادية عون لها في التشدد بموقفها اتجاه طرد السفير الفرنسي، وسوف تحذوا دول أفريقية في إنهاء الاستعمار واللجوء إلى دول البريكست.

أنغولا الشعبية سوف تستمر في برنامجها الاقتصادي والسياسي، لبناء مجتمع أشتراكي.

***

محمد جواد فارس

طبيب وكاتب

في المثقف اليوم