آراء

عبد السلام فاروق: زلزال عظيم .. في فلسطين المحتلة!

الذهول هو سيد الموقف أمام الجميع.. فلا نحن ولا هم تخيل أن الجيش الإسرائيلى بهذه الهشاشة!

أروع ما فى الأمر أن يتزامن الانتصار الفلسطيني مع ذكرى نصر أكتوبر المجيد فى مصر.. لتتلاقى الفرحتان فى موسم واحد يجمع بيننا وبين أشقائنا فى فلسطين..  يوم الانتصار على العدو ..

مشاهد أسطورية..

ما حدث بالأمس وما زال يحدث هو أمر فى غاية العجب، ولم يُسبق أبداً مثله على مدار تاريخ الصراع العربى الإسرائيلي.. وهو ما يؤكد أننا أمام منعطف تاريخى له ما بعده..

من بعد طوفان ليبيا الذى أحزننا جميعاً، جاء الطوفان الذى أسعد كل العرب.. طوفان الأقصى. ساعات قليلة كانت كافية لتحدث المعجزة ونرى مشاهد تفوق الخيال.. السياج الإسرائيلى يندك والفلسطينيون يندفعون بالمئات ويتوغلون داخل المستوطنات، بينما المستوطنون يفرون مذعورين فى كل اتجاه لدرجة اختباء بعضهم داخل صناديق القمامة!

  يوم واحد كان كافياً لنشهد نتائج انتصار مؤكد سيتحاكى به العالم لسنوات قادمة، حتى لو أن العدو الصهيونى قام برد فعل غشيم كعادته فسيظل انتصار السابع من أكتوبر 2023 يوماً من أيام التاريخ وأن ما بعده ليس كما كان قبله..

  إننى لا أبالغ فيما ذهبت إليه من مزاعم؛ وتعالوا أشرح لكم أدلة مزاعمى تلك.. أولها أن الفلسطينيين جميعهم توحدوا في ذلك الحراك الفجائى، فمهما بدأت فصائل المقاومة ضربتها الأولى لكن تبعهم جميع الفلسطينيين شباباً وشيوخاً وأطفالاً بلا وجل أو تردد.. وهو ما جعل الوحدة التى يبحث عنها الجميع تحدث فى الميدان.. فجأة وبدون سابق إنذار وجد المستوطنون اليهود سكان فلسطين يعودون لأراضيهم المسلوبة، ويتجولون فى الساحات والميادين فى قلب إسرائيل! فكيف ومتى جاءوا؟

حدث الهجوم الفجائى بالتزامن براً وجواً .. جرافات أزالت الحواجز، وانطلق الرجال على دراجاتهم الهوائية أو مشياً على الأقدام، فى نفس الوقت الذى هبطت فيه مظلات مبتكرة بدون طائرات تحمل مقاتلين أشداء مدربين وصلوا إلىى العمق الإسرائيلي فى غياب الدفاعات الإسرائيلية.. وعلى نفس طريقة حرب السادس من أكتوبر اختارت المقاومة يوم السبت لهجومها المباغت ما يشي بتخطيط محكم سبق الهجوم التكتيكى البارع..

وفى يوم واحد انطلقت قذائف صاروخية تجاوز عددها 7000 قذيفة على رأس العدو الصهيونى، فكانت نتيجة كل هذا الهجوم المتزامن الكاسح سقوط ما يربو على700  قتيل ، وألفى مصاب بخلاف عشرات الأسرى منهم ضباط وقادة لجيش الكيان الإسرائيلي المحتل! فهل سمعتم من قبل عن مثل هذا الانتصار الفلسطينى فى مثل هذا الزمن القصير؟

وتلك فقط البداية

اللقطات القليلة المتفرقة التى سجلتها الكاميرات وبثتها وسائل الإعلام تؤكد أننا أمام ملحمة هائلة..

أهم وأعظم ما فى تلك الملحمة التكتم الشديد الذى يشي بعمل مخابراتى فائق البراعة أوصل المقاومة الفلسطينية إلى اقتحام العمق الإسرائيلي فى غفلة تامة من سائر أجهزته.. ولا أكاد أبالغ أن الفشل الاستخباراتى الإسرائيلي فى هذه الملحمة لا يقل أثراً عما حدث قبيل حرب أكتوبر المجيدة..  نفس الفشل والانهزام لجيش الاحتلال.. وسوف تكون ثمة محاسبة شديدة لكافة القادة الإسرائيليين الذين تسببوا فى هذا الفشل، تماماً كما حدث فى أعقاب انتصار 73..

(على نفسها جنت براقش).. هذا ما ينطبق على إسرائيل التى بدأت بالعدوان على قطاع غزة والأقصى، وسدرت فى غيها ببناء مستوطنات جديدة فى القدس رغم تحذيرات المجتمع الدولى. وانبرت تعتدى على الجميع داخل مخيمات جنين بلا أى وازع إنسانى ..  وظنوا أن كل هذا الاعتداء والبغى سيمر مرور الكرام وأن توسعهم فى بناء المستوطنات سيدفع اليأس فى قلوب الفلسطينيين، حتى فوجئوا بما لم يكن فى الحسبان..

بإمكانيات متواضعة وعزائم جبارة تحركت الفصائل الفلسطينية فى ثقة واقتدار لتصنع المعجزة تجاه ترسانة إسرائيلية مدججة بالسلاح والعتاد وقفت عاجزة مذهولة أمام الاقتحام المباغت. وأول الساقطين أمام الهجوم الكاسح كانت هيبة الجيش الإسرائيلي التى انكسرت كالقشة، قبل أن يسقط جنود الاحتلال كالذباب قتلى وجرحى وأسرى.. فى الوقت الذى اشتعلت فيه مركباتهم ودبابات الميركافا المتطورة وكأنها صفائح خردة أو هياكل فارغة بلا جنود يقودونها أو قل يحتمون بها!!

ردود الفعل العالمية تفاوتت لكنها جميعاً تؤكد أن ما فعله الفلسطينيون فى هذا اليوم سيكون درساً قاسياً يتذكره الإسرئيليون مدى الحياة فى أسوأ كوابيسهم التى يبدو أنها ستزداد فى المستقبل!

فرار القطيع ..

مشاهد الفرار كانت أبرز المشاهد وأكثرها دلالة على الفارق بين صاحب الحق واللص المغتصب..

فرغم أن الفلسطينيين أكثرهم كان أعزلاً من السلاح وقد اقتحموا المستوطنات بصدور عارية، إلا أن المستوطنيين الصهاينة فروا لمجرد مرآهم أمامهم، فلماذا كل هذا الذعر؟ السبب أنهم يعلمون أن أصحاب الحقوقجاءوا ينشدون استعادة حقوقهم المسلوبة.. وفى مطار بن جوريون اندفع الهاربون الفارون ينشدون اللحاق بأى طائرة ذاهبة لأى مكان إلا فلسطين المحتلة! وصفارات الإنذار باتت كغربان تنعق بالشؤم على آذان طالما صُمَّت عن صوت الحق.

كل هذا حدث ولما يبلغ عدد المقتحمين الفلسطينيين بضع عشرات، فما بالنا لو اتسعت الدائرة وزاد العدد إلى مئات وألوف، فكم عدد الفارين وقتها؟ إننى أرى أن استمرار المعارك بهذه الوتيرة سوف يسفر فى أدنى حالاته عن هجرة جماعية قادمة تخصم من تعداد إسرائيل عدة آلاف، أكثرهم من أثرياء اليهود الخائفين على مصالحهم وأموالهم.. ومثل هذا الأمر سيغير موازين الصراع القادم.

أبرع خطة ..

قالها الرئيس السادات قبل ذلك، إن السلام لا يُنال إلا على أطراف البنادق..  ولولا حرب أكتوبر ما جاءت معاهدة السلام. وهكذا الحال فى فلسطين المحتلة..  سوف تأتى المفاوضات وتحدث الهدنة عاجلاً أو آجلاً، لكنها ستأتى هذه المرة من موقف القوة والأنفة والكرامة..

 معركة صغيرة قصيرة نعم..  لكنها أحدثت زلزلة عظيمة سيتردد صداها إلى أبعد مدى.. المقاومة الفلسطينية أحكمت سيطرتها على مقاليد الأمور فى بضع ساعات، ولابد أن هذا الفعل الخارق سبقه إعداد هائل دام عدة شهور..  إنه تراكم خبرات اكتسبته المقاومة على مدار سنوات طويلة من المعارك كان الانتصار فيها جميعاً لصالح المقاومة، وإن كان الانتصار هذه المرة هائلاً عظيم الأثر..

الهجوم جاء مركزاً على قاعدة رعيم التابعة للمنطقة الجنوبية وفرقة غزة الإسرائيلية المكونة من 20 ألف جندى.. وخلال الضربة الأولى المباغتة تمت السيطرة على قطاعات واسعة بعد شل قدرات الفرقة وأسر قائدها وإحراق عدد من الدبابات.. كل هذا تم تحت غطاء نارى كثيف من صواريخ وقذائف كان الهدف منها شغل العدو بالهجوم الصاروخى، بينما السيطرة الحقيقية تتم على الأرض من خلال هجوم برى وجوى مزدوج! ولم تستطع إسرائيل الرد على المقاومة باستراتيجية "حنبعل" المكشوفة بقصف أماكن تجمعات المقاومة حال الكر والفر، أما هذه المرة حال العدد الهائل للأسرى من الجنود والمستوطنين دون اتخاذ رد فعل عنيف قد يودى بحياة هؤلاء الأسرى.. إننا أمام تخطيط محكم محسوب تلافَى كل أخطاء وعيوب الخطط السابقة عليه.. فى هذه المعركة السريعة البارعة كسرت المقاومة الفلسطينية حاجز المستحيل وسطرت تاريخاً جديداً للمقاومة ومنعطفاً يسير بالصراع العربي الإسرائيلي نحو نهاية لن تكون أبداً فى صالح  إسرائيل .

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم