آراء

T. H: ما الذي كان سيقوله ماركس عن غزة؟

بقلم:  T. H

من صفحة نورمان فنكلستين

ترجمة وتعليق: قصي الصافي

***

لماذا اخترت هذا المقال:

* منذ الحملة البربرية على غزه، توحد الاعلام الأمريكي والأوربي الرسمي في شن حرب اعلامية موازية لحرف الانظار أو تبرير الجرائم الصهيونية التي لا يمكن ادراجها الا ضمن بربرية القرون الوسطى. احدى وسائل هذه الحرب الاعلاميه التركيز فقط على ما ارتكبته حماس ضد المدنيين وانتزاع إدانتها من كل ناشط يناصر القضية الفلسطينية، وذلك لتبرير الابادة الوحشية التي يرتكبها الجيش الاسرائيلى بحق المدنيين والأطفال.

ما إن يستضاف ناشط مناصر للقضية الفلسطينية حتى تتحول المؤسسة الاعلاميه الى مؤسسة تحقيق أمنية تحاول أن تنتزع اعترافاً منه بان حماس منظمة ارهابية وعليه إدانتها. بعض المفكرين والناشطين المساندين لحقوق الشعب الفلسطيني رفضوا ادانة حماس - مع إقرارهم بلا إنسانية تعرضها للمدنيين- وذلك لأنهم أدركوا لعبة الاعلام و خبثه، و في مقدمة هؤلاء نورمان فنكلستين، تشومسكي، كريس هيجز، يانيس فيروفاكيس وآخرين. وفي المقابل بعض المثقفين العرب من اللبراليين أمثال ابراهيم عيسى ومجدي خليل وغيرهم لم يكتفوا بشتم وشيطنة اي نوع من المقاومة بل تعدوا ذلك الى ترويج الخطاب الصهيوني علانيةً وبحماس منقطع النظير.

المقال التالي المنشور في صفحة فنكلستين يتضمن في معظمه فقرات من مقالات كارل ماركس، يرفض فيها ادانة ثوار الهند فيما سمي آنذاك بحرب الاستقلال الاولى عام 1857 م، رغم إقراره بالفظاعات التي ارتكبوها، وهو يدين بدلاً من ذلك وحشية البريطانيين وسياسة الاذلال والقمع والتي انتجت غضباً متراكماً ونزعة انتقامية تجسدت بالعنف والقسوة التي ارتكبها الثوار.

** تمت الترجمة بقليل من التصرف كى تكون أقرب لأدراك القارئ العربي المعاصر دون اي مساس بالمضمون.

المترجم

...................

نص المقال:

حدث أن واجهت بريطانيا تمرداً واسعاً شكّل تهديداً خطيراً لحكمها في الهند عام 1857 م، وقد كانت الهند آنذاك معيناً غزيراً للثروة التي تستجرّها بريطانيا بقوة السلاح. بدأ عصيان الجنود الهنود (السيبويز) متمردين على قيادتهم البريطانية، ومن ثم توسع التمرد ليشمل فئات شعبيه واسعة من المجتمع الهندي وفي مناطق مختلفة. كان كارل ماركس آنذاك يكتب بانتظام في صحيفة ( ذا نيويورك ديلي تربيون )، وقد نشر العديد من المقالات عن الهند؛ وكان رد فعله لذلك التمرد ملهماً:

" ما ارتكبه السيبويز الثائرون كان حقاً صادماً ومريعاً يفوق الوصف - عنف كهذا لا نشهده إلا في الحروب القومية أو العرقية أو الدينية-. كانت بريطانيا تصفق لفظاعات أكثر قسوة، كالبشاعات التي ارتكبها الفنديون ضد البلوز* ، أو العصابات الاسبانية ضد الفرنسيين (الكفار)، أو الصرب ضد جيرانهم الالمان والهنغار، أو الكروات ضد ثوار فينا، أو حملة التقتيل والترهيب من قبل كافاغناك ضد ابناء وبنات الكادحين في فرنسا. مهما بلغت السمعة السيئة لما ارتكبه السيبويز الثائرون، فلم يكن ذلك إلا من مخرجات ممارسات العنف والقمع من قبل بريطانيا، ليس خلال فترة إنشاء امبراطوريتها الشرقية فحسب بل حتى في العشر سنوات الاخيرة حيث أمنت هيمنتها واستتب لها الاستقرار ولفترة طويلة. لنصف حكمها يكفي القول ان التعذيب الجسدي كان مرتكزاً اساسياً في سياستها المالية (هنا يلمح ماركس لشركة الهند الشرقية التي حكمت الهند باسم التاج البريطاني، والتي بلغت قسوتها بمعاقبة عمال مصانعها من الهنود - على سبيل المثال لا الحصر- بتقطيع اصابع اليد بالسيف.... المترجم). انها قاعدة تاريخية بان العنف والغضب المتراكم ينتج عنفاً مضاداً، وان العواقب ليست من صنع المظلوم بل هي مسؤولية من ظلمه "

(الفقرة السابقة يذكر فيها ماركس مجموعة من الثورات المضادة والحروب في زمانه والتي قد لا تكون مألوفة للقارئ مما يلزم التوضيح بإيجاز. الفنديين مليشيا فلاحية انضمت الى قوى الردة الملكية لمحاربة جيش الثورة الفرنسية و كانوا يدعونهم البلوز Blues لانهم يرتدون زياً أزرق، العصابات الاسبانية حاربت نابليون من عام 1808 الى 1814 في اسبانيا والبرتغال،  كافاغناك وزير دفاع فرنسا الذي ارتكب المجازر بحق ثوار 1848م. في كل هذه الاحداث التي تضمنت مجازر وأعمال ارهابيه كانت بريطانيا تحتفي بها، بينما تصف الثائرين ضد بريطانيا بالوحشية، الامر الذي نشهده اليوم أيضاً بوصم حماس بالارهاب وغض الطرف عن ارهاب الدولة الاسرائيلية، ناهيك عن مجازر الغرب في الدول النامية في فترة الاستعمار القديم والحديث.... المترجم).

" ونحن أمام هذه الكارثه، من الخطأ الفادح أن تنسب البشاعة للثوار السيبويز، بينما نفترض أن نهر الطيبة والروح الانسانيه يتدفق على الضفة البريطانية... رسائل الضباط البريطانيين ترشح عنفاً و أحقاداً "

(هنا يشير ماركس الى رسائل علنية لضباط الجيش البريطاني وهم يتبجحون بممارساتهم الوحشية مثل شنق أو قتل اي هندي يصادفونه بالشارع، أو حرق قرى بسكانها وهتك الاعراض، والاسرائيليون هم أيضاً لا يخفون نيتهم بالابادة الجماعية بتبجح، يكفي ان نذكر تصريح نتنياهو وهو يستشهد بسورة صاموئيل بالتوراة آية العماليق " أقتلوهم جميعا، رجالهم و نساءهم وأطفالهم و رضّعهم، اقتلوا عجولهم وماشيتهم، جمالهم و حميرهم.." ... المترجم)

" علينا ايضاً أن لا نغفل كيف تتم رواية الفعل البريطاني - على طريقة اسرار الخلافات الزوجية - إذ تروى بشكل مبسط و موجز وسريع دون الدخول في التفصيلات المريعة و المقززة، بينما تجري المبالغة و التهويل بما ارتكبه الهنود فيخبروننا عن جدع الأنوف، وبتر الاثداء وغير ذلك. المفارقة هنا ان البشاعة التي ارتكبها السيبويز تثير مشاعر الاوربي أكثر من القاء قذائف حارقة على مجمعات سكنية من قبل رئيس جمعيه السلام في مانشستر، أو حرق العرب الذين حوصروا في كهف من قبل مارشال فرنسي، أو سلخ جلود الجند البريطانيين بالسياط على وقع طبول المحاكم العسكرية، أو ماتبتكره بريطانيا في مستعمراتها من أجهزة التعذيب (الخيرية). البشاعة مثل اي شئء آخر تتغير حسب المكان والزمان، فالقيصر يعلن صراحة أوامره بقطع إيدي الآلاف من جنود الغال، الأمر الذي يخجل من فعله نابليون الذي يفضل ان يرسل جنوده الذين يشك بولائهم الى سانت دومنغو ليموتوا بالطاعون"

(الاعلام الغربي اليوم لا يختلف كثيراً عما وصفه ماركس في الفقرة السابقة، اذ يخفي جرائم اسرائيل ويردد عبارة حقه في الدفاع عن نفسه، بينما لايكتفي بسرد تفاصيل مافعلته حماس بالمدنيين، بل يلفق روايات وأكاذيب عن أعمال مروّعة ثبت عدم صحتها في فضائح متكررة لاعلام عالم الكلمه الحرة. ... المترجم)

" جون بيل (الاسم التقليدي للمواطن الانكليزي) يجب ان يغرق حتى اذنيه بروح الثأر والانتقام، كي ينسى أن حكومته هي المسؤولة عن انتاج العنف المضاد بصيغته المرعبة"

في مقالة منفصلة يشرح ماركس دور التعذيب الجسدي الذي يمارسه البريطانيون على الهنود لمراكمة الثروة، ويختم مقاله بالفقرة التالية:

" ما بيناه ليس الا فصلاً موجزاً  ومخففا من التاريخ الحقيقي للحكم البريطاني في الهند، وفي ضوء تلك الحقائق ألا يخلص الرجل العاقل والمجرد من الانحياز العاطفي إلى أنه من العدل ان يقاوم الشعب لطرد محتليه الاجانب وهم يمعنون في اذلاله؟، أليس من المستغرب أن ندين المتمردين الهندوس في خضم ثورة تمرد وصراع بالجرائم والفظائع المزعومة؟

***

..................

1 -Marx and Engels, The First Indian War of Independence 1857-1859, pp. 79-82; available online at https://www.marxists.org/archive/marx/works/1857/09/16.htm

رابط

2 -Ibid. 67; available online

at https://www.marxists.org/archive/marx/works/1857/09/17.htm

رابط ناشر المقال

https://substack.com/redirect/8066b205-756e-4d10-ae45-24fa0aa79e66?j=eyJ1IjoiczlxN2kifQ.yWs-YOkyFkraEJvD3LOtsu5B8HkkGX636-NM1ziyTbk

في المثقف اليوم