آراء

عادل رضا: طوفان الأقصى تقييم اللحظة الراهنة

ماذا لدينا بعد سبعة وعشرين يوما منذ انتصار المقاومة الفلسطينية الساحق في عملية طوفان الأقصى، كيف نقرأ الحدث؟ ماذا جرى؟ وما هي قراءتنا للمشهد؟ وسنحاول هنا الحياد العلمي مع تصويبنا المضاد للصهاينة لأنهم اعدائنا ومن يقول غير ذلك فهو "خائن" بكل وضوح وصراحة ونقطة على السطر، وهذا الامر "لا" نقاش و"لا" جدال فيه، فالخيانة ليست "وجهة نظر" وليست رأي" وليست فكر، بل هي حالة شريرة شيطانية تخدم الأجانب والغزاة.

فماذا هناك بعد اليوم السابع والعشرين؟

تزايدت القناعات ان الكيان الصهيوني هو من يدير الولايات المتحدة الامريكية، وهذا أصبح أكثر وضوحا مع الاحداث الحالية بعد انتصار طوفان الأقصى، ولعل الولايات المتحدة الامريكية "الإمبراطورية" و"الدولة" "لا" تملك مع الصهاينة الا التمنيات او محاولات الكلام او طلب التفكير حالها حال دول اوروبا ؟! وصاحب القرار الحقيقي هنا هم اللوبي الصهيوني في تلك البلدان والقرار في الامر والنهي يقال في مدينة تل الربيع الفلسطينية المحتلة والتي يطلق عليها الغزاة الأجانب اسم "تل ابيب" ؟!

وهذه القناعة تأتي أيضا لما نشاهده من تناقض مصلحي امريكي أوروبي مع الصهاينة حيث انهم "لا" يريدون اشعال حرب إقليمية أخرى في العالم وخاصة مع صراعهم العسكري ضد الجمهورية الاتحادية الروسية على ارض أوكرانيا، حيث يعاني الامريكان والأوربيين اقتصاديا مع هذه الحرب والتي تعتبر احد اكبر الحروب داخل القارة منذ الحرب العالمية الثانية وما يجرى فيها ليس سهلا عليهم ، حيث انكشاف سوء وقلة ترسانتهم العسكرية مع الانهيارات الاقتصادية والضرر المعيشي ضد مواطنيهم، ورغم كل ذلك فأن الكيان الصهيوني قد ضرب في عرض الحائط كل تمنيات أمريكا وأوروبا للتهدئة او الـتأجيل، لذلك قلنا ان القرار الأساسي في يد الصهاينة.

علينا ان نعرف كذلك ان "الصهاينة" "لا" يختلفون عن بعضهم البعض بما يختص في مسألة غزو البلاد العربية انطلاقا من ارض فلسطين الا في المسألة الزمنية حيث جزء منهم يقول في طول النفس واخذ الامتداد المطلوب للغزو الصهيوني من النيل الى الفرات ضمن خطط وترتيبات طويلة الزمن لهذا نجد مشاريع الانفصالية السودانية والكردية مدعومة منهم وأيضا مشاريع التعطيش للعرب المشرقيين من خلال مشروع السدود في شرق الاناضول المقامة في تركيا "الحليفة لهم" وسدود النهضة في اثيوبيا لضمان اذلال الإقليم الجنوبي المصري عند الحاجة حيث يتم تحريك الاذلال التعطيشي بواسطتهم، وكذلك خلق مواقع جغرافية عربية بلا هوية و"لا" شخصية ذات ميوعة فكرية وسقوط أخلاقي وأمور أخرى.

في الجانب الاخر هناك صهاينة "لا" يريدون الانتظار الزمني هذا ويريدون حرق المراحل الزمنية للغزو والسيطرة، ولكن في المحصلة النهائية هؤلاء جميعا هم غزاة وأجانب يريدون القضاء علينا نحن "العرب" وهم اعدائنا، لذلك ان نقاومهم ونحاربهم وان نسعى للقضاء عليهم هو مسألة حياة او موت بالنسبة لنا ك "عرب" لأنهم غزاة وأجانب، ومن يعتقد انه في مأمن من غزوهم فهو واهم لأن السيف القاتل والذبح ستأتي على رقبته بعد ان ينتهي الصهاينة من الاخرين، فهؤلاء لا ينظرون الينا ك "كويتيين او سوريين او لبنانيين او يمنيين او سودانيين او تونسيين او جزائريين او مغاربة...الخ " هؤلاء ينظرون الينا ك "عرب" وفقط مسيحيين كنا او مسلمين.

لذلك حربنا معهم "وجودية" وليست "حدودية"، وعلينا ان نفهم ونعي ذلك، وان نتحرك عسكريا وامنيا وثقافيا واقتصاديا واعلاميا على أساس هذا الواقع، وان "لا" نتحرك في "سذاجة" و"حمق" ضمن خططهم التأمرية وان "لا" نستهلك دعاياتهم وان "لا" نصدق اكاذيبهم وان "لا" ان نبلع إعادة خطاباتهم الدعائية على السنة "بعض" العرب المتصهينين في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وقنوات التلفزيون الفضائي والصحف، لأن هؤلاء المتصهينين  باعوا عروبتهم ودينهم وارضهم للغزاة الأجانب.

ماذا هناك أيضا ضمن تطورات ما حدث في معركة طوفان الأقصى؟ والتي هي في كل الأحوال انتصار مهم جدا رغم الخسارة البشرية والألم الإنساني البشع الذي حصل ويحصل كل يوم يمر، لكن في حقيقة الامر ان ما حدث قد دمر "اسطورة" "الكيان الصهيوني" المزعومة من انها المتفوقة في كل شيء وخاصة الجيش والاستخبارات والامن والمتابعة السرية الدقيقة لكل تفاصيل الحياة والسيطرة الشاملة، فكل هذه الأسطورة من الهواء الساخن التي تم خلقها منذ تأسيس هذه القاعدة العسكرية على ارض دولة فلسطين المحتلة، ان هذه الأسطورة قد تم تحطيمها بواسطة منظمة سياسية عسكرية بسيطة من خلال الإرادة والشجاعة والتصميم وأيضا تم تغيير "الذهنية الفلسطينية" في التعامل مع العدو الصهيوني، وبالتالي ان هذه الأسطورة الوهمية للقوة قد تم تحطيمها وهذه الأسطورة من المستحيل ان يتم إعادة بنائها من جديد، ومعه اصبح هناك قناعة عربية من ان التحرير هو طريق من يعمل عليه ضمن الخطة والهدف والصبر والحركة ضمن مواقع القوة الموجودة.

ان هذا الامر لم يضرب القاعدة العسكرية للأجانب على ارض دولة فلسطين فقط بل امتد هذا التحطيم لتلك الأسطورة لباقي الدول الغربية و"شلة" دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، وكل ما نشاهده ونراقبه من ردات فعل عسكرية دموية وتصريحات صهيونية وغربية كلها تتحرك في مسألة إعادة السيطرة على الموقف ومحاولة ترقيع تدمير وتحطيم تلك الأسطورة، ولا شك ان العامل الاخر ان الحركة الصهيونية هي مسيطرة على شلة دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية لذلك نجد ان تحركات تلك "المافيا" من الدول ليس لها علاقة اطلاقا بأي قانون دولي او بأي إنسانية او بأي فطرة بشرية سليمة وكل ما يقومون به بعد "انتصار عملية طوفان الأقصى" هو شيطاني بامتياز وشرير في الدرجة الاولي وخزي وعار تاريخي سيلاحقهم، ومواقفهم كشفت زيف ادعاءاتهم، وأيضا انهم يعيشون عقلية عنصرية نازية تريد استعباد الاخرين كما كان هتلر يعيش تلك العقلية.

في لحظة الانتصار لعملية طوفان الأقصى هناك تبعات مستمرة فضائحية يعيشها الكيان الصهيوني في أكثر من مجال ومنه الميدان العسكري حيث شاهدنا جميعا اخبار هزائم دباباته في كمائن المقاومة الفلسطينية وهروب الاطقم البشرية المشغلة وفرار الجنود.

والواقع الجديد يعطينا كذلك دلائل ان المقاومة الفلسطينية ليس لديها شيء لتخسره وان لديها قرار وقناعة بذلك وخاصة ان بلدهم محتل ومستباح من الأجانب الغزاة الصهاينة، حيث ان ربحوا فهم منتصرين وان خسروا عسكريا فأنهم لن يخسروا شيئا لأنهم أساسا قبل عملية طوفان الأقصى هم مستباحين وتحت الاذلال والاحتلال والموت المتواصل.

داخل الكيان الصهيوني أتصور ان هناك حالة انهيار نفسي وعقلي وهذيان جاء ايضا لتدمير تلك "الأسطورة" وان الغزاة هناك وصلوا لقناعة انها النهاية لما يعتبره الصهاينة "مجدا" لهم في كل الحروب السابقة، وهذا الانهيار أيضا جاء في ظل وجود اجندات شخصية للمجرم العنصري نتنياهو لكي يتجنب المحاكمة والسجن وهذه المسألة في ظل اجماع كل المراقبين وهناك اتفاق شامل تأكيدي عليها، وأيضا هناك ترقب وتأهب لتنظيف البيت الصهيوني الداخلي وهذا الامر سيفجر التناقضات الداخلية بين الغزاة الأجانب بينهم وبين البعض الاخر وهذا ما حرص رئيس المنظمة العسكرية الأمنية الاستخباراتية التابعة للجمهورية الاسلامية داخل لبنان السيد حسن نصر الله على إدخاله ونشره في أجزاء من خطابه الأول بعد عملية طوفان الأقصى، رغبة منه لزيادة التناقضات بينهم، وهذه المسألة أيضا لها تبعات وتأثيرات على الكيان الصهيوني القاعدة العسكرية التي أقامها الأجانب على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة، وهناك ترقب لمتابعة ماذا سيحدث من صراعات؟ حيث ان حالة التخبط بينهم مفيدة لنا نحن العرب من باب "فخار يكسر بعضه".

في الجانب المقابل واضح ان هناك قراءة وواقعية منطقية ان عملية طوفان الأقصى ستعمل تغييرات جوهرية انقلابية في النظام الرسمي العربي "المتخاذل" و"الفاشل" والذي لم يقدم شيئا ، وخاصة مع العالم المتعدد الأقطاب "القادم" للتأثير على الملعب العربي بأكمله، وعلينا ان نشاهد المشهد في زاوية مهمة تتعلق في ارسال الولايات المتحدة الامريكية لأساطيلها البحرية للمنطقة والتي تبعتها في ذلك جمهورية الصين الشعبية في ارسال اسطولها البحري في إشارة واضحة ان الملعب الدولي لم يعد أمريكيا "فقط" وهذا الامر يمتد الى جمهورية روسيا الاتحادية والتي لديها ليس فقط ترسانة نووية هي على اتم الاستعداد والجهوزية لاستخدامها، بل أيضا ترسانتها العسكرية الأخرى هي أيضا متطورة ومتقدمة.

يقول الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين: "الأهم اليوم هو تشكيل قطب إسلامي عالمي متمحور حول ذاته، لقد اختار الغرب الجماعي إسرائيل وتخلى عن فلسطين، فيجب أن يتحد المسلمون ضد هذا القرار الجيو سياسي، وهم كذلك، روسيا أيضاً ستبقى قوية مع فلسطين، إنه المنعطف الحاسم للتوازن الدولي، روسيا قطب، ويتعين على الدول الإسلامية الآن أن تشكل قطبا آخر، والعدو المشترك هو خير مساعد، دعونا نجتمع معًا لإنهاء العولمة وإنشاء عالم متعدد الأقطاب حقيقي وقوي."

" إن روسيا تقف إلى جانب عالم متعدد الأقطاب وضد الهيمنة الأمريكية، إن الإسلام هو أهم قطب في عالم متعدد الأقطاب، وقد دخل الآن في مواجهة مباشرة مع الغرب والولايات المتحدة اللتين انحازتا بالكامل إلى إسرائيل وإرادتها الوحشية في الانتقام من الفلسطينيين بأي ثمن والقضاء على جميع سكان قطاع غزة من على وجه الأرض، وقد حددت روسيا موقفها بوضوح: ففي حين تدين روسيا الهجمات الإرهابية الوحشية التي تشنها حماس، فإنها تعارض بشكل قاطع الأعمال الإرهابية غير المتناسبة التي تقوم بها إسرائيل، إن مصير ملايين الفلسطينيين على المحك، ولا تستطيع موسكو أن تنظر بهدوء إلى ما ستفعله إسرائيل بالفلسطينيين بدعم كامل من الولايات المتحدة، يجب إطلاق سراح الرهائن، وإلغاء العملية البرية، وإنقاذ حياة الناس على الفور."

وطبعا لا نتفق مع كل ما قاله ألكسندر دوغين ولكن ما يهمنا في هذا الكلام هي الرغبة الروسية التي تتوافق مع مصالحنا القومية العربية حيث نفهم من كلام "دوغين" ان جمهورية روسيا الاتحادية هي ساعية الى إعادة تشكيل الحالة الإسلامية الدولية ك أحد الاقطاب العالية الجديدة؟ ولكن اين المسلمين من كل هذه التغيرات الدولية وقبلها اين هم العرب؟ ماذا عن الجانب السوري البعثي؟ وجانب الجمهورية الإسلامية؟ والحركات المقاومة للصهاينة في المنطقة؟

"علميا" الى الان لا يوجد "تحرك مهم" حيث في لبنان تجرى الأمور ضمن ما يتعارف عليه في "قواعد الاشتباك" والتي بها كلام كثير وتفاصيل متعارضة إذا صح التعبير فهناك من يقول ان مسألة قواعد الاشتباك هي "تغطية لمواقف" وهي ترتيبات واتفاقات استخباراتية سرية بين الأطراف المتنازعة لمنع تغيير مسار الحدث والحفاظ على "حالة الستاتيكو" أي بقاء الحال على ما هو عليه، أي كما ذكرنا هي "تغطية لمواقف" "لا" تغير مسار الحدث، وأنها ضمن "المزايدات" التي لا تغير شيء في الواقع، حيث من الواضح ان الجمهورية الإسلامية تتنصل من "حدث" طوفان الأقصى، وتكرر ارسال الخطابات الإعلامية بهذا الخصوص على لسان مرشد الثورة الإسلامية السيد على الخامنئي، وايضا كما صرح بذلك "الموظف" تحت يافطة رئيس نظام الجمهورية "السيد إبراهيم رئيسي" وكذلك هذا ما قاله ممثل الجمهورية الإسلامية في الأمم المتحدة، وانتهاء في رئيس المنظمة الأمنية العسكرية الاستخباراتية التابعة لهم في لبنان السيد حسن نصر الله حيث أعاد التأكيد على تلك المسألة في بدايات خطابه الإعلامي الأول لما بعد انتصار عملية طوفان الأقصى.

واضح ايضا ان الجمهورية الإسلامية كما هم الامريكان والأوربيين "لا" يريدون حرب إقليمية، او على الأقل لا تريد "الجمهورية الإسلامية" ان تنتقل الحرب الإقليمية ضمن جغرافيتها الوطنية، وهي ماضية في عقلية تثبيت حالة الستاتيكو خارج أراضيها ضمن قواعد للاشتباك متفق عليها بين الاطراف والجمهورية الإسلامية أيضا من الواضح انها لا زالت تحاول فرض نفسها "قوميا" ولا أقول "إسلاميا" ك "شرطي للمنطقة" صاحب النفوذ والسيطرة، وهي تسعى للحصول على موافقة الغرب بهذه المسألة ؟! وهذه حالة من الوهم وفقاعات الامنيات الفارغة التي عاشتها الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من عشرة سنوات والتي "لا" تريد ان تقتنع انها سياسة فاشلة واحلام، وخاصة انها تتحرك ضمن جغرافيا ليست ضمن مجالها الحيوي الطبيعي التاريخي ناهيك انها تستفز الجميع في تلك الحركة لأنها تنطلق ضمن حالة قومية استعلائية إيرانية تتحرك في مناطق "فشل الدولة العربية" وغيابها، ضمن رافعات طائفية تقدم نماذج سيئة، وهذا أيضا امر كررناه في أكثر من موقع اعلامي وتناولته في كتبي المنشورة وأحاديثي.

ولكن في الجانب الاخر هناك من يقول امر مختلفا وهو ان ما يتم تسميته ب " قواعد الاشتباك" هي امر تم فرضه لأنها هي "منتوج قوة" و"امر واقع" ضد الأعداء وخاصة ضد الكيان الصهيوني، وليس لأحد ان يزايد على تلك المسألة خاصة ان "الطفولية السياسية" والحالة الكلامية الاستعراضية والمزايدات لم تفيد العرب "سابقا" أيام المد القومي الناصري في أي شيء، وهذه القواعد المفروضة للاشتباك هي من حققت "هزيمة" الصهاينة وطردتهم من الجنوب اللبناني فالعكس هو الصحيح وان المزايدات هي في الجهة المقابلة التي تنظر لهذه القواعد في شكل سلبي، فطول النفس الزمني مع تلك القواعد الاشتباكية اذا صح التعبير أيضا هو شي مطلوب بعيدا عن الاستعراضات الخطابية.

أيضا ضمن نفس السياق هناك من يقول ان الحالة الوطنية الخاصة في الأرض الإيرانية هي الحاكمة وهي الأهم عندهم، فمن الأشياء التي تم نقلها عن أحد اقطاب الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران عند سؤاله المباشر لماذا "لا" تقصفون القواعد العسكرية الامريكية بأنفسكم؟ ولماذا "لا "تردون على هجمات الصهاينة ضدكم في افتعال الحرائق والاغتيالات والتفجيرات والهجومات السيبرانية ضد المصانع والمفاعلات النووية .... الخ.

جاوب بالتالي: "بأنه لو قصفنا قاعدة أمريكية في صاروخ واحد فأن الولايات المتحدة ستتخذها ذريعة لأنهائنا، ولسنا مجانين للدخول في هكذا مغامرات تضعنا في مصير مجهول والحالة الوطنية الايرانية هي الأهم وما هو مهم".

من هذا الكلام تعود مسألة "قواعد الاشتباك" للظهور من جديد ويعاد السؤال حولها مجددا من ناحية مختلفة إذا كانت امر فرضته المقاومة او هو ترتيب غير معلن او اتفاق رتبه طرف ثالث لضمان عدم تغيير الواقع الحالي"؟ اذن من ذلك ينطلق السؤال التاريخي؟ فهل كان قصف قاعدة عين الأسد ردا على قتل الضابط التابع لمنظمة حراس الجمهورية الإسلامية "سليماني" هو ضمن اتفاق استخباراتي مباشر بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة او عن طريق طرف ثالث لأنهاء المسألة ضمن "قاعدة اشتباك" كما حدثت آنذاك؟ او ان الرد هذا كان امر حقيقي؟ هل هذه المسائل ممتدة في الواقع الحالي وخاصة كما ذكرنا ان الجمهورية الإسلامية "لا" تريد أكثر مما هو موجود وهو "حالة الستاتيكو"؟

الإجابة "لا" اعرف.

يبقي موقف الجهورية العربية السورية؟ ما هو؟ وكيف نقرأه ضمن حيادية تحليلية وقراءة علمية؟

علينا ان نقول ونثبت مسألة تاريخية أساسية، ان كل ما نراه من واقع مقاوم عسكري ممتد في لبنان وغزة وباقي فلسطين هي أفكار "قديمة" وقناعات "سابقة" زمنيا" و"قارئة للمستقبل" عاشتها الدولة السورية وبدأت العمل عليها في الثمانينات والتسعينات ممثلة في رئيسها آنذاك المرحوم حافظ الأسد ومن هم مؤدلجين قوميا في العقيدة الثقافية لحزب البعث الحاكم، وضمن عقلية وتخطيط طويل المدى عسكريا وامنيا وأيضا تحضير زمني طويل، فهذه الانفاق وشبكاتها ومعداتها ومهندسيها وأيضا الأسلحة والصواريخ ومنظومات الامن والاتصال والتدريب ...الخ أساسا من بدأها وقام بها هو "الجيش "العربي" السوري" في لبنان ضمن اتفاق مع الجمهورية الإسلامية وما تم نقله في فلسطين في العموم وفي منطقة غزة في الخصوص هذا كله ضمن الخطة الدولة السورية القومية العربية البعثية، فأساس المسألة "عربي" و"وقومي" و"مؤدلج" وضمن قناعات ايمانية تريد الحرية والاستقلال لكل العرب منطلقة من سوريا ك "قلعة العروبة الصامدة" وهذه المسألة ليست نشيدا او عبارات عاطفية او اثارات حماسية بل هي "واقع" متحرك على ارض الواقع ومسألة تراكمية طويلة الزمن لها ابعاد من هنا وهناك ك "نقطة الحبر" الممتدة والمتسعة في الماء الصافي والتي نحصد نتائجها اليوم على ارض الواقع الفلسطيني، ولولا استقبال الدولة السورية لتنظيم حماس على أراضيها لما اتسع نطاق عملها ولما تم نقل مسائل صناعة وتطوير الانفاق اليها، ولولا الودائع المالية المليونية التي قدمتها الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض ايران لمنظمة حماس، لما صار لها كل هذه المحافظ المالية الاستثمارية في أوروبا وباقي العالم ولما كان لها كل هذه الشبكات الإعلامية والإدارية والاستخباراتية والتمويل الذاتي المتواصل...الخ ناهيك على انها جزء من تنظيم دولي لجماعة الاخوان المسلمين والذي أيضا له تحالفاته وعلاقاته...الخ.

ما نريد ان نقوله من هذا الكلام: ان الفكرة تنطلق من لحظة زمنية وتتراكم الإنجازات والتطورات لكي نصل الى "لحظة زمنية" "جديدة" تصنع "تغيير" و"انقلاب" في المشهد العسكري ومعها يتم خلق واقع جديد فيه انتصار للعرب في صراعهم ضد الغزاة الأجانب، وهذه المسألة ضمن "ذهنية جديدة" وعقلية تعيش الخطة ذات الهدف الملموس على الأرض، ومن هنا جاء واتى نجاح وانتصار "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر تشرين.

ولكن ما اريد ان أضيفه ك تعليق على هذا الامر:

صحيح ان هكذا خطة قد نجحت في مراحلها الزمنية القديمة والممتدة الى "لحظتنا الزمنية الحالية" ولكن أتصور انها حاليا قد استنفذت نجاحاتها وأدت غرضها ولا يوجد لديها نجاح "قادم" يستحق ان يتم الاستمرار فيها على المستوى التطبيق العملي في "لحظتنا الزمنية هذه" حيث استنفذت ايجابياتها وتم تطوير منظمة عسكرية امنية استخباراتية داخل لبنان، ومنظمة عسكرية مشابهة داخل قطاع غزة، انتهت الى تحقيق انتصار طوفان الأقصى، وهي تاج نجاحات التخطيط البعثي السوري خارج جغرافيتها الوطنية.

وهي مسألة "اعجازية" انطلقت ضمن واقع ضاغط وحصار محكم وتأمر مستمر متواصل ضد الجمهورية العربية السورية والتي تم اغلاق منافذ الحرب العسكرية المباشرة الذي تستطيع ممارسته ضد الصهاينة بعد الغدر الساداتي عليها في حرب أكتوبر 1973 وبعد طعنها بواسطة اسقاط مشروع الوحدة العراقية السورية مرورا بفقدانها الاقليم الجنوبي المصري بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، فاضطرت "سوريا" آنذاك الى نقل موقع صراعها العسكري الى لبنان حيث كان مضرب الحجر العسكري والأمني والاستخباراتي ضد الصهاينة وباقي الاجانب، ومع هكذا انتقال للصراع منها فهي حمت ترابها الوطني وجغرافيتها الوطنية من التدمير وفي نفس الوقت حاولت فرض سلام يعيد لها الجولان المحتل، الى ان عملت الدولة السورية "خطأها الاكبر" في الانسحاب العسكري من لبنان في العام 2005، فنجح بعدها حلف الناتو والصهاينة في نقل "الصراع العسكري للداخل الجغرافي السوري الوطني، مع تحريك اليات الثورات الناعمة...الخ وهذه المسألة حذرنا منها قبل حدوث ما يسمى "ربيع عربي" ويمكن مراجعة كتابي "ما وراء الستار" لمزيد من التفاصيل والتوثيق.

ولكن في اللحظة الراهنة أتصور ان على قيادة الجمهورية العربية السورية ومراكز تفكيرها وأجهزتها الأمنية والعسكرية وحزب البعث الحاكم ان يعيدوا النظر في خطة الدولة السورية "القديمة" والانطلاق في "خطة جديدة" لها هدف تحرير التراب الوطني السوري من الأجانب الامريكان والصهاينة والالمان والانجليز والفرنسيين والاتراك، وإعادة صناعة التوازن الاستراتيجي العسكري والأمني وأيضا إعادة صناعة منظومة ثقافية انقلابية قومية جديدة لها علاقة بما هو مستجد ومستحدث من عالم متعدد الأقطاب قادم للسيطرة والانقلاب على كل مسارات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ان لسوريا قدر وهو ان تكون قومية عربية، وهي القلعة الصامدة والتي أطلقت خطة طويلة الأمد كلنا شاهدنا انتصاراتها في تحرير جزء كبير من جنوب لبنان ما عدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر، وأيضا انتصار "طوفان الأقصى".

ماذا بعد؟ لا نعرف الإجابة فهذه المسألة سيجاوب عليها الزمن القادم لما بعد 27  يوم من انتصار طوفان الأقصى.

***

د. عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

في المثقف اليوم